مخاوف باريس حيال الوضع بتشاد، والرهان الفاشل على المشير الليبي خليفة حفتر، موضوع تناولته صحيفة “لوموند” في ظل تداعيات الواقع الجديد على مصير عمليات فرنسا العسكرية بمنطقة الساحل بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي 20 أبريل/ نيسان الماضي.
وتساءلت “لوموند” هل يمكن أن يغير خيبة الأمل تجاه تشاد نظرة باريس إلى المسرح الليبي؟ وهل سيساهم ذلك، على وجه الخصوص، في إعادة اعتبار المشير حفتر، “حارس” الحدود الجنوبية لليبيا، حيث انطلق هجوم المتمردين الفتاك ضد ديبي؟
وقالت الصحيفة أصبح لا يخفى على أحد الدعم الفرنسي الكبير لرئيس الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، الذي كان بمثابة رهان إستراتيجي لباريس، والمساعدة المقدمة – أمنية وسياسية- إلى هذه الشخصية البريتورية منذ عام 2016.
وأوضحت أن الهدف كان السماح لمن كان تعتبره باريس “الرجل القوي”، المنغمس في محاربة الإرهاب، بإحلال الاستقرار بليبيا في خضم فوضى ما بعد “الربيع العربي” من أجل تهيئة وضع أفضل لعملية “برخان” التي تقودها باريس بمنطقة الساحل.
ونوهت “لوموند” بأن ما حدث في تشاد خلال الفترة الماضية يظهر إلى أي مدى انعكست توقعات باريس، كما تبين أن الرهان على المشير الليبي كان فاشلا بشكل كامل.
وأضافت “لم يقتصر الأمر على عدم قيام (الحارس) بفعل أي شيء لإيقاف عمليات تسلل المتمردين عبر ليبيا، بل إن المجموعة المتمردة التي وجهت الضربة القاتلة لديبي، جبهة التغيير والوفاق (فاكت)، جاءت من تحالف عسكري متنوع بني حول حفتر في شرق وجنوب ليبيا.
ولفتت إلى أن المشير كان دائما سخيا جدا في تجنيده “مرتزقة” تشاديين وسودانيين (من دارفور)، ناهيك عن مقاتلي فاجنر الروس الذين وضعتهم موسكو في خدمته.
تواطئ استراتيجي
ووفقا للصحيفة الفرنسية، وجود (فاكت) في صفوف هذا التحالف لا يعني أن حفتر رعى أو حتى وافق على الهجوم على ديبي، الذي كانت تجمعه صداقة ظاهرية بحفتر تحت اسم “الحرب المشتركة ضد الإرهاب”، وهو تواطئ استراتيجي شجعته بقوة فرنسا الحريصة على تعزيز عملية “برخان”، فلم يكن لدى المشير أي سبب موضوعي لمهاجمة ديبي من خلال “المرتزقة”.
وتابعت “لكن ما حدث أثبت أن حفتر غير قادر على منع أتباعه التشاديين من مهاجمة صديقه ديبي، الذي كان يتحدث كثيرًا عن حقيقة سيطرة المشير على جنوب ليبيا”.
ورغم تأكيد مسؤول سابق في الأمم المتحدة أن “وجود حفتر في فزان ليس ثابتا، ومتقطع فقط”، واصلت فرنسا في السنوات الأخيرة تصنيف موقف حفتر في المعادلة السياسية بأنه “لا بد منه” بحجة أنه يسيطر على “80٪ من الأراضي الليبية”.
وتساءلت “لوموند” مجددا ألم تبالغ باريس في تقدير قدرة المشير على الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها وأيضا حلفائه؟ وماذا تبقى من رهان فرنسا الاستراتيجي على حفتر؟
وبينت أنه إذا أخذنا “الخطر الجهادي” كمعيار، ففي الحقيقة حفتر كان “فعالاً” – على حد تعبير مسؤول أمني فرنسي سابق – ضد تنظيم داعش في بنغازي خلال عامي و2016-2017، لكن التكلفة كانت قصف عشوائي لأحياء سكنية كاملة.
ففرنسا في ذلك الوقت زودته بخبرة فنية لا تقدر بثمن – في المسائل الاستخباراتية – استفاد منها لتغذية طموحاته لغزو ليبيا بشكل أكثر شمولاً.
أما إذ نظرنا إلى الوضع من منظور إقليمي أكثر، تضيف لوموند، فإن النتائج بالنسبة للمصالح الفرنسية ستكون أكثر تفاوتًا.
مرتزقة فاجنر
فالهجوم الذي شنه المشير في ربيع عام 2019 ضد حكومة طرابلس (في ذلك الوقت بقيادة فايز السراج)، المدعومة رسميا من الأمم المتحدة، لم يكن له سوى النتيجة الملموسة الوحيدة – إلى جانب كارثة إنسانية – تصاعد التدخل غير المسبوق للأجانب.
وأكدت أن وصول مقاتلين روسيين تابعين لفاجنر (إلى جانب حفتر) وجنود أتراك مدعومين بقوات كردية سورية (إلى جانب حكومة طرابلس) لليبيا هو نتاج مباشر لمحاولة حفتر لغزو العاصمة – التي فشلت في النهاية – والتي لم تعارضها فرنسا في ذلك الحين.
ورأت الصحيفة أن فرنسا لا يمكنها الآن سوى عض أصابعها، بعد إقامة سيادة عثمانية جديدة بغرب ليبيا (طرابلس) على الحدود مع تونس، ما يؤثر بشكل مباشر على المصالح الفرنسية في البحر الأبيض المتوسط.
أما بالنسبة لمقاتلي فاجنر، تقول لوموند، فتحيط به الشكوك أيضا، حتى الآن، فعلى عكس التصور الأمريكي، اعتبرت فرنسا الخطر التركي أكثر “تهديدًا” من الخطر الروسي، لكن إلى متى سيستمر هذا التصور في ظل ما يبدو أنه صراع نفوذ آخذ في الظهور بين باريس وموسكو في منطقة الساحل؟
وتشدد الصحيفة الفرنسية على أنه في الواقع لا يمكن فهم ما حدث بتشاد خارج هذا السياق الجديد، فهل يجب أن تؤمن باريس بالسيناريو الذي همس به الأمريكيون، والذي بموجبه من الممكن أن يكون متمردي (فاكت) استفادوا من دعم فاجنر في هجومهم ضد ديبي؟ بيد أنه لم يتم تقديم أي دليل رسمي حتى الآن.
لكن في نجامينا، تواصل الصحيفة، يعتبر مسؤول مع ذلك أن الاتصال “ممكن”، وأن أحد العناصر المثيرة للقلق بشكل خاص، هو امتلاك (فاكت) صاروخ أرض-جو (أدى لسقوط طائرة هليكوبتر تشادية)، إذ يتطلب التعامل معه تدريبًا من النوع الذي يمكن أن توفره فاجنر، لافتة إلى أن المجموعتين عملتا جنبا إلى جنب في ظل التحالف الموالي لحفتر في فزان.
واختتمت “لوموند” تقريرها بالقول: حتى لو ظل تحديد مسؤوليات كل منهما غير واضح في هذه المرحلة، فإن الصدمة قاسية بالنسبة لباريس، التي دفعها سعيها للاستقرار في منطقة الساحل إلى المراهنة على حفتر.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا