بعد صدور مرسوم حداد وطني لمدة ثلاثة أيام، لم تعط السلطات الجزائرية أية معلومات حول جنازة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حيث من الواضح أنها تشعر بالحرج من الموقف الذي يجب اتباعه قي ظل استمرار ضغينة الجزائريين للشخص الذي أجبره الشارع على ترك الحكم عام 2019.
تحت هذه الكلمات نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تقريرا عن عبد العزيز بوتفليقة الذي وافته المنية الجمعة 17 سبتمبر/ أيلول 2021 عن 84 عاما، منها ستون سنة قضاها في الحياة السياسية، وزيراً للخارجية لفترة طويلة ثم رئيساً لأربع فترات، من نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين.
وقالت اليومية الفرنسية لأن الإعلان عن وفاته يحمل الرقم القياسي للأخبار الكاذبة، لم يستطع الجزائريون تصديق وفاة الرئيس السابق التي تم الإعلان عنها مساء الجمعة نحو الساعة 11 مساءً على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل دقائق قليلة من تأكيد التلفزيون الوطني الخبر، نقلاً عن بيان صحفي من رئاسة الجمهورية.
وأوضحت أنه منذ ذلك الحين، هناك سؤال يحير الجزائريين: هل يستحق بوتفليقة جنازة وطنية كما كان يتمنى دائمًا؟، حيث صدر بيان رئاسي ثان يوم السبت بتنكيس العلم الوطني لمدة ثلاثة أيام، كعلامة حداد وطني، دون التطرق إلى مسألة تنظيم الجنازة.
وأشارت إلى أنه قبل بوتفليقة أعلنت البلاد ثمانية أيام حداد لكل من الرئيسين الشاذلي بن جديد (1979-1992) وأحمد بن بلة (1962-1965) وأقيمت لهما جنازات رسمية، إذ رافق بوتفليقة نفسه نعش بن بلة في إلى المقبرة.
وعلق مسؤول كبير يوم السبت “يكفي القول إن رئيس الدولة، عبد المجيد تبون، بإصداره الحداد لمدة ثلاثة أيام فقط، احترم الحد الأدنى للوائح البروتوكولية بشأن وفاة رئيس الجمهورية”.
شوارع فارغة
فموت رئيس الدولة السابق، عن عمر 84 عاما، الذي أُجبر على الاستقالة في أبريل/ نيسان 2019، تحت ضغط مظاهرات الحراك المؤيد للديمقراطية بعد عشرين عاما من الحكم المطلق، لم يثر أي تعليق من السلطات حتى الآن، كما لم يقدم الرئيس تبون وأعضاء الحكومة العزاء لأسرته، عدا رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بوزيد الأزهري.
وكدليل أخر على حرج السلطات، لم تقطع المحطات التلفزيونية برامجها لتخصيص برامج خاصة بالحدث أو لبث آيات من القرآن كما هو معتاد في مثل هذه الظروف، كما حافظت المحطات الإذاعية على برامجها الموسيقية والترفيهية بشكل عادي في عطلة نهاية أسبوع.
وفي مواجهة بعض الاستياء الواضح في الشوارع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي من الرئيس السابق الذي حاول الترشح لولاية خامسة، على الرغم من إصابته بجلطة دماغية أقعدته على كرسي متحرك قبل ست سنوات مما جعل ظهوره العلني نادر للغاية، تخشى السلطات الجزائرية بشكل واضح الشوارع الفارغة مع مرور موكب الجنازة، وفوق كل هذا ارتفاع الغضب ضد النظام.
نادية، موظفة في وكالة صندوق التأمينات الاجتماعية بالجزائر العاصمة، قالت إن إصدار مرسوم بتنكيس العلم الوطني لمدة ثلاثة أيام “في حد ذاته إهانة للشعب الجزائري”.
وأضافت “كان بوتفليقة على رأس نظام دمر البلاد وخرب مستقبل ملايين الجزائريين. غادر السلطة، لكن النظام لا يزال قائما وأكثر قمعا”.
من جهته قال ياسين رئيس مؤسسة صغيرة “وفاة بوتفليقة ليست حدثا يهم الجزائريين ومن الواضح أنها تخص السلطات العامة”.
إلى جانب الاستياء من رئيس الدولة السابق، فإن الجزائريين حريصون على معرفة المزيد عن الفضائح التي شابت عهده، في انسجام تام مع تأسفهم لأنه لم يتم تقديمه إلى العدالة أثناء حياته.
وبحسب القاضي يانيس “كشفت محاكمات الفساد التي بدأت خلال العامين الماضيين ضد سياسيين ورجال أعمال مقربين من الرئيس المعزول عن مدى الإفلات من العقاب في عهد بوتفليقة”.
ويتابع على وجه الخصوص “بعد اعتراف رئيسي وزرائه أحمد أويحيى وعبد المالك سلال أمام محكمة الجزائر، في إطار القضايا المتعلقة بتجميع السيارات والتمويل غير المشروع للحملة الرئاسية أنه لم يتم القيام بأي شيء دون موافقته “.
ففي ظل رئاسة بوتفليقة “لم تكن هناك سلطة قضائية أو تشريعية، والسلطة الوحيدة التي كانت موجودة هي سلطة الرئيس. كان يعرف كل شيء، كما قال عبد المالك سلال في ذلك الوقت “كنت أتبع تعليماته فقط”.
ويخلص يانيس إلى أن “وفاة بوتفليقة دون محاسبة ستظل مصدر إحباط كبير للجزائريين”.
وتولى بوتفليقة رئاسة الجزائر في 1999 بينما كانت الحرب الأهليّة تُمزّق البلاد، بدعم من الجيش، ثمّ أعيد انتحابه بأكثر من 80 في المئة من أصوات الناخبين في 2004 و2009 و2014، لذلك ظنّ نظامه أنّ الولاية الخامسة مضمونة.
تميزت العهدة الأولى بحكم بوتفليقة بالموافقة على مشروع العفو عن الإسلاميين، باستثناء مرتكبي جرائم الدم، حيث تمت الموافقة على قانون الوئام المدني بأكثر من 98٪ من الأصوات، وتمت المصادقة مرة أخرى على مشروع المصالحة الوطنية عام 2004 بنسبة 80٪ من الأصوات.
مع نهاية العهدة الثانية، تناسى بوتفليقة المشاكل الداخلية حيث ارتفعت نسبة البطالة وظهرت الطبقات الاجتماعية بفعل الفساد وتراجع المستوى العلمي في المدارس وساء حال المنظومة الصحية، لينتهي به المطاف إلى التنحي عن السلطة عام 2019 تحت ضغط شعبي لم تشهده الجزائر لأكثر من عشرين عاما.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا