نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا عن الأزمة الإنسانية التي يشهدها اليمن في ظل الصراع الدائر حول مأرب، حيث أشارت إلى أن السكان هم من يدفعون ثمن القتال للسيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية التي قد يغير مصيرها مسار الصراع.
وقالت “لوموند” بالنسبة للمتحاربين في اليمن، السيطرة على مأرب هي أم المعارك، أم بالنسبة للسكان المدنيين، تواصل القتال كابوس لا نهاية له، فمنذ فبراير/ شباط، يحاول الحوثيون، المليشيات الموالية لإيران من شمال البلاد، طرد القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، من محافظة مأرب وعاصمتها، بعد طرده من العاصمة صنعاء في فبراير/ شباط 2015، مما عجل بتدخل المملكة العربية السعودية.
وأكدت أن معركة الاستنزاف هذه قد أودت بالفعل بحياة مئات المقاتلين من كلا الجانبين، فبحسب التقرير الذي أعلنه مسؤولون عسكريون موالون يوم السبت 10 أبريل/ نيسان، خلفت المعارك ما لا يقل عن 53 قتيلاً من الجانبين خلال أربع وعشرين ساعة، بهذه المنطقة الاستراتيجية والحاسمة لإمدادات الطاقة في البلاد.
وتنتج مأرب ما يقرب من 10٪ من وقود الديزل، وقبل كل شيء 90٪ من غاز البترول المسال المستهلك في اليمن، والذي يستخدم في الطهي والتدفئة في جميع المنازل اليمنية تقريبًا، في حين أن النقص الحاد في الوقود أصاب بالفعل أجزاء كثيرة من البلاد.
ووفقا للصحيفة يمكن أن تحدد هذه المعارك ملامح أي تسوية سياسية للحرب الأهلية، إذا سقطت مأرب، فسيكون الحوثيون قادرون على تحقيق نصر استراتيجي يمنحهم ميزة في أية مفاوضات، وسيسمح لهم بتشديد سيطرتهم على النصف الشمالي من اليمن.
أما إذا نجح الجانب الأخر في الحفاظ على المدينة، سينقذ بذلك المعسكر الموالي لهادي معقله الوحيد في البلاد، وسيسعى لفرض سلطته في مكان آخر، خاصة جنوب البلاد الذي يشهد توترا من جانب الانفصاليين.
ويقول بيتر سالزبوري، المحلل والمتخصص في الشأن اليمني بمنظمة مجموعة الأزمات الدولية غير الحكومية (ICG): مأرب هي آخر المعاقل الموالية لهادي فيما كان يطلق عليه اليمن الشمالي قبل توحيد البلاد عام 1990″.
وأضاف “من الناحية الرمزية، فإن خسارته ستشكل انتكاسة كبيرة للحكومة التي يعترف بها المجتمع الدولي ويدعمها التحالف السعودي، ولهذا السبب تكمن أهمية مأرب. بالنسبة للحوثيين، كما بالنسبة لقوات المعسكر الحكومي، الذين يشكل هذا الهجوم عليهم خطرًا وجوديًا”.
ويتابع بيتر سالزبوري “من المحتمل أن تلعب عدة عوامل دورا هناك، لكن العامل الرئيسي هو قناعة الحوثيين بقدرتهم على الاستيلاء على هذه المدينة وإنهاء الحرب في الشمال، وتحسين الجدوى الاقتصادية للمناطق التي يسيطرون عليها وموقفهم التفاوضي مع المملكة العربية السعودية “.
موقف واشنطن
وبحسب “لوموند” هذه الأسباب تقود القوات الجوية السعودية إلى مضاعفة الضربات في محاولة لمنع تقدم الحوثيين، ووفقا لـ “مشروع بيانات اليمن”، الذي يجمع بيانات عن غارات التحالف السعودي، نصف الغارات الجوية التي شنت في فباير/ شباط شملت مأرب، مما يجعلها أكثر المحافظات قصفًا هذا الشهر.
وردا على ذلك، يشن الحوثيون موجات من هجمات مسلحة بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مواقع نفطية ومنشآت عسكرية ومطارات سعودية، على أمل تضييق الخناق على السعودية.
ونوهت بأن تعيين إدارة الرئيس جو بايدن مبعوثا أمريكيا خاصا جديدا لليمن مهمته تجديد الحوار من خلال اعتماد موقف أكثر توازنا بدلا من الدعم غير المشروط للرياض الذي أبدته الإدارات السابقة، ليس له أي تأثير على المتحاربين حتى الآن.
ولفتت إلى أنه لا يزال الحوثيون يطالبون بوقف كامل لإطلاق النار قبل أي تعليق لهجومهم على المدينة، بما في ذلك إنهاء الضربات السعودية ورفع الحصار المفروض على المناطق التي يسيطرون عليها، من خلال إعادة فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء، وهو احتمال في الوقت الراهن غير مقبول بالنسبة للرياض التي تخشى وصول تدفق السلاح من إيران.
لكن بينما وصفت حصيلة الصراع بالفعل بأنها “مروعة” من قبل الأمم المتحدة، حيث قتل ما يقرب من 250.000 شخص، فإن كل يوم من أيام الحرب هو طويل جدًا بالنسبة للمنظمات غير الحكومية ومقدمي الخدمات الإنسانية في مأرب.
وتقول الأمم المتحدة أن المعركة داخل المدن ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وخطر المجاعة في بلد يحتاج 80٪ من سكانه إلى المساعدة والحماية.
وتسبب القتال المكثف في المنطقة بالفعل في نزوح أكثر من 40 ألف شخص إلى مدينة مأرب وما حولها بحلول نهاية مارس/ آذار، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. كما تذكر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن “هؤلاء الوافدون الجدد هم من بين 750.000 نازح وجدوا مأوى في محافظة مأرب في السنوات السابقة”.
حرائق إطلاق النار
ويقول الدكتور علي التام، مدير منظمة الحماية المدنية واصفا الذعر واليأس “إن الوضع الصعب بالفعل للاجئين يتدهور يومًا بعد يوم من حيث السكن أو الوصول إلى الغذاء أو الخدمات الأساسية. ناهيك عن خطر التفجيرات اليومية بحصتها من القتلى والجرحى، بينما يستهدف الحوثيون مخيمات اللاجئين في محيط المدينة”.
ويؤكد “يفر الناس من إطلاق النار، وقبل كل شيء من الحرائق التي تسببها، وأقد أدى الاكتظاظ إلى انتشار الحرائق بسرعة بين الخيام أو المساكن المؤقتة. حدث هذا مجددا في 5 أبريل / نيسان، عندما دمر حريق 17 منزلاً في مخيم الجفينة، وهو الأكبر في البلاد. إنها كارثة إضافة إلى اللاجئين الجدد الذين وصلوا بالكاد قبل عام أو عامين. “
من جهتها تشير ياسمين القاضي، رئيسة مؤسسة فتيات مأرب إلى أن ” الناس تنتقل من مخيم إلى آخر، إذ وصلت للتو أكثر من 550 عائلة إلى مأرب، بعدم أجبرت على الفرار من الضواحي بسبب القصف”
وتضيف “المساعدات الإنسانية قاصرة عن تلبية الاحتياجات ولا تلبي احتياجات الأسر النازحة بينما تعاني البلاد أيضًا من تفشي وباء كوفيد -19 مع وصول الموجة الثانية من الوباء” مؤكدة أن “المخيمات بحاجة إلى دعم عاجل”.
وتختتم الصحيفة تقريرها بقول علي التام “كان لا يزال يوجد أمن واستقرار نسبيان هنا. وكل شيء يجب إعادة بنائه… حتى برنامج الغذاء العالمي اضطر، في الوقت الحالي، إلى تعليق تدخلاته”، معربا عن خشيته أيضًا من قدوم حر الربيع، ثم الصيف، الذي يمكن أن يزيد من تدهور الظروف المعيشية.
للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا
اقرأ أيضًا: اليمن.. التحالف يشن 25 غارة على مأرب وحجة
اضف تعليقا