نشر المؤرخ وأستاذ دراسات الشرق الأوسط جان بيير فيليو مقالا في صحيفة “لوموند” الفرنسية، تحدث فيه عن الرابحين والخاسرين من أزمة غزة، عقب 11 يوما من الصراع الذي انتهى بهدنة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية.

ومن وجهة نظره، فإن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وتركيا ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هم “الرابحون” في الأزمة الأخيرة، بينما “الخاسرون” الرئيس الأمريكي جو بايدن والاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وقال أستاذ دراسات الشرق الأوسط: إن الجولة الأخيرة من الاشتباكات بين المقاومة الفلسطينية والقوات الاحتلال من 10-21 مايو/ أيار، أدت إلى مقتل 273 فلسطينيًا (بما في ذلك 25 في الضفة الغربية) و12 إسرائيليًا. 

وأضاف “بالنسبة لنحو مليوني امرأة ورجل في قطاع غزة المحاصر منذ 15 عامًا، هذا الصراع هو مأساة أخرى، تفاقم من صدمة حروب 2008-2009 و2012 و2014”.

وأشار إلى أن “الكابوس” المتمثل في القصف الإسرائيلي على سكان القطاع الخاضع لسيطرة حماس مستمر، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة قال: “إذا كان هناك جحيم على الأرض، فسيكون حياة الأطفال في غزة”.

ووفقا له فإنه بالنظر لهذه الحقيقة، من الواضح أن الأزمة الأخيرة أدت إلى تفاقم صراعات إقليمية ودولية معينة على النفوذ بين “رابحين” و “خاسرين”.

الرابحون

وبين أنه لم يكن بنيامين نتنياهو، بحلول منتصف نهار 10 مايو/أيار، أكثر من رئيس وزراء موقوف عن العمل، غير قادر على تشكيل حكومة جديدة، ويواجه لائحة اتهام ثلاثية: الاحتيال والفساد وخيانة الأمانة.

وأكد أنه بالإضافة إلى ذلك، سببت التعبئة السلمية للفلسطينيين في القدس الشرقية في إهانة لاذعة له، من خلال إلغاء الاحتفالات الإسرائيلية بـ “إعادة توحيد” المدينة المقدسة.

ورأى فيليو أن رشقات الصواريخ، التي أطلقتها حماس وحلفاؤها من قطاع غزة، سمحت لنتنياهو باستعادة دوره المفضل، أي المدافع الذي لا هوادة عنده فيما يخص “أمن إسرائيل”، وبالطبع في مواجهة أي شكل من أشكال التدخل الخارجي سواء أكان دبلوماسياً أم إنسانياً أم إعلامياً.

ولذلك أثنت قاعدة وداعمي رئيس الوزراء بقصف مكاتب الإعلام الأجنبي في غزة دون أي دليل على وجود لأعضاء حماس في المواقع المستهدفة.

وأوضح أن حماس، استفادت أيضا من الانتصار الرمزي للتظاهرات التي شهدتها القدس الشرقية دفاعا عن المسجد الأقصى، ثالث أقدس الأماكن الإسلامية، خاصة في ظل تهييج المشاعر التي أثارها التدخل الإسرائيلي في أوساط السكان الفلسطينيين، والتي اعتُبرت أكثر استفزازا لأنها حدثت خلال شهر رمضان المبارك.

ووفقا له فإن الحرب في غزة همشت كذلك الرئيس محمود عباس وسلطته الفلسطينية، الذين اعتقدوا أن سيطرتهم على جزء من الضفة الغربية سيستمر من خلال تأجيل الانتخابات البرلمانية، التي كان مقرر إجراؤها في 22 مايو/ أيار، إلى أجل غير مسمى.

ولفت المؤرخ الفرنسي إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الرابحين أيضا، إذ أكد من خلال تصريحاته أنه بطلا للعالم الإسلامي، وذلك بمهاجمته الاقتحام الإسرائيلي للمسجد الأقصى ثم قصف قطاع غزة. 

وذكّر بأن تصريحات الريس التركي في عام 2009، وانتقاداته للهجوم الإسرائيلي على غزة، في ظل صمت أقرانه العرب، اكسبته شعبية هائلة في تركيا وخارجها.

الخاسرون

أما على الجانب الأخر، فقد خرج الرئيس جو بايدن ضعيفا في أزمته الدبلوماسية الأولى، يكتب فيليو، موضحا أنه بينما كان العالم كله في انتظار استعادة الرئيس الأمريكي التعددية التي استخف بها سلفه دونالد ترامب، وادعاءه الاحتفاظ بالسيطرة على الملف الإسرائيلي الفلسطيني، انتظر تسعة أيام قبل أن يدعو فقط إلى “وقف التصعيد”.

كما يشير أستاذ دراسات الشرق الأوسط إلى أن هذه الأحادية والسلبية لا يمكن إلا أن تشجع على استمرار الأعمال العدائية، وتهميش “المعتدلين” في المنطقة ويزيد من إذلال الأمم المتحدة، بعد أن منعتها أمريكا من التعبير عن رأيها خلال عقد بأكمله، حتى أن واشنطن هددت وراء الكواليس باستخدام حق النقض ضد قرار فرنسي في مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار.

وأكد أن دبلوماسية بايدن اتسمت بالفشل في هذه القضية على غرار الرئيس السابق باراك أوباما، كما أن إثبات عدم قدرته على تبني نهج جديد وأكثر انفتاحًا تجاه حلفائه هو أمر آخر له تأثير سلبي لا يمكن إنكاره في الوقت الحالي.

وبين فيليو أن الاتحاد الأوروبي بدا أيضا منقسمًا وعاجزًا وأصبح كالمتفرج في مواجهة صراع له عواقب متعددة على أراضيه، وبالتالي فهو يدفع ثمن خطأه الجسيم بقبوله، الشهر الماضي، تخريب عباس للعملية الانتخابية الفلسطينية. 

فبصفتها الداعم الرئيسي للسلطة الفلسطينية، كان من الممكن أن تجبر أوروبا عباس على إعادة النظر في ولايته، التي انتهت عام 2010، ومع إجراء أول انتخابات تشريعية منذ عام 2006، كان من المفضل تسييس الجماعات الفلسطينية بدلاً من عسكرتها.

ونوه بأنه في الوقت الذي يقدم فيه فك الارتباط وتراجع الرغبة الأمريكية في التداخل مع قضايا المنطقة، سيشكل ذلك فرصة تاريخية للاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، لم يجتمع وزراء خارجيته إلا بعد ثمانية أيام كاملة بعد بدء الصراع، وحتى البيان التافه الذي تم الاتفاق عليه أدانته المجر، مما يثبت أن الاتحاد الأوروبي يفقد كل شيء من خلال انحيازه بدلا من أن يربح بلا شك من خلال عرض رؤية مستقبلية للأزمة.

أما بالنسبة لأكثر الخاسرين في الصراع من وجهة نظر كاتب المقال فهي الإمارات التي أثبتت أن معاهدة السلام التي أبرمتها في سبتمبر/ أيلول الماضي مع إسرائيل كانت ثنائية بحتة ولن يكون لها تأثير إيجابي على القضية الفلسطينية. 

وشدد على أن تحول “الشرق الأوسط الجديد” الذي كان من المفترض أن يروج له توقيع “اتفاقيات إبراهام” مع الإمارات، وأيضا البحرين والمغرب والسودان، مجرد عملية اتصالات، ففي وقت الصراع، تركت أبو ظبي الوساطة بين المتحاربين لمصر والأردن، وهما الدولتان العربيتان اللتان لا تحظر معاهدة السلام بينهما مع إسرائيل إقامة علاقات مع حماس. 

واختتم فيليو مقاله بالقول إن أحد أكثر الدروس المستفادة من الأزمة المستمرة في غزة هو أن التطبيع العربي الإسرائيلي، لن يؤدي في أحسن الأحوال إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وفي أسوأ الأحوال سيزيد الأمر سوءًا، لأنه كما يؤكد الكاتب آلان فراشون “حان الوقت لتدويل القضية الفلسطينية”.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا