تسبب الانفجار الذي ضرب العاصمة اللبنانية يوم الثلاثاء 4 أغسطس / آب في خسائر بشرية فادحة، حيث تم تسجيل أكثر من 130 حالة وفاة حتى الآن بالفعل ولا شك أنه سيتم انتشال المزيد من الجثث من تحت الأنقاض في الأيام المقبلة، حيث تكدست المستشفيات بالآلاف من الجرحى.
هذه الخسائر تنذر بكارثة صحية طويلة المدى من الصعب التداوي منها سريعاً، فـ “هذا النوع من الكوارث يترك المدينة وسكانها بجراح عميقة وغائرة”، وفق تصريح الطبيب وعالم الأوبئة “تييري لانغ”، الأستاذ في جامعة تولوز.
هذا النوع من الأحداث، كانفجار قوي جدًا في بيئة “حضرية”، يتسبب في تناثر الغبار بصورة كبيرة، مع تطاير مخلفات الاحتراق، يتسبب في تأثيرات صحية طويلة المدى، كتلك التي نتجت عن حادث تولوز في 21 سبتمبر/أيلول 2001، والذي تسبب به نترات الأمونيوم أيضاً، وكذلك تلك التي نتجت عن الهجوم على مركز التجارة العالمي وانهيار البرجين، والذي وقع قبل حادث تولوز بعشرة أيام.
في ذلك الحين، أصيب عدد كبير من السكان جراء هذا الانفجار بمجموعه من الأمراض مثل الاكتئاب، واضطرابات السمع، وزيادة حالات الإصابة بأمراض القلب ومشاكل الأوعية الدموية وأنواع معينة من السرطانات.
يصف “تيري لانج”: “في تولوز، كان ما رأيناه أولاً تأثيرًا كبيرًا على الصحة العقلية، لا سيما على السكان الأكثر ضعفًا وعلى الأطفال ومع مرور الوقت، تلاشت آثار إجهاد ما بعد الصدمة، ولكن بعد ذلك شهدنا زيادة في عدد حالات الاكتئاب.
هذه الآثار مثل الزيادة الحادة في استهلاك المؤثرات العقلية، كانت أكثر وضوحا كلما اقترب الشخص من موقع الانفجار، لكنه أثر في نهاية المطاف على البلدة بأكملها، في السنوات الثلاث التي تلت انفجار مصنع “ايه زد اف تولوز”، لوحظت زيادة في أمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات السمع.
بين تولوز وبيروت، تختلف السياقات والسكان اختلافًا كبيرًا، حسب ما يثير غضب عالم الأوبئة الفرنسي، بين مدينة مزدهرة بالحياة ومدينة أخرى تميز تاريخها الحديث بالحرب.
من ناحية أخرى، حتى في بلد مزدهر مثل فرنسا، “نرى أنه بعد كارثة مثل كارثة مصنع تولوز، يميل الناس إلى وضع القضايا الصحية وراء المشاكل المادية الأخرى التي تنشأ، والتخلي عن صحتهم كان له تأثير ضار عليهم، وربما يكون أكثر حدة في لبنان.
في سياق إفلاس الدولة وانهيارها الاقتصادي، سيتم ربط الآثار الصحية طويلة الأجل للكارثة أيضًا بصيانة بعض الخدمات التي تضمن النظافة العامة، “ولا سيما خطر الإصابة بالعدوى”.
في تولوز، اقتصرت المراقبة الصحية على ثلاث سنوات، باستثناء دراسة الأمراض المزمنة الأخرى التي يحتمل أن تكون ناجمة عن الانفجار، على وجه الخصوص، لا يمكن تحليل الاختلافات المحتملة في حدوث بعض أنواع السرطان، بسبب عدم وجود سجل السرطان الذي يغطي تجمعات تولوز.
في نيويورك، كما هو الحال في تولوز، كان تأثير الأحداث على الصحة العقلية كبيرًا، كما يوضح طبيب الأطفال وعالم الأوبئة “ليو تراساندي”، والأستاذ في جامعة نيويورك، ومؤلف العمل حول التأثير طويل الأمد لـ 11 سبتمبر 2001.
في الأسابيع التي تلت هجوم سبتمبر، تم رصد عشرات الآلاف من الضحايا من عمال الإنقاذ ورجال الإطفاء، كونهم أول من وصل إلى مكان الحادث، وتسجيلهم في ثلاث مجموعات كبيرة ولا يزالون قيد المتابعة، حتى يتم التمكن من دراسة الأثر الصحي لتعرضهم للغبار ومخلفات الاحتراق، بعد سنوات عديدة من التعرض، يمكن أن يكون لتعرض النساء الحوامل، على سبيل المثال، تداعيات على صحة الجنين.
في تحليل نُشر بعد خمسة عشر عامًا من الهجمات في المجلة الأمريكية للطب الصناعي، لاحظ علماء الأوبئة الأمريكيون أن “نسبة كبيرة من رجال الإطفاء الذين تدخلوا في مكان الحادث تمت إصابتهم بمرض انسداد مجرى الهواء، التهاب الجيوب الأنفية، ومرض الارتجاع المريئي”.
يشرح العالم “ليو تراساندي” هذه الآثار قائلاً “على حد علمنا اليوم، انفجرت نترات الأمونيوم في بيروت: ولابد أن هذا قد أنتج كميات كبيرة من أكاسيد النيتروجين، والتي تعتبر ملوثات خطيرة على حياة وصحة الكثيرين، بالأخص النساء الحوامل وأجنتهن”.
تشير العديد من الدراسات، التي أجريت منذ عام 2001 على سكان نيويورك وبالتحديد الذين تعرضوا لنتائج مباشرة من الهجوم، إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا وسرطان الغدة الدرقية وبعض أنواع سرطان الدم (اللوكيميا والأورام المتعددة)، مقارنةً ببقية السكان.
ومع ذلك، فإن حقيقة هذا التأثير، بالنسبة لبعض المواقع السرطانية خاصة الغدة الدرقية، لا تزال محل جدل، إلا أنه من المحتمل أن تؤدي المراقبة الطبية الدقيقة للأفراد المسجلين في هذه الأماكن إلى زيادة معدلات الإصابة بتلك الأمراض.
تظل الحقيقة الآن أنه في الغبار الناتج عن انهيار البرجين في مانهاتن والأبخرة الناتجة عن احتراقهما، تم بالفعل اكتشاف العديد من المواد المسببة للسرطان، الأسبستوس وثنائي الفينيل متعدد الكلور والديوكسينات والمركبات العضوية المتطايرة والجزيئات الدقيقة المختلفة، والكثير من التلوث الذي أثر على سكان نيويورك والذي قد يتعرض له سكان بيروت بعد كارثة 4 أغسطس/آب.
ترجمة العدسة عن صحيفة لوموند الفرنسية؟؟ للاطلاع على المقال الأصلي اضغط هنا
اضف تعليقا