العدسة – ياسين وجدي:  

ليس بالرصاص وحده تقتل الحكومات العربية المستبدة شعوبها ، فقد تعددت طرق القتل والقاتل واحد، يقبع في قصور الحكم والملك ، يحمل صفة فرعون أو هامان أو جنودهما ، وكلا كانوا من الخاطئين.

الإهمال الطبي وحوادث الطرق وحوادث البنايات وانهيارات السيول وجنايات العوز والفقر كانوا أبرز طرق القتل واستباحة الدماء ، وهو ما نستعرضه في هذا التقرير.

نزيف الأسفلت!

نزيف الأسفلت ، بات ظاهرة عربية صميمة ، تختلف من مكان إلى مكان في أعداد الضحايا ، الذين تتزايد أرقامهم يوما بعد يوم.

ففي مصر ، يرى مراقبون موالون للسلطة أن الأرقام مفزعة لضحايا حوادث الطريق، وبات الإرهاب أرحم أكثر من حوادث الموت على الطرق السريعة تحصد الأرواح بلا هوادة بحسب وصفهم ، وفي مايو الماضي لقي أكثر 29 مصريا مصرعهم وأصيب  123 من بينهم 5 أطفال و14 أمين شرطة خلال أسبوعين من الشهر، وهي نسبة تتكرر بشكل لافت، رصدته تقديرات غير رسمية أكدت أن أعداد القتلى فى حوادث الطرق بمصر تتراوح بين 25 و27 ألف قتيل، ومن 70 إلى 80 ألف مصاب، والخسائر من 30 إلى 35 مليار جنيه فى السنة.

وفي السعودية كشفت إحصائيات حديثة عن أن ضحايا المملكة في “نزيف الأسفلت” بلغ 86 ألفا خلال العقدين الماضيين ، وهو ما تتسبب في خسائر مادية بنحو 13 مليار ريال سعودي مع سقوط قتيل كل 75 دقيقة ، فيما يشغل مصابي الحوادث 30% من أسرة المستشفيات ، وفي مارس 2017 كشفت صحيفة عكاظ الرسمية عن وصول معدل وفيات حوادث الطرق إلى  100 لكل 100 ألف نسمة

وفي الإمارات أفادت احصائيات رسمية  في العام 2017 أن حوادث الطرق، حصدت حياة 3391 شخصاً، خلال السنوات الخمس الماضية، معظمهم من الشباب كما أدت إلى إصابة 63 ألفاً و167 آخرين بإصابات متفاوتة بين البليغة والمتوسطة والخفيفة، في الفترة من 2012 حتى 2016 ، دراسة لشرطة الشارقة في العام 2009 أن الحوادث المرورية تقتل شخص كل 12 ساعة نتيجة الحوادث المرورية، وهو ما يذهب بالأرقام الحالية إلى أضعافها.

وتصدرت البحرين دول الخليج في زيادة عدد حوادث المرور، وأظهرت دراسة حديثة أن البحرين تحتل المرتبة الرابعة عالمياً من أصل 193 بلدا، من حيث ضحايا حوادث المرور حيث تبلغ نسبة ضحايا حوادث الطرق في البحرين مقارنة مع الوفيات نتيجة أسباب أخرى، تبلغ 7.3 %، وبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية في العام 2015  بلغ عدد القتلى جراء حوادث السير في الجزائر 9,337، والسودان 9,221.

القتل البطيء !

وتورطت بعض الحكومات العربية في القتل البطيء ، بتعمد تقليل الموازنات الخاصة بالملف الصحي لصالح ملفات الأمن وتأمين العروش ، وهو ما أدى إلى تصاعد ظاهرة القتل البطيء عبر الإهمال الطبي.

وحافظت مصر على صدارتها في ملف القتل البطيء منذ وصول رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم ، حيث كشفت أرقام رسمية عن أن نسبة الوفيات بالمستشفيات العامة بلغت 1 في المئة العام 2011، ويموت نحو 2100 مصري سنويا نتيجة الإهمال الطبي، وتنظر النيابة العامة في 900 قضية إهمال ضد الأطباء سنوياً، بمعدل 3 قضايا يوميا، بحسب ما جاء في التقرير، بالتزامن مع إهمال طبي رصد على نطاق واسع ضد المعتقلين في السجون المصرية تسبب في سقوط العشرات ضحايا للموت البطيء المتعمد وفق حقوقيين وبحسب أقل التقديرات.

وفي السعودية ، بات الإهمال الطبي القاتل ظاهرة ، وبلغت قضايا الإهمال الطبي في العام 2015 ، ما يقرب من 3178 قضية وفق إحصائيات رسمية ، سبقها على مدار 3 سنوات  نحو5105 قضايا، بجانب عشرات الحالات التي تواجه القتل البطيء داخل السجون السعودية ، أو دفعت حياتها ثمنا لذلك وفق المراقبين.

القتل البطيء معتمد كذلك في سجون البحرين ، وهو ما رصدته في سبتمبر الماضي منظمة العفو الدولية التي طالبت السلطات البحرينية باتخاذ “خطوات فورية لضمان حصول جميع المعتقلين على الرعاية” الصحية.

وفي الإمارات بلغ الشكاوى بحسب التقديرات الرسمية عام 2013 بلغ 579، منها وفي عام 2015 واصلت الشكاوي الحفاظ على نفس النسبة بعدد  533، وفي الجزائر تشير التقديرات إلى عرض نحو 20 ألف شكوى لذوي ضحايا الإهمال الطبي على المحاكم الجزائرية، أما إحصائيات 2016 حول الأخطاء الطبية في تونس فترصد 7000 حالة وفاة سنويا .

وفي الأراضي المحتلة ، تكرر النموذج العربي ، ولكن بأيدي صهيونية ضد المعتقليين الفلسطينين ، حيث يتعرض بحسب مركز الديمقراطية لحقوق الإنسان، 7000 معتقل فلسطيني من مناطق متفرقة في الضفة الغربية المحتلة، لأقصى درجات الإهمال الطبي والقتل البطيء.

ضحايا الانهيارات والسيول

وطبقا للباحثين فان المنطقة العربية على غير العالم أصبحت أرضا خصبة للسيول والكوراث الطبيعية ، وهو ما ظهر مؤخرا حيث فاضت سيول عارمة في 6 دول عربية، بسبب سقوط أمطار غزيرة وتدفق المياه في عدة وديان بشكل مفاجئ، أسفرت عن خسائر بشرية ومادية، ولقى العشرات مصرعهم في الأردن، فلسطين، السعودية، اليمن، تونس، وقطر، ما شكل خطرًا داهما أفزع الأهالي والسكان، وهو ما تكرر على مدار أسبوع في الكويت ما أدى إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة بالتزامن مع تهديدات في أن يكون شتاء 2018- 2019 عام السيول في مصر بامتياز.

وأرجع البعض أن السبب في ذلك يرجع إلى التغييرات المناخية التي أصبحت تمثل خطرا على منطقة الشرق الأوسط والعربية منها في ظل تقاعس الأنظمة عن العلاج المبكر للأزمات فيما ذهب البعض إلى تفسيرات أخرى منها أنها لعنة للدماء التي أراقتها الأنظمة العربية في مصر وسوريا وليبيا والمجاعة في اليمن.

وباتت الانهيارات العقارية أحد أسباب ضحايا الحكومات العربية الفاسدة خاصة في مصر ، وتشير الدراسات إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى عمليات فساد واسعة ، شارك فيها نظام مبارك من خلال عشرات المنح الأمريكية ، لشبكات الصرف الصحي التي تبين بعد تنفيذها أنها كانت غير مطابقة للمواصفات ما جعل الإسكندرية عروس البحر المتوسط تعيش على الانهيارات.

الأردن يعيش نفس الأزمة ، بسبب الفساد المستشري ، والواقعة الأخيرة لانهيار عمارة في مدينة الزرقاء فتحت الملف بصورة كبيرة في ظل سقوط ضحايا جدد ، آخرهم مصرع  5 أشخاص من عائلة فلسطينية وإصابة 10 آخرين بجروح مختلفة.

حوادث الفقر

وطبقا للتقديرات غير الرسمية يعاني نحو 40 مليون عربي من الفقر المدقع ونقص التغذية، فيما يعيش أكثر من 100 مليون إنسان عربي تحت خط الفقر، وتقول دراسات اجتماعية إن ذلك يوفر بيئة واسعة لتفريخ الجريمة والعنف بكل أشكاله.

هذه الأرقام قد تتطور ، وبالتالي تتطور أعداد ضحايا جرائم الفقر ، وذلك طبقا لما تحدث عنه الخبير المصري السابق بالأمم المتحدة ابراهيم نوار فإن البنك الدولي وضع 5 معايير جديدة سيتم على أساسها حساب معدل الفقر الحقيقي في البلدان المختلفة وهو ما سيمثل صدمة للدول والحكومات في منطقة الشرق الأوسط خاصة العربية منها التي كانت تتلاعب بهذه النسب طبقا للحساب القديم، والذي كان يزن الفقر بمعدل الدخل السنوي ويشير نوار أن المعدلات الجديدة ستدخل في حيزها التعليم، و معدل توفر خدمات البنية الأساسية، والصحة، و مدى توفر الأمن، وطبقا للدراسة فإن العراق الذي كان واحدا من الدول التي تم وضعها تحت الاختبار فإن معدل الفقر في العراق ارتفع طبقا للتوصيفات الجديدة إلى 28.4% أي خمسة أضعاف النسبة الرسمية القديمة.

ارتفاع نسبة جرائم الفقر في مصر لافت وبحسب الإحصاءات فإن نسبة بطالة تطال أكثر من 12% من السكان حسب أكثر الإحصاءات المستقلة تحفظا، تعني أيضا وجود نحو 12 مليون مواطن يعيشون في المقابر والعشش مع انتشار أكثر من ألف منطقة عشوائية، وهو ما أدى في السنوات الأخيرة إلى زيادة الجرائم طبقا للمراقبين.

المغرب كذلك نموذج لارتفاع جرائم الفقر ، وظهرت ما يسمى مدن الصفيح الفقيرة، وداخل أحزمة الفقر المغربية تنتشر الجريمة والعنف بكل صورها وأشكالها، والإحصاءات الرسمية تؤكد أن معدلات الجريمة ارتفعت بنسبة 13% في الفترات الماضية ورصدت الدوائر الأمنية نحو 100 ألف جريمة كل ثلاثة أشهر.

وفي السودان باتت جرائم الفقر ، ذات معدل كثير التكلفة ، بعدما بلغت نسبة الفقر في السودان 36.1% وفقا لنتائج المسح القومي لميزانية الأسرة والفقر طبقا لما نشر في العام 2017 ، والتي كشفت عن وقوع واحد من أصل أربعة أشخاص تحت خط الفقر المدقع أي نسبة 25 % .