تحافظ الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من صورة الانفتاح التي تنشرها في أوروبا، على علاقات وثيقة مع الشيشان المناهض لفرنسا، وكذلك مع الميليشيات السلفية في ليبيا واليمن.
قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة، بصوت وزير خارجيتها، دعما ملحوظا لفرنسا في أزمة الرسوم الكاريكاتورية، وخاصة ضد تركيا، وقد آسى هذا الدعم في بلادنا كل أولئك الذين يرون في الإمارات نموذجًا “للتسامح”، بل وحتى حصنا ضد “الإسلام المتطرف”.
وهذا يعني أننا ننسى بسرعة أن هذه الديكتاتورية البوليسية لا تتقبل أحزابا ولا انتخابات، وأن 10٪ فقط من سكان هذا النظام الملكي البترولي هم من المواطنين.
بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من صورة الانفتاح التي تنشرها في أوروبا، تحافظ الإمارات العربية المتحدة على علاقات وثيقة مع الشيشان شديدة الظلامية وتدعم الميليشيات السلفية الوحشية للغاية في ليبيا واليمن.
على شرف الرئيس الشيشاني
رمضان قديروف، الذي وضعه فلاديمير بوتين على رأس جمهورية الشيشان الروسية منذ سنة 2007، كان إلى حد بعيد أكثر القادة المسلمين ضراوة ضد فرنسا خلال الجدل حول الرسوم الكاريكاتورية، وقد تفوق في الواقع على الرئيس أردوغان من خلال اتهامه لماكرون بأنه “الزعيم الإرهابي”، وتشجيع التهديدات ضد المواطنين الفرنسيين، حتى أنه سمح باستعادة جثمان الشيشاني صامويل باتي ليتم دفنها “بشرف”.
ولا يبدو أن هذا يزعج صديقه المقرب محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات و “الرجل القوي” الحقيقي لهذه المملكة البترولية، فدائمًا ما يتم الترحيب بقاديروف باحترام كبير في أبوظبي، بل وأحيانًا، كما في الصورة أعلاه، يتم الترحيب به بطريقة ودية أقل رسمية، سواء بصفة رسمية، كرئيس للشيشان أو مبعوث بوتين، أو بصفة خاصة، خلال شهر رمضان أو خلال المسابقات الرياضية، حيث يتم فرش السجادة الحمراء لقاديروف في كل مرة.
وقد استثمرت الإمارات بكثافة في الشيشان، بما في ذلك من خلال صندوق زايد، الذي سمي على اسم المؤسس الراحل للاتحاد الإماراتي، حيث لا يهم محمد بن زايد أن إسلام الدولة الذي فرضه قديروف في الشيشان ظلامي من خلال إضفاء الشرعية على العنف الذكوري ضد النساء والمثليين جنسياً، فالشيء الأساسي بالنسبة لزعيم الإمارات هو أن قديروف يعارض بوحشية -مثله تماما- أي شكل من أشكال الديمقراطية، من ناحية، والإخوان المسلمين من ناحية أخرى.
ولهذا السبب اختار محمد بن زايد استضافة مؤتمر إسلامي عالمي للتعريف بالأرثوذكسية السنية في غروزني، في أغسطس 2016، وقد حضرت سلطتان مقرهما في أبوظبي، وهما مجلس حكماء المسلمين، الذي أنشئ قبل سنتين، ومؤسسة طابة، وحضر إمام جامع الأزهر المصري، وكذلك مفتو مصر والأردن وسوريا الموالين لبشار الأسد، وقد كان مضيفهم هو مفتي الشيشان، وكيل قديروف، الذي حرض مؤخرًا على مهاجمة الفرنسيين الذين يدعمون ماكرون.
دعم السلفيين في ليبيا واليمن
أدى هوس محمد بن زايد بمعاداة للإخوان المسلمين إلى وصفهم بأنهم “إرهابيون” (ومعاملتهم على هذا النحو في الإمارات) وتفضيل السلفيين، الذين يُعترف بأنهم أكثر تشددا، لكنهم أكثر ولاء تجاه القوى القائمة (حدثت القطيعة بين الإخوان المسلمين والسلفيين عام 1990، عندما طلبت السعودية نشر مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين على أراضيها لمواجهة الغزو العراقي للكويت، وهو ما انتقده الإخوان المسلمين، الذين طُردوا منذ ذلك الحين من الجزيرة العربية، الأمر الذي أيده السلفيون، الذين استبدلوا منافسيهم الإسلاميين المخلوعين آنذاك في مناصبهم).
وقد تعاونت القوات الخاصة الإماراتية مع القادة السلفيين في إطار الهجوم الذي بدأ في اليمن سنة 2015 مع الجزيرة العربية، حتى أن أبوظبي عملت على ضمان استمرار دعم القادة السلفيين، في تعز، عسكريًا وماليًا، على الرغم من إدراجه في “القائمة السوداء” للإرهابيين المطلوبين من قبل الولايات المتحدة، بسبب تعاونه مع الفرع المحلي للقاعدة.
أما في ليبيا، فقد كان محمد بن زايد أقوى داعم لـ “اللواء” حفتر في الحربين الأهليتين اللتين بدأهما خلال سنتي 2014 و2019، في محاولة للاستيلاء على غرب البلاد واللتان باءتا بالفشل، وعلى عكس روسيا والجزيرة العربية ومصر، المؤيدين الآخرين لحفتر، تؤيد الإمارات بنشاط التعاون بين من نصّبوا أنفسهم “الجيش الوطني الليبي” وبين الميليشيات السلفية.
وقد أصدر زعيمهم الروحي، ربيع المدخلي، في 2017 من المملكة العربية السعودية حيث يقيم، فتوى لدعم حفتر، على أساس أن الإخوان المسلمين، الناشطين في الحكومة في طرابلس، سيكونون “بالنسبة للسلفيين أكثر خطورة من اليهود والنصارى”، لذلك أصبحت الميليشيات السلفية “القوات الأمامية” لحفتر، والذي بدوره قام بالتستر على أسوأ تجاوزاتها، كما سيطر شيوخ السلفيين على العديد من المؤسسات الدينية، بتأييد من حفتر، وفرضوا نظامًا أخلاقيًا دقيقًا بشكل خاص على السكان الليبيين المعنيين.
يبدو أن القول المأثور بأن “أعداء أعدائي هم أصدقائي” يبرر رفقة أبوظبي المقلقة مع التيارات الإسلامية الأكثر رجعية في الشيشان أو اليمن أو ليبيا، ولكن بغض النظر عن الاعتبارات الجيوسياسية الأساسية، فإن مثل هذه التسويات يجب أن تبطل مزاعم الإمارات العربية المتحدة بأنها تجسد شكلاً من أشكال “إسلام الأنوار”.
ترجمة العدسة عن صحيفة لوموند الفرنسية ـ للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)
اضف تعليقا