العدسة – ياسين وجدي:
بين باريس و باليرمو، وقعت طرابلس بين شقي رحى، في ظل صراع يتصاعد بين فرنسا وإيطاليا ، علىكعكة النفط وكرسى الزعامة وهاجس المهاجرين منليبيا.
“العدسة” يرصد تأثير الخصومة المتبادلة بين البلدينعلى المشهد الليبي وثورة بلاد عمر المختار في ظلعدم تحقيق المؤتمر الإيطالي لنتائج ملموسة وفشلالمؤتمر الفرنسي في وقت سابق في تحقيق جديد.
بين شقي رحى !
لم تنتظر ايطاليا كثيرا بعد تعقد المشهد في ليبياوفشل مؤتمر باريس الذي عقد في مايو الماضي فيتفعيل الاتفاق على موعد لإجراء انتخابات وطنية فيالعاشر من ديسمبر المقبل ، حيث أطلقت الاثنين فيمدينة باليرمو مؤتمر دولي حول مستقبل ليبيا، أبرزما فيه بحسب مراقبين أنه أظهر مجددا الخلافالفرنسي الإيطالي حول ما يحدث في ليبيا.
كما ردت فرنسا عبر المؤتمر على ايطاليا بعد خمسةأشهر على اجهاض روما لمؤتمرها الباريسي حيثعارضت خطة انتخابية اقترحها الرئيس الفرنسيإيمانويل ماكرون في ليبيا، حيث اتهمت إيطاليافرنسا عقب اجتماع باريس بأنها تريد أن تكونوحيدة في ليبيا.
رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا فايزالسراج، أعرب عن قلقه من وقوع ليبيا بين شقىالرحي الايطالية الفرنسية ، ولخص قلقه في مقابلةمع وكالة الصحافة الفرنسية قبل أيام مؤكدا ضرورةتوحيد مواقف” باريس وروما حتي يخرج المؤتمربـ“رؤية مشتركة تجاه القضية الليبية“!.
المؤتمر يبدو أنه سيكون محبطا للسراج ولآمال رئيسالوزراء الإيطالي جوزيبه كانتي، حيث بدا التفاعلمع المؤتمر ضعيفا بحسب مراقبين على مستوىمشاركة الدول الكبرى، وتلقى كونتي ضربة منخصمه الفرنسي بعثت فرنسا وزير خارجيتها وغابالرئيس ، كما لم تحضر المستشارة الألمانية ورئيسيروسيا والولايات المتحدة، واكتفت ألمانيا بوزير دولةغير معروف، فيما اعتبر مؤشرا أوليا على حجمالاهتمام بالملف الليبي ومحطة جديدة في صراعالنفوذ بين فرنسا وايطاليا.
وكانت روما سعت قبل هذا المؤتمر إلى استلام زمامالمبادرة الدبلوماسية – على الأقل علانية في ليبيا ، وفي 31 يوليوالماضي قام رئيس الوزراء الإيطاليجوسيبي كونتي بزيارة إلى البيت الأبيض أعلنخلالها عن خطة لعقد مؤتمره الخاص حول ليبيا، فيباليرمو، وهو ما أشاد به الرئيس الأمريكي دونالدترامب في حينه مثمنا دور الحكومة الإيطالية الذيوصفه بـ“”الريادي في تحقيق الاستقرار في ليبياوشمال أفريقيا“.
أجندتان مختلفتان!
ليبيا مهمة بنفطها وموقعها الاستراتيجي خاصة بعدأن تحولت إلى نقطة عبور للمهاجرين غير النظامييننحو أوروبا، ومع مرور الوقت أيضا إلى ملجألعصابات تهريب البشر المستفيدة من حالة الفوضىالتي تغرق فيها البلاد منذ الإطاحة بنظام العقيدالقذافي، ونقطة صراع بارزة بين روما وفرنسا.
فالرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بحسبالمراقبين يعتبر عراب التدخل العسكري في ليبياوهو التدخل الذي اعتبره رئيس الحكومة الإيطاليةالأسبق سيلفيو برلسكوني تهديدا لمصالح إيطالياالاقتصادية والسياسية في هذا البلد، وقد ارتبطبرلسكوني بعلاقات صداقة مع الزعيم الليبي الراحلمعمر القذافي، وبينما تتمسك فرنسا بمصالحهاالاستراتيجية في ليبيا، تَعتبر إيطاليا البلد جزءا مننفوذها الجغرافي كقوة مستعمرة سابقة.
الصراع بين البلدين يتخذ وجها آخرا من خلالالمنافسة الشرسة بين شركتي الغاز والنفط التابعتينللبلدين وهما توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، وفيهذا الاطار فالمصالح الاقتصادية لإيطاليا تكمن فيطرابلس وغرب البلاد، أي في المناطق الخاضعةلسيطرة “حكومة الوفاق الوطني“، في حين أن فرنسامهتمة بإستعادة النظام في جنوب ليبيا حيث تتوددإلى قائد الانقلاب اللواء خليفة حفتر المدعوم منمصر والإمارات اللتين تنظران إلى قواته بمثابةالحصن في مواجهة الإسلاميين، فيما تعتبر إيطالياالداعم الرئيسي للسراج وحكومته، وقد عملت معالجماعات المحلية في ليبيا على منع المهاجرينالمتجهين إلى أوروبا من الوصول إليها عبر البحر.
صراع زعامة!!
الزعامة حاضرة في الخصومة بقوة فيما يرصدالمراقبون ، ف“إيمانويل ماكرون” و“جوزيبه كونتي” يريد كل واحد فيهما أن يكون صاحب السبقوالتأثير.
وبحسب مراقبين ، يعتبر ماكرون نفسه الحاملالتقليدي لراية الأمم المتحدة، والمُدافع عن القيمالليبرالية والتعاون الدولي في الوقت الذي تتزايد فيهالقومية الشعبوية، وفي هذا الاطار يرى أن الحكومةالإيطالية الجديدة الشعبوية تشكل تهديداً لرؤيتهالسياسية، وهو ما ظهر في خطاب ألقاه في 21 يونيو الماضي وفجر تراشقات بين ماكرون ونائبرئيس الحكومة الإيطالية لويجي دي مايو.
وفي المقابل يحاول رئيس الوزراء الايطالي جوزيبهكونتي ، انتزاع صفة “القائد الأوروبي الأهم فيليبيا من الرئيس الفرنسي ، حيث أنه منذ استلامماكرون منصب الرئاسة ينظر إلى ليبيا كمسرحلإظهار سياسته الخارجية ، بحسب مراقبين حيثاستضاف في يوليو 2017 اجتماعاً في باريس معرئيس الوزراء الليبي فايز السراج ومع اللواء خليفةحفتر في محاولة لتنسيق اتفاق لوقف إطلاق الناروالتخطيط لإجراء انتخابات وطنية، ومع ذلك، فقد تمتنسيق المبادرة بشكل ضعيف مع المجتمع الدولي، الذي أيّد “خطة العمل” الأكثر شمولاً التي وضعتهاالأمم المتحدة وأعلن عنها سلامة في سبتمبر 2017.
ضرر ليبي
ويرى مراقبون أن للصراع الفرنسي الإيطالي جذوراتاريخية عندما كانت روما ضمن دول المحور التياحتلت فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية لينتقل بعدذلك التنافس بينهما على ليبيا بعدما احتلت فرنساالجنوب الليبي، وإيطاليا شمالي البلاد، لكن معبروز الاتحاد الأوروبي والهيمنة الأميركية علىالصناعة النفطية في ليبيا خففا حدة الصراع بينالبلدين، حيث لم تسمح واشنطن بتنامي أطماعمصلحية بين البلدين، فيما تبقى الأزمة في استمرارتحول ليبيا إلى بلد رخو، مما سيؤدي في نهايةالمطاف إلى توسع دائرة الصراع بمنطقة الشرقالأوسط.
وبحسب تقدير موقف حديث صادر عن معهدواشنطن للدراسات في الشرق الأدنى أنه طالما أنسياسة فرنسا في ليبيا تُدار من قصر الإليزيه، وأنوزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، هوالشخصية الأقوى في الائتلاف الإيطالي، فمنالمؤكد أن تستمر هذه الخصومة – على حسابالليبيين في ظل الصراع على كعكة النفط وهاجسالمهاجرين.
الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط يوخنهيبلر يرى أن المنافسة بين روما وباريس لا تخصليبيا سوى بالدرجة الثانية، وأن “الأمر الأهم بالنسبةلهما يتعلق أساسا بمكانتهما الدولية والمحلية ” مؤكدا أن “هذا يُعقد الواقع الليبي” ويشدد في هذاالاطار على أن لا إيطاليا ولا فرنسا ولا غيرهما منالدول يسيتطيع إيجاد حل نهائي للأزمة، لأن الحليأتي من الليبيين أنفسهم وهذه الدول مهما حدثتبقى مساهمتها محدودة في ظل غياب مفهوم الدولةنفسه.
اضف تعليقا