سلط جان بيير فيليو، المؤرخ الفرنسي البارز والأستاذ في معهد الدراسات السياسية وكلية باريس للشؤون الدولية، على الصراع الخفي بين الإمارات وفرنسا في القارة الأفريقية.

وأشار الكاتب في مدونته على صحيفة “لوموند” الفرنسية، إلى أن الإمارات تتزايد معارضتها للسياسة الفرنسية في القارة السمراء، وكان أخرها دعم الانقلاب الأخير في السودان.

وأصدر القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الذي يرأس مجلس السيادة في السودان، الاثنين 25 أكتوبر / تشرين، أول مرسوماً بحل الهيئة الانتقالية والحكومة، كما أغلق الحدود، وأعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، ووضع رئيس الوزراء المدني قيد الإقامة الجبرية.

ومن جهته، ذكر البرهان أن الجيش السوداني استولى على السلطة لتجنب اندلاع حرب أهلية، ووصف تحرك الجيش بأنه ليس انقلابا، إذ كان الجيش يحاول تصحيح مسار الانتقال السياسي، حسب تعبيره، متهمًا في أول مؤتمر صحفي له منذ إعلان الاستيلاء على السلطة السياسيين بالتحريض على القوات المسلحة.

كذلك قيّد الجيش، بدعم من قوات شبه عسكرية من قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ “حميدتي” الوصول إلى شبكة الإنترنت، وأغلق مطار الخرطوم وانتشر في شوارع العاصمة حيث أطلق النار على المتظاهرين.

وقال جان بيير فيليو: إن الرئيس ماكرون أدان “بأشد العبارات” في 25 أكتوبر/ تشرين أول المنصرم، انقلاب المجلس العسكري السوداني الذي أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية.

وأوضح أن صرامة الإليزيه تتناسب مع استخفاف الانقلابيين بالسودان ورعاتهم الأجانب وفي مقدمتهم الإمارات العربية المتحدة.

وأوضح أن فرنسا تدعم بالفعل دون تحفظ، ولمدة عامين، الهيئة الانتقالية في السودان تحت قيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، من أجل التخلص من الإرث المأساوي للرئيس عمر البشير، الذي استمر لثلاثة عقود من الديكتاتورية العسكرية.

وأكد أن المعارضة المدنية، التي أدت انتفاضتها السلمية في أبريل/ نيسان 2019 إلى سقوط البشير، وافقت على تقاسم السلطة مؤقتًا مع رئيس الأركان عبد الفتاح البرهان، حيث كان من المقرر انتهاء هذه الفترة الانتقالية قريبًا، وبالتالي انتقال السلطة بشكل رسمي إلى المدنيين، وهو ما أقنع البرهان بتنفيذ الانقلاب الأخير.

 

دعم فرنسي للانتقال السوداني

وذكر الكاتب باستقبال إيمانويل ماكرون، في سبتمبر/ أيلول 2019، عبد الله حمدوك في قصر الإليزيه لمدة ثلاث ساعات، ثم أعرب له بقوة عن “دعم فرنسا” لـ “إعادة البناء الاقتصادي للسودان وبناء نظام مدني وديمقراطي بهدف إجراء انتخابات حرة نهاية عام 2022”.

بل إن الرئيس الفرنسي بادر في مايو/ أيار الماضي باستضافة “مؤتمر دولي لدعم الانتقال السوداني” بباريس في جادةChamp-de-Mars ، في إشارة صريحة إلى “عيد الاتحاد 14 يوليو 1790” وهو اليوم الذي يقام فيه احتفالًا بوحدة الأمَّة الفرنسيَّة خلال الثورة، قائلا “هذه هي نفس المُثل التي نحتفل بها اليوم”.

وأضاف باللغتين العربية والفرنسية: ” نلخصه في ثلاث كلمات: حرية، سلام، وعدالة، ثلاث كلمات نادى بها ثوار الثورة السودانية، ثلاث كلمات لايزال يتردد صداها قويا في بلدنا فرنسا، ثلاث كلمات تمثل تطلعاتي الدولية: الحرية، السلام، العدالة”.

ونوه الكاتب إلى أن فرنسا استطاعت خلال هذا المؤتمر أن تحصل للسودان على إجراءات مهمة لتخفيف ديون تبلغ 60 مليار دولار ورثتها عن الديكتاتورية الساقطة.

وتابع القول: إن ماكرون قد أقام علاقة وثيقة مع حمدوك، الاقتصادي المخضرم، ورجل السلام والمبدأ، ليس من قبيل المبالغة، وفي الوقت نفسه كانت العلاقات أكثر رسمية مع الجنرال البرهان، الذي تمت دعوته أيضًا إلى باريس في مايو/ أيار الماضي، ولكن تحت رئاسة مجلس انتقالي كان من المفترض أن يتركه في الأشهر المقبلة. 

في المقابل، كان رئيس الأركان السوداني لفترة طويلة الرجل المميز للإمارات العربية المتحدة وولي العهد الأمير محمد بن زايد، وهي شراكة تم صياغتها عام 2015 خلال مشاركة الدكتاتور البشير في التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن. 

بعد ذلك أصبح محمد بن زايد قريب من البرهان الذي أشرف على عمليات الكتيبة السودانية في اليمن، إلى درجة أن بات التابع الرئيسي له في الخرطوم والمستفيد من دعمه متعدد الأوجه.

 

إستراتيجية الإمارات ضد فرنسا

ويقول الكاتب إن الرئيس ماكرون علق على العلاقة القيمة بمحمد بن زايد، في الإشارة إلى استقباله يوم 15 سبتمبر/ أيلول، بحفاوة كبيرة في Château de Fontainebleau، بمناسبة تدشين مسرح نابليون الثالث، الذي تم ترميمه بأموال إماراتية، لافتا إلى أن “الرجل الإماراتي كان حريصاً على عدم الكشف لمضيفه الفرنسي عن ديناميكيات الانقلاب التي ستظهر قريباً في السودان”.

وأكد أنه في ذلك اليوم، كان الرجل القوي من أبو ظبي حريصًا على عدم الكشف عن مضيفه الفرنسي عن ديناميكيات الانقلاب التي ستظهر قريبًا في السودان.

وفي 21 سبتمبر/ أيلول، فتحت محاولة الانقلاب الفاشلة بالفعل سلسلة من الاضطرابات التي، على الرغم من احتجاجات 21 أكتوبر/ تشرين أول الحاشدة لصالح الحكومة المدنية، لم تمنع الإطاحة بها على يد البرهان بعد أربعة أيام. 

وبالتالي فإن الإمارات العربية المتحدة تتماشى مع الاستراتيجية المضادة للثورة التي دفعتها بالفعل، في يوليو/ تموز الماضي، إلى دعم تونس في تعليق العملية الدستورية من قبل الرئيس قيس سعيد.

وبحسب جان بيير فيليو فإن هذا الخيار المضاد للثورة، في السودان وكذلك تونس، تشترك فيه مصر والمملكة العربية السعودية، لكنه لا يمثل بالنسبة للإمارات قضية جيوسياسية بقدر ما يمثل نهجًا عقائديًا، حيث يجب دفن التحولات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم العربي، حتى لو كان ذلك يعني الترويج، كما هو الحال في الخرطوم، لإعادة تشكيل المجلس العسكري.

وأكد أن هذه الرؤية تتعارض تمامًا مع تلك التي كشفها الرئيس ماكرون على سفينة Champ-de-Mars ، في مايو/ أيار الماضي، وإذا أضفنا إلى ذلك دور الوقود الذي تلعبه أبو ظبي الآن من خلال تشجيع الرباط في مواجهتها مع الجزائر، يمكننا أن نرى مقدار الخلافات مع باريس التي تتراكم في القارة الأفريقية. 

وخلص إلى أنه لا شك أن الفرصة لم تفت على فرنسا لمواجهة أهداف الإمارات بهذه المنطقة في العديد من النواحي الاستراتيجية.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا