رأت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن انتخاب الإماراتي أحمد ناصر الريسي رئيساً لمنظمة الشرطة الجنائية “الإنتربول” يسبب إحراجًا لباريس، في ظل الانتقادات الموجهة له من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان والاتهامات التي تلاحقه في عدة دول بارتكاب جرائم تعذيب.
وقال الكاتب كريستوف أياد: إن انتخاب اللواء في الشرطة الإماراتية أحمد ناصر الرئيسي، الخميس 25 نوفمبر/ تشرين ثاني، رئيساً للإنتربول، خير دليل على حقيقة أن “عصر المستبدين ” لم ينته بعد.
وأوضح أن اختيار الريسي يعكس كذلك إرادة التحكم بالمنظمات الدولية من قبل الأنظمة الاستبدادية بغية تحوير قواعدها، وذلك في إشارة الى ظاهرة استغلال هذه الدول للإخطارات الدولية بالمطلوبين التي تطلقها إنتربول تحت اسم النشرات الحمراء من أجل ملاحقة معارضيها.
ولفت الكاتب إلى أن اللواء الإماراتي، الذي كان هدفاً للعديد من شكاوى التعذيب، سيكون على مدى أربع سنوات وجه وصوت هذه المؤسسة التي تتخذ من ليون مقراً لها، والمشهورة باسمها لكنها غير شفافة في عملها.
وبحسب الصحيفة يعد هذا انتصار دبلوماسي غير مسبوق للإمارات العربية المتحدة، حيث قام محمد بن زايد آل نهيان، ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد، بزيارة رسمية إلى تركيا، التي كانت تعتبرها عدوها اللدود على المستوى الإقليمي لفترة طويلة، بينما كانت الجمعية العامة للإنتربول تعقد جلستها المكونة من مندوبيها الـ 195، أي الدول الأعضاء المسؤولة عن تعيين الرئيس وتجديد اللجنة التنفيذية المكونة من ثلاثة عشر عضوًا.
وأوضحت أن أحمد ناصر الريسي، الذي واجه مرشحًا تشيكيًا، لم يُنتخب في أول جولتين من التصويت الذي يتطلب أغلبية الثلثين، ونجح في الجولة الثالثة – بأغلبية بسيطة – بنسبة 69٪ من الأصوات.
وتؤكد اليومية الفرنسية أن انتخاب هذا المسول الإماراتي أثار انتقادات حادة بين المدافعين عن حقوق الإنسان، بسبب انتشار ممارسة التعذيب في الإمارات وغياب العدالة المستقلة، كما أن الأحزاب السياسية والنقابات والانتخابات محظورة هناك.
فمنتقدو النظام في المنفى أو رهن الاعتقال، مثل أحمد منصور، الشاعر وعضو مركز الخليج لحقوق الإنسان (GCHR)، الذي اعتقل في عام 2017 وحكم عليه في العام التالي بالسجن لمدة عشر سنوات – وهي عقوبة يقضيها في الحبس الانفرادي، زنزانة مساحتها 4 أمتار مربعة، مع حرمانه من الزيارات والمشي والعلاج.
“يوم حزين لحقوق الإنسان”
ويقول سيد أحمد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD): إن تعيين الريسي رئيسًا [للإنتربول] رغم تورطه في سجن معارضين إماراتيين بشكل غير قانوني وفي ظروف مروعة يبعث برسالة خطيرة، لن يكون أحد بأمان بعد الآن من الإنتربول والأنظمة الديكتاتورية”.
من جهتها ذكرت هبة زيادين، الباحثة الخليجية في منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية: إنه يوم حزين لحقوق الإنسان”، معربة عن أسفها لانتخاب “ما يمكن وصفه بأنه أكثر ممثل حكومة استبدادية في الخليج”.
في المقابل قال أنور قرقاش، مستشار رئيس الإمارات يوم الخميس: إن حملة التشهير التي نُظمت [ضد الريسي] تم سحقها على صخرة الحقيقة”.
وإدراكًا منه للانتقاد الذي يتعرض له، أصدر الريسي، الذي ظل بعيدًا عن الأنظار خلال حملته الانتخابية، بيانًا بعد انتخابه جاء فيه: “سأبذل قصارى جهدي لضمان الحفاظ على مسار (الإنتربول) كمنظمة تلبي احتياجات الدول الأعضاء فيها، واحتياجات المجتمع العالمي في معركتنا ضد الجريمة.. ففي النهاية، نحن نتشارك الأهداف نفسها، ونعمل معاً من أجل عالم أكثر أماناً”.
وأضاف “يُشرّفني أنْ تمَّ انتخابي رئيساً لـ(الإنتربول)، وأنا فخور للغاية بكوني مسؤولاً عن إنفاذ القانون، وقيادة أبرز المنظمات الشرطية الدولية، وسأعمل بلا كلل لتعزيز التعاون، وتعزيز التقنية، وتحقيق التمويل المستدام لـ(الإنتربول)، دعماً للمسعى المشترك المتمثل في مجتمعات أكثر أماناً حول العالم”.
وشددت “لوموند” على أنه يمكن أن يصبح انتخاب الرئيسي بسرعة مصدر إحراج لفرنسا، خاصة بعد رفض الادعاء العام شكوتين ضده بتهمة “التعذيب”، قُدمتا في باريس وليون، على أساس عدم الاختصاص.
ويشترط قانون صدر عام 2010 الاختصاص العالمي للمحاكم الفرنسية في مسائل التعذيب بـ “الوجود” في فرنسا للشخص المستهدف بالشكوى.
نحو تقديم شكاوى جديدة
وذكرت أن المحاميان ويليام بوردون ورودني ديكسون، مقدمي الشكوتين السابقتين، أعلنا عن نيتهما رفع دعاوى جديدة بمجرد أن يأتي الريسي لمقر المنظمة في ليون.
وقالت المحامية إيناس عثمان، مديرة منظمة المحامين العرب “منّا لحقوق الإنسان”: الحصانة الدبلوماسية تنطبق فقط على الدبلوماسيين، ولا يستفيد منها الريسي، بصفته ممثلاً عن وزارة الداخلية ووضعه في الإنتربول لا يغير شيئًا”.
وبالتالي، فإن وصول الريسي على رأس الانتربول يشكل مصدر إحراج للحكومة الفرنسية، التي لم ترغب أبدًا في اتخاذ موقف بشأن هذه القضية على الرغم من الاستجوابات المتكررة للنائب عن هوبير جوليان لافيريير، عضو لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية.
كما أن إيمانويل ماكرون لم يرد على الرسالة التي بعث بها إليه خمسة وثلاثون برلمانيًا للتعبير عن قلقهم من انتخاب الرئيسي، مبينة أن محمد بن زايد آل نهيان يعد الحليف المميز في الخليج لباريس حاليًا، حيث يأمل الرئيس الفرنسي، المتوقع وصوله إلى الإمارات في أوائل ديسمبر/ كانون أول المقبل، أن تطلب أبو ظبي شراء ثلاثين إلى ستين طائرة رافال.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا