نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا عن الوضع الكارثي الذي يعاني اللبنانيون منذ عام 2019، جراء انهيار مالي ومشكلة اقتصادية وصحية مرتبطة بـفيروس كوفيد-19 وانفجار هائل في مرفأ بيروت، مشيرة إلى أنه في ظل إهمال المسئولين، وقع جزء كبير من السكان في براثن الفقر ويعتمدون الآن على المعونات الغذائية.

مراسل الصحيفة بنجامين بارت أورد في التقرير شهادات عدد من المواطنين حول هذا الوضع المذري في بلد الأرز، ومن بينهم إلهام لقيس وهي سيدة تعاني من الفقر والسكري وفجيعة زوجها الذي توفي بنوبة قلبية قبل أربعة أشهر.

وقالت هذه السيدة، البالغة من العمر 70 عاما وتعيش في كوخ متواضع برأس النبع ببيروت: لا يمكنني اليوم شراء القهوة أو اسطوانة غاز، حتى المياه المعدنية أصبحت باهظة الثمن بالنسبة لي”.

وأوضحت الصحيفة أنه بعد الانفجار الذي دمر ميناء بيروت والأحياء المحيطة به في 4 أغسطس/ آب 2020، جاء متطوعون ورمموا الباب الأمامي لمنزلها المتهالك، وبين الحين والآخر، تقدم لها إحدى الجمعيات الخيرية التي تعوض إفلاس الدولة أكياسا من الأطعمة وعلبة زيت تدوم بضعة أسابيع. 

وتضيف هذه العجوز، التي كانت تعمل عرافة، ماسحة دموعها بأكمام ثوبها الأسود، لمراسل لوموند “نحن فقراء لبنان نموت ببطء، لا تطلب مني التنبؤ بالمستقبل، لا يمكنني رؤية أي شيء. “

وبحسب الصحيفة ذكرت وكالتان من وكالات الأمم المتحدة، برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة، خلال تقرير نُشر نهاية مارس/ آذار المنصرم، أن لبنان سيكون ضمن قائمة تضم 20 منطقة تواجه خطر المجاعة إذا لم يتم الشروع في إجراءات الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي بسرعة.

 

عقود من سوء الإدارة

ونوهت بأن هذا التوقع المخيف بمثابة آفة مزدوجة عصفت ببلاد الأرز منذ نهاية عام 2019: التدهور المدمر للعملة الوطنية، التي فقدت ما يقرب من 90٪ من قيمتها مقابل الدولار؛ والتضخم الجامح، الذي وصل إلى 140٪ على أساس سنوي، وبلغ ذروته عند 400٪ للمنتجات الغذائية. 

وذكرت لوموند أن السبب وراء هذان العاملان عجز وفساد الطبقة السياسية التي احتكرت السلطة منذ نهاية الحرب الأهلية (1975-1990)، إضافة إلى تجميد الودائع الدولارية الذي تفرضه البنوك التي باتت على وشك الإفلاس. 

ونتيجة لذلك، انهارت القوة الشرائية للسكان، وازداد الفقر، وأصبح يؤثر الآن على أكثر من نصف اللبنانيين، والوضع أسوأ بالنسبة للاجئين السوريين، الذين يمثلون ما يقرب من ربع السكان البالغ عددهم 6 ملايين نسمة، وتعتبر الأمم المتحدة أن 89٪ منهم يعيشون في حالة فقر مدقع.

من جهته قال ميساك تاربينيان، بقال من رأس أنبع عن الارتفاع الفلكي في الأسعار “كان الأمر صعبًا، لكن الناس كانوا يتدبرون أمرهم؛ والآن بدأوا يغرقون “، مشيرا إلى أن علبة اللحم البقري ارتفعت من 3500 ليرة (2 يورو) إلى 28 ألف (18 يورو)، وكيلوغرام المرتديلا من 15 ألف إلى 90 ألف.

وتابع “أصبحت علبة الحليب المجفف باهظة الثمن لدرجة يصعب على أي شخص شرائها، كل نصف ساعة، يأتي لمتجري زبونين، بينما كان المتجر ممتلئًا بشكل دائم قبل ذلك”.

وبحسب “لوموند”، فإن قلق المراقبين يزيد نتيجة لامبالاة الطبقة السائدة، فبين حكومة حسان دياب، التي استقالت منذ انفجار 4 أغسطس/آب، والأحزاب الرئيسية غير القادرة على الاتفاق لاختيار بديل، لا يبدو أن هناك من يرغب في تولي زمام القيادة.

إضافة لذلك، تتابع لوموند” لا يبدو أن أحدًا مستعدًا لاتخاذ إجراءات إصلاح جذرية، والتي أصبحت شرط المانحين الأجانب، الذين سئموا من سوء الإدارة والاختلاس لعقود، لتقديم اللمساعدة.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أجنبي القول “كل شيء ينهار، عندما وصلنا إلى وزارة، قيل لنا الوزير ليس موجود، وعندما نرسل ملاحظة، يقال لنا الحبر نفد، وعندما تطلب مرافقًا من خدمة الأمن، تسمع أن البنزين ينفد، إنه أمر مرعب. “

ويقول محللو البنك الدولي، إن الناتج المحلي الإجمالي للفرد انخفض بنسبة 40٪، ومن المرجح أن يكون لبنان ضمن المراكز الثلاثة الأولى لأسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ عام 1850.

وترى نجاة رشدي، المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان، أن ما يشهده البلد حاليا كارثة من نوع فريد، لا تنتج عن حرب أو كارثة طبيعية كما هو الحال عادة في هذا النوع من المواقف، ولكن سببها أزمة سياسية. 

وتابعت “البلد ينهار بسرعة لا تصدق، نحن لسنا في مرحلة المجاعة، لكننا ندنو منها بسرعة. عندما نرى حالة شبكات الأمان الاجتماعي، يمكن أن ينتهي بنا الحال في غضون عام بوصول نسبة الفقراء إلى 70٪، وإذا لم يتم فعل شيء خلال العامين المقبلين، فسيكون لبنان على مستوى دول الساحل، إنها فضيحة”.

من جهته يؤكد رئيس مكتب المنظمة غير الحكومية الأمريكية كير: “وفقًا لتقديراتنا، أصبح الوصول إلى الغذاء يمثل مشكلة بالنسبة لأكثر من 50٪ من السكان، والصحة والمياه والسكن تتراوح نسبتها بين 40٪ و 50٪، هذه الأرقام تكون فقط في البلدان التي تعاني من أزمة إنسانية. “

 

“سويسرا الشرق”

وتنوه الصحيفة الفرنسية بأن “سويسرا الشرق الأوسط” السابقة، التي كان السكان يتمتعون فيها، قبل الأزمة، بمستوى معيشي يحسدهم عليه جيرانها، تتحول إلى دولة يعيش مواطنها على المساعدات.

وقال رياض سعده، مدير المركز اللبناني للبحوث والدراسات الزراعية “هنا ليس اليمن، جمعياتنا الخيرية راسخة، والروابط مع الدول الأجنبية متينة، يجب تجنب الجوع المعمم، ولكن لن يتم تجنب سوء التغذية. “

 وتظهر أرقام الأمم المتحدة، أن 30٪ من الأطفال في لبنان معرضون لهذا الخطر قبل سن الخامسة، ومن المحتمل أن يكون لقلة الطعام عواقب على نمو الدماغ”.

وخلصت لوموند إلى أن الوقت لدى قادة هذا البلد توقف منذ زمن طويل، فالجميع مستمرون في نزاعاتهم ويواصلان التركيز على تشكيل الحكومة، غير مبالين بمرور الوقت وبالكارثة التي تلوح في الأفق، كالسائرين أثناء النوم في حقل ألغام.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا