رأت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن كلمات إبراهيم رئيسي، رئيس الجمهورية الإيرانية المنتخب، تظهر رغبة النظام في إنجاح المحادثات الحالية حول البرنامج النووي؛ للحصول على رفع سريع للعقوبات.

وأوضحت الصحيفة أنه في أول مؤتمر صحفي له يوم 21 يونيو/ حزيران، رد الرئيس الإيراني المنتخب حديثًا على سؤال حول اتفاق طهران النووي، بطريقة مدروسة ومحسوبة بشكل غير متوقع.

وأشارت إلى أن رئيسي لم يهدد بمغادرة طاولة المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا، والتي تهدف إلى إعادة إحياء “الاتفاق” النووي الإيراني الموقع عام 2015 بين طهران والدول الست (الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا).

كما أن الرئيس المنتخب لم يعط الولايات المتحدة أي موعد نهائي للعودة إلى الصفقة التي تركتها واشنطن من جانب واحد في عام 2018 خلال رئاسة دونالد ترامب.

وقال رئيسي، رئيس السلطة القضائية الذي لن يتولى منصبه إلا بداية أغسطس/ آب: سياستنا الخارجية لن تتقيد بالاتفاق النووي.. سيكون لدينا تفاعل مع العالم، لن نربط مصالح الشعب الإيراني بالاتفاق النووي، يجب أن يكون لكل اجتماع نتيجة ملموسة”.

وأضاف “لا نسمح للمفاوضات بأن تكون مرهقة، يجب أن يكون لكل اجتماع نتيجة ملموسة”، حيث أكدت الصحيفة على أن كل هذه الأشياء تجعل المرشد الأعلى علي خامنئي يرى رئيسي رجلًا جديرًا بالثقة.

ووفقا للصحيفة الفرنسية، فإن رئيس الحكومة المستقبلي لم يهدد بالتحرر من التزاماته، كما تفعل إيران منذ عام 2019 من خلال زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي ودرجة تخصيب اليورانيوم. 

وبينت أنه على غرار جميع الرؤساء الإيرانيين، من المتوقع أن يلعب إبراهيم رئيسي دورا ثانويا فقط في تشكيل السياسة الخارجية للبلاد، لكن ستبقى القضية النووية في يد علي خامنئي، أعلى سلطة في البلاد، حيث تطبق حكوماته التوجيهات فقط.

لكن “لوموند” تؤكد أن كلمات إبراهيم رئيسي تعكس رغبة طهران الحالية في الوصول بالمفاوضات إلى نتيجة ناجحة، فهذه المرة، كل أركان السلطة، المنتخبة وغير المنتخبة (البرلمانية والتنفيذية والقضائية)، أصبحت في أيدي نظام أكثر تحفظًا، وخطر تخريب المحادثات من الداخل منخفض جدًا، إن لم يكن معدومًا، وهو أمر يمكن أن يطمئن الغرب، على الأقل فيما يتعلق بالقضية النووية.

 

اختراقات تكنولوجية

وذكّرت بأنه خلال رئاسة حسن روحاني (2013-2021)، الذي وصل إلى السلطة وأعيد انتخابه بفضل دعم الإصلاحيين، لم يمر يوم دون المزايدة من النظام المتشدد، ولا سيما من قبل الحرس الثوري (الجيش الأيديولوجي للحرس الثوري).

ولفت حسن روحاني في عام 2017 إلى “إنهم يكتبون شعارات على الصواريخ لتخريب الاتفاق”، حيث ظهرت شعارات “الموت للولايات المتحدة” و “الموت لإسرائيل” على الرؤوس الحربية التي عرضها الحرس الثوري قبل عام.

ومع رئاسة إبراهيم رئيسي، والأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي للبلد – تضخم أعلى من 40٪ و12٪ من العاطلين عن العمل، وعملة منخفضة القيمة وفقًا للمراقبين – ستسعى الدولة العميقة إلى شيء واحد فقط: الرفع السريع للعقوبات الأمريكية التي دخلت حيز التنفيذ بعد خروج واشنطن من الاتفاقية خاصة وأن تداعيات الانتعاش الاقتصادي ستقوي أولاً وقبل كل شيء الرئيس الجديد ومعسكره المتشدد.

أما بالنسبة للجمهورية الإسلامية، التي تستند هويتها إلى معارضتها التاريخية للمصالح الأمريكية في المنطقة وإسرائيل، تتابع الصحيفة، فإن هناك خطوطًا حمراء ترسم حدود ما يمكن التفاوض عليه مع الغرب.

وقالت إن علي خامنئي لم يتوقف عن تأكيد دعم طهران الثابت للروابط الأساسية في “محور المقاومة” – نظام دمشق وحزب الله اللبناني – وتدخلها في الدول المجاورة، الضعيفة، والمفلسة، أو في حالة حرب: العراق واليمن وحتى أفغانستان. 

وأضافت هذا الخطاب تبناه إبراهيم رئيسي، الذي من غير المرجح أن يُظهر أدنى علامة على معارضة هذا، والشيء نفسه ينطبق على الصواريخ وبرامج الفضاء والطائرات بدون طيار، وهي المجالات التي حققت فيها إيران اختراقات تكنولوجية مؤكدة في السنوات الأخيرة وينظر إليها النظام على أنها أوراق رادعة.

 

رجل حديدي

ووفقا لـ “لوموند” فإن قرب رئيسي المباشر من علي خامنئي، والذي قد يخلفه، وتركيز السلطة المؤسسية في أيدي المحافظين وقوة المرشد الأعلى والحرس الثوري، يمكن أن يعقد هدف البيت الأبيض للوصول إلى اتفاقية “أطول وأقوى” مع طهران.

أما على الصعيد الداخلي، تترك هذه السلطة الحصرية النظام مكشوفًا أمام شعبه، إذ أكدت الانتخابات الرئاسية التي جرت في 18 يونيو/ حزيران مستوى غير مسبوق من عدم الثقة بالنظام.

وبينت أن حالة عدم الثقة هذه عبّر عنها معدل امتناع قياسي (51.2٪) خلال الانتخابات، وإطلاق خطاب غضب في الشوارع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يدعو الآن إلى التشكيك في طبيعة الجمهورية الإسلامية، فلا يستطيع النظام والرئيس المنتخب، اللذان هزتهما احتجاجات 2019 الدموية المكبوتة، الاعتماد حاليا على أي شيء.

وفي نهاية تقريرها تساءلت “لوموند”، عقب وصوله إلى الرئاسة بعد انتخابات مغلقة، هل سيكون رئيسي، البالغ من العمر 60 عامًا، رجل التحول الأخير للجمهورية الإسلامية نحو ديكتاتورية ثيوقراطية وعسكرية، تقضي على الشرعية “الشعبية” التي تفتخر بها السلطة وتقلصت على نحو مطرد؟

 أم كما يأمل المعسكر الإصلاحي في الانفتاح على العالم والمزيد من الحريات الداخلية، لن يكون الرئيس الجديد، مجرد دورة أخرى في حياة النظام الديني؟

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا