قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن إعادة إعمار قطاع غزة، الشريط الساحلي الفلسطيني الذي دُمر خلال الهجوم الإسرائيلي في مايو/ أيار الماضي، تعرقله اللوائح العبثية التي تفرضها إسرائيل.

وأوضح الكاتب لويس أمبير في الصحيفة أن عملية إعادة الإعمار التي ينتظرها سكان غزة لن تكون سهلة هذه المرة، ونقل عن رجل الأعمال جودت الخضري إن إعادة إعمار غزة للمرة الرابعة تبدو صعبة، والمشاريع متوقفة، كما أن الأموال غير متوفرة وبالتأكيد لن يعقد مؤتمر دولي للمانحين كما حدث عام 2014. 

ويشير أمبير إلى أن جودت هو أحد الذين دمرت منازلهم خلال الحرب الأخيرة من قبل سلاح جو الاحتلال الإسرائيلي، فهذا المهندس رئيس إحدى أكبر شركات المقاولات في غزة، يخشى من مرحلة إعادة الإعمار.

ويؤكد أنه على مدار ما يقرب من 70 عامًا وثلاثة صراعات سابقة (2008-2009، 2012، 2014)، سئم من إعادة بناء القطاع الفلسطيني مثل المانحين الدوليين الذين يعمل معهم.

ويود خضري أن يركز عمله للمتحف الذي أقامه في بهو الفندق وبه مجموعة من التحف اليونانية القديمة، سيوف أوروبية عتيقة، وأواني إسلامية خزفية مرصعة بالزهور.

ووفقا لهذا المهندس فإن إعادة إعمار غزة الرابعة لا تبدو جيدة، فـ”بخلاف المصريين، الذين يقومون بإصلاح امتداد طريق على البحر باتجاه الحدود الإسرائيلية، لم أر أي مشروع واحد بدأ، لا توجد أموال، ولا دعوات لتقديم عطاءات… ولن يكون هناك مؤتمر دولي للمانحين، كما حدث عام2014 “.

وتقول “لوموند” إن كل من مصر وقطر تعهدتا بتقديم 500 مليون دولار (432 مليون يورو) لمشاريع البنية التحتية التي لم يتم تحديدها بعد.

 

المعاناة تتراكم

وتنوه إلى أن عمال ومهندسون من شركة أبناء سيناء مشغولون على مسافة 5 كيلومترات تقريبا من الطريق الساحلي بين مدينة غزة والحدود الشمالية، الذي دمرته قذائف الاحتلال الإسرائيلية بحثا عن أنفاق حماس، وفي منتصف أكتوبر/ تشرين أول الجاري، سيتم استثمار 35 مليون يورو من القطريين في إصلاح المنازل التي دمرت خلال الحرب.

وقدر البنك الدولي في يونيو/ حزيران الماضي، الأضرار المالية والمادية للصراع، بالإضافة إلى 260 قتيلاً فلسطينياً و13 على الجانب الإسرائيلي، بحوالي 330 مليون يورو و164 مليون يورو خسائر تجارية.

وتواصل اليومية الفرنسية: هذا ضئيل مقارنة بحرب 2014، ورغم أن الدمار أقل هذه المرة، لكن المعاناة استمرت في التراكم خلال الحصار الذي دام أربعة عشر عامًا. وهو ما يجب تعويضه، بحسب الخضري، إذ من الواضح أن غزة تفتقد إلى ذروة النمو الوحيدة المتاحة لها.

وتبين “لوموند” أنه في 30 أغسطس/ آب، بعد حصار دام 120 يومًا، سمحت إسرائيل بدخول مواد البناء إلى معبر كرم أبو سالم – للاستخدام الإنساني أولاً، ثم بعد فترة وجيزة لأغراض تجارية.

وقد مكن ذلك جودت الخضري من إعادة إطلاق مشاريعه طويلة الأمد، بينها الانتهاء من تركيب خط أنابيب قادر على حمل حوالي 3 ملايين متر مكعب من المياه كل عام، وخط ثان، بنفس السرعة، يمكن أن يعمل في غضون أسبوعين، هذا العقد بقيمة 10 ملايين يورو، وقعه هذا المهندس مع الكويت عام 2014.

وعن التأخير في العمل، يقول الخضري ضاحكًا: هذا الموقع ما هو إلا بقايا مشروع أكبر، بتكلفة 400 مليون يورو لم يسبق له مثيل: محطة لتحلية المياه، في دير البلح (في الوسط)، يفترض أنها تحرر جزءًا من غزة من الإمدادات الإسرائيلية، والتي كانت تم ذكرها لأول مرة خلال قمة واي ريفر، التي جمعت ياسر عرفات وبنيامين نتنياهو وبيل كلينتون عام 1998.

قبل الحرب الأخيرة، قاتل جودت الخضري لمدة ستة أشهر لإقناع إسرائيل بالسماح له بإدخال الأنابيب، التي صنعتها شركة سان جوبان الفرنسية، حيث كان جيش الاحتلال قلقًا من احتمال تحويلها إلى مصنع صواريخ تابع لحماس.

ووفقا له، فإن قُطر المواسير (50 سم) كبير جدًا وحديدها ثقيل جدًا ومرن جدًا، ومع ذلك، كان على ممثلي سان جوبان، ثم السلطة الفلسطينية، وكذلك وكيل التخليص الجمركي الإسرائيلي، أن يشرحوا هذا للإسرائيليين حتى نتمكن من العمل.

ورغم القوانين العبثية التي تفرضها إسرائيل ما يجعل لبناء في غزة صعب جدًا، يحترم الخضري القواعد، فكل أجهزته ومولدات الديزل – التي يتم نقلها أيضًا بصعوبة كبيرة – مزودة بجهاز تحديد المواقع (GPS) ، مما يسمح للسلطات الاحتلال الإسرائيلية بمتابعتها عن قرب.

كما تخضع كل عملية تسليم لمعدات اتصالات لترخيص من مكتب عسكري متخصص، وينطبق الشيء نفسه على الدهانات والمواد الكيميائية الإيبوكسية، التي تقع على عاتق مكتب منفصل أو أي جزء ميكانيكي – صمام، مضخة مياه، إلخ.

في المقابل يشير الكاتب إلى تخفيف إسرائيل في العاشر من الشهر الماضي القيود المفروضة على استيراد الحديد مثلا، ما يعتبره علاء الدين الأعرج، رئيس نقابة مقاولي البناء في غزة، إشارة من الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تفكر أخيرا في تخفيف الحصار على القطاع.

من جهته يقول زاهر أبو جوبة، 48 عامًا، أحد أكبر تجار المعادن في غزة، مع ما دمره الإسرائيليون في مايو/ أيار، لا تحتاج حماس إلى استيراد حديد التسليح لإعادة بناء الأنفاق، يمكنها استخدام ما يوجد في الأنقاض.

أبو جوبا، الذي استورد بالفعل 5000 طن، ويخطط لاستيراد 20 ألف طن أخرى في أكتوبر/ تشرين أول الجاري، يؤكد إيقاف الكاميرات المنتشرة حول مستودعاته منذ 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو نظام مراقبة بالفيديو فرض عليه من قبل آلية إعادة إعمار غزة (GRM) ، جهاز تم إنشاؤه بعد حرب 2014، من أجل تبسيط استيراد ما يسمى بالسلع “ذات الاستخدام المزدوج”، المدنية والعسكرية.

ويمكن لمفتشي الأمم المتحدة التحقق منها في أي وقت وإبلاغ سلطات الاحتلال، وعلى مر السنين، انتهى المطاف بوضع ما يقرب من 40٪ من شركات البناء في غزة، وفقًا لنقابتهم، على قائمة سوداء للشركات المشتبه في قيامها بإعادة بيع معدات إلى حماس.

أبو جوبة كان من بين هؤلاء ففي عام 2017، مُنع من استيراد السلع ذات الاستخدام المزدوج إلى غزة – الصلب، ولفائف الصفائح المعدنية، وألواح الخشب، والغراء، والأحذية المقواة، وكل ما تبقى هو الحديد، كما مُنع من زيارة إسرائيل حتى عام 2119.

 

قائمة سوداء ومخبرين

وبحسب علاء الدين الأعرج، فإن “آلية إعادة إعمار غزة بمثابة مظلة للتجار: إذا طلبت منهم السلطات المحلية [حماس] شيء، فيمكنهم إخبارهم بأنهم يخضعون للمراقبة عن كثب، لكن النظام أصبح أداة في أيدي الأمن الإسرائيلي، الذي يراكم كميات كبيرة من البيانات عن غزة، ويجند المخبرين بين التجار، حيث كانت النتيجة كانت ارتفاع الأسعار في السوق السوداء”.

ووفقا للصحيفة الفرنسية فإنه في مرحلة ما بعد الحرب، اكبر المستفيدين هي مصر، ففي القطاع تُعرض صور الرئيس عبد الفتاح السيسي في كل مكان، بينما تتطلع شركة أبناء سيناء المصرية لاستئجار مباني لمقرها وموظفيها المستقبليين، حيث لم يشاهد أي مهندس مصري هناك منذ حرب عام 1967، عندما احتلت إسرائيل القطاع.

لكن رجال الأعمال في غزة قلقون: ما الهدف من تقديم البنية التحتية الجاهزة، إذا أرسلت مصر رجالها ومعداتها، دون جعل الاقتصاد المحلي يعمل؟

ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، سافر وفد من كبار مسؤولي حماس إلى القاهرة لإجراء محادثات أخرى بعد الحرب، وإثارة نقطة الخلاف هذه مع المخابرات المصرية.

 

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا