سلطت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية الضوء على المفاوضات التي تشهدها جنيف هذا الأسبوع حول ليبيا، حيث يجب على المندوبين الذين تجمعهم الأمم المتحدة في سويسرا تعيين الأعضاء الثلاثة الجدد في المجلس الرئاسي ورئيس الوزراء، الذي من المفترض أن يقود البلاد نحو الانتخابات نهاية هذا العام.
وذكّرت بأنه قبل عشر سنوات، وتحديداً في 2 فبراير/ شباط 2011، انطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي أول دعوة للتظاهر ضد دكتاتورية معمر القذافي، سرعان ما أعقبها تمرد حقيقي وفي 17 من الشهر ذاته، وبتشجيع من الأحداث في تونس ومصر المجاورتين، انتفض الليبيون ضد الحاكم المستبد الذي صادر دولتهم لمدة أربعة عقود.
وأشارت إلى أن هذه الدولة لم تنج من الانهيار حتى بعد القذافي الذي قُتل في 23 أغسطس/ آب 2011، إذ أنه منذ ذلك الحين تشهد البلاد حربا أهلية لا نهاية لها، كما أن ليبيا مشلولة بسبب المؤسسات المتنافسة والجماعات المسلحة التي لا يمكن السيطرة عليها.
وضع هش
وبينت “ليبراسيون” أن اتفاق سلام الصخيرات، الذي رعته الأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون أول 2015، تعرض للنسف من قبل القادة السياسيين وأمراء الحرب خوفًا من فقدان مواقعهم في السلطة، وقبل كل شيء، بسبب الانقلابات المتتالية التي قام بها المشير خليفة حفتر.
ومنذ فشل هجومها على العاصمة طرابلس، انسحبت قوات حفتر إلى معقلها في برقة شرقي البلاد، لكن على الرغم من توقيع وقف إطلاق النار هذا الخريف، إلا أنها تواصل تعزيز مواقعها العسكرية على طول الخط الأمامي بين مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية بمساعدة رعاتها الروس والإماراتيين.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنه في ظل هذا الوضع الراهن الهش على الأرض، نجحت الأمم المتحدة في استئناف الحوار السياسي بين الليبيين، وهذا الأسبوع، بمكان غير معلن، تجري مرحلة حاسمة من المفاوضات، تتويجًا لعدة أشهر من المناقشات والتسويات من أجل تعيين الأعضاء الثلاثة الجدد في المجلس الرئاسي ورئيس الوزراء.
ولفتت إلى أنه سيكون هناك مجلس رئاسي يتألف من ثلاثة أعضاء – ممثلين عن محافظات طرابلس وبرقة وفزان، يتم اختيارهم بشكل منفصل – مهمتهم قيادة البلاد نحو الانتخابات المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/ كانون أول، بعد إقرار دستور جديد، بينما سيكون رئيس الحكومة الجديد، بموجب اتفاق الصخيرات أيضًا، مسؤولاً عن إدارة الشؤون اليومية، في ظل أزمة اقتصادية ومالية وأمنية.
لكن تجديد القيادة الليبية في جنيف، تواصل ليبراسيون، شيء معقد فقبول الشخصيات من قبل أطراف النزاع المختلفة سيكون بالتأكيد مهمة أكثر صعوبة.
جلسات استماع
وتساءلت كيف ستكون ردة فعل الخاسرين من جولة مفاوضات جنيف؟ وماذا سيكون رد المشير حفتر وهو الصامت بشكل غريب لعدة أشهر؟ وماذا عن الكتائب القوية التي تسيطر على مدن غرب ليبيا؟ كما هل تكفي هذه المرة شرعية السلطات الجديدة لفرض نفسها على كامل المنطقة حيث فشلت إدارة السراج؟
ونقلت “ليبراسيون” عن فيرجيني كولومبييه، المتخصصة في الشؤون الليبية بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا الإيطالية، القول: إن “هذه الرغبة في فصل السلطة التنفيذية وتكليف رئيس الوزراء بالجوانب التقنية المفترضة ليست قابلة للتطبيق في الواقع. لأن المسائل المركزية المتعلقة بالأمن، وتقاسم الموارد، وعمل الخدمات الأساسية هي مسائل سياسية بارزة، وليست محل توافق بين المتنافسين”.
وبحسب “ليبراسيون” يناقش المندوبون الـ 75 الحاضرون في جنيف (49 مندوباً اختارتهم الأمم المتحدة و36 مندوباً من قبل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة) تجديد القيادة هذه الأيام.
وكرد على الاتهامات المتكررة بالفساد في عملية الاختيار، تُبث جلسات استماع المرشحين مباشرة على موقع الأمم المتحدة على الإنترنت، ولدى كل من المرشحين عشرين دقيقة لتقديم أنفسهم عن طريق الفيديو والإجابة على أسئلة المندوبين.
وتؤكد فيرجيني كولومبييه أنه يجب الا ينخدع أحد بهذه المناقشات” فالمفاوضات الحقيقية لا تجري في الجلسات العامة، بل في الأروقة. ومع ذلك، فإن العملية لها ميزة وهي دفع المرشحين لفضح أنفسهم، لافتة إلى أن المشكلة تكمن في المرشحين أنفسهم، إذ معظم الجهات الفاعلة متورطة في قلب الصراع الذي ابتليت به ليبيا منذ عام 2014.
ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى أنه من بين المرشحين نجد الرئيس العجوز لمجلس النواب عقيلة صالح، ووزير الداخلية القوي في حكومة الوحدة الوطنية فتحي باشاغا، ورجل الأعمال الطموح ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معتيق، وكذلك اللواء أسامة الجويلي الذي كان مسؤولاً عن الدفاع بطرابلس.
نافذة فرص
وحذر طارق المجريسي، الذي يعمل كمتخصص بليبيا، في مذكرة للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أنه “في عام 2015، في الصخيرات، لم تتمكن الأمم المتحدة والأطراف الليبية من حل المشكلة الأساسية – وحدة ليبيا – وفضلوا إنشاء مؤسسات جديدة لضمان حصول الجميع على قطعة من الكعكة.
وأضاف “تشبه هذه الجولة الدبلوماسية جولة الصخيرات، حيث حاول الفاعلون أنفسهم اليوم إنهاء الحرب نفسها، وكانت النتيجة الوحيدة في ذلك الوقت هي تقسيم البلاد بين الشرق والغرب”.
لكن طرق المجريسي شدد على أن هذا لا يعني أن جنيف محكوم عليها بالفشل. فالضغط الحالي على القادة الليبيين – من الدول الأجنبية التي تخشى عواقب التصعيد ومن المواطنين الذين سئموا الحرب، فهذا الجمود السياسي وانهيار الخدمات العامة – خلق فرصة صغيرة ولكنها حقيقية”.
من جهتها رأت “ليبراسيون” أنه بدون دعم الدول الأجنبية الرئيسية التي ترعى اللاعبين الليبيين، لن تتمكن أي عملية سياسية من أن تؤتي ثمارها. وستكون ردود فعل تركيا، الحليف الأول لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وروسيا، المنخرطة عسكريًا إلى جانب حفتر، حاسمة.
وبينت أنه كما هو الحال في سوريا، أثبتت أنقرة وموسكو وجودهما العام الماضي كحكمين في الصراع الليبي، فسادة الميدان، لديهم الوسائل لدعم – أو تدمير – مبادرة جنيف، كذلك تعتمد العملية أيضًا على موقف الأوروبيين، المنقسمين لسنوات حول الملف الليبي (بشكل رئيسي بسبب باريس، التي دعمت حفتر منذ فترة طويلة)، والأمريكيين، الذين تأخروا كثيرًا خلال رئاسة دونالد ترامب.
وختمت الصحيفة بالقول: مهما كانت النتيجة، فإن مبادرة جنيف على الأقل ستكون لها ميزة، وهي إطلاق جولة دبلوماسية جديدة تحتاجها ليبيا بشدة.
للإطلاع على المصدر الإصلي اضغط هنا
اقرأ المزيد :مدينة القمع الرقمي.. نيويورك تايمز تفضح الجوانب المظلمة الخفية لأكذوبة «نهضة نيوم»
اضف تعليقا