العدسة – معتز أشرف
انتهت اللعبة الانتخابية في العراق، وتحركت قطع الشطرنج للأمام، ولكن بقي اللاعبون كما هم، فقط تبدلت المواقع والأرقام بحسب ما يرى البعض، فيما يرى البعض الآخر فرصة ضعيفة للخروج ببغداد من نفق إيران على يد مقتدى الصدر الذي حسم الصدارة بجدارة، ليترقب الجميع ما يحدث في تشكيل الحكومة المقبلة في ظل التدخلات الأمريكية الإيرانية وهو ما نرصد مؤشراته الأولية.
فوز مقيّد!
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق حسمت السبت فوز كتلة رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر بالانتخابات البرلمانية؛ حيث حصلت كتلة (سائرون) التي يتزعمها الصدر على 54 مقعدًا في البرلمان، وجاءت في المرتبة الثانية كتلة الفتح التي يتزعمها هادي العامري؛ إذ حصلت على 47 مقعدًا. ويتولى العامري، الذي تربطه علاقات وثيقة بإيران، قيادة فصائل شيعية مسلحة لعبت دورًا رئيسيًا في إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، وفي المرتبة الثالثة، جاء ائتلاف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي وحصل على 42 مقعدًا.
إعلان الفوز هو إعلان تقدم الخصم القديم للولايات المتحدة، حيث قاد انتفاضتين ضد القوات الأمريكية في العراق، والذي طالما يعارض أيضًا النفوذ الإيراني في العراق، ورغم أنه لا يمكن للصدر أن يتولى رئاسة الوزراء؛ لأنه لم يرشح نفسه في الانتخابات لكن فوز كتلته يمنحه وضعًا قويًا في مفاوضات اختيار من سيتولى المنصب، وبحسب وكالة رويترز فإنّ فوز الصدر يمثل عودة مفاجئة لرجل دين سبق وتعرض للتهميش لسنوات من قبل خصوم مدعومين من إيران، كما يمثل أداء كتلة الصدر توبيخًا للنخبة السياسية التي يلقي بعض الناخبين باللوم عليها في تفشّي الفساد واختلال الحكم لكن قبل الانتخابات، أكدت إيران علنًا أنها لن تسمح لكتلة الصدر بحكم العراق وهو ما يلقي بظلاله على المشهد .
ويجب تشكيل الحكومة في غضون 90 يومًا من إعلان النتائج الرسمية، لكن لا يضمن الفوز بأكبر عدد من المقاعد للصدر اختيار رئيس الوزراء؛ إذ يجب أن توافق الكتل الفائزة الأخرى على الترشيح، ففي انتخابات 2010، فازت مجموعة نائب الرئيس إياد علاوي بأكبر عدد من المقاعد، وإن كان ذلك بهامش بسيط، لكنه مُنع من تولي منصب رئيس الوزراء وألقى باللوم على طهران في ذلك، ورغم أن الانتخابات وجهت ضربة للعبادي لكنه لا يزال يستطيع أن يظهر كمرشح توافقي مقبول لجميع الأطراف، لأنه أدار بمهارة المصالح المتضاربة للولايات المتحدة وإيران خلال رئاسته للوزراء، كما ينظر إلى العامري كأحد أقوى الشخصيات في العراق، وقد قضى 20 عامًا في قتال صدام حسين من إيران، خاصة أن جنرال قاسم سليماني، قائد العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني والشخصية المؤثرة في العراق يجري محادثات مع سياسيين في بغداد لتشجيعهم على تشكيل حكومة جديدة تحظى بموافقة إيران، ومن المتوقع أن تستمر المفاوضات لشهور.
إعادة توزيع الأدوار
الزواية الأولى فيما بعد الانتخابات، يمكن التوقف عندها بالنظر إلى المراقبين المحسوبين علي صوت رفض الانتخابات تحت الاحتلال، فهم يعتبرون أنّ ما حدث هو “انتخابات تقديم الميليشيات الإيرانية في ثوب الساسة ودفعها للهيمنة على التشريع ومجلس الوزراء؛ اذ تحول هادي العامري ومَن معه من الميليشيات إلى أعضاء برلمان، بل هم حققوا المرتبة الثانية ويسعون الآن للسيطرة على الجهاز التنفيذي لسلطة الاحتلال، وذلك هو سبب حضور قاسم سليماني والمندوب الأمريكي على عجل للعراق لترتيب أوضاع سلطة الاحتلال في الفترة المقبلة؛ حيث جاءت الانتخابات لإعادة تغليف البضاعة القديمة، بعد أن جرت بين خمسة من رموز الحكم الطائفي الشيعي– أيًا كانت الاختلافات والمصالح المتعارضة– وهم العامري والصدر والمالكي والحكيم والعبادي، وأعادت أربعة من القدامى في اللعبة السياسية وجاءت بخامسهم– العامري- ليعاد تجديد سيطرة هؤلاء ومن ورائهم إيران على مشهد الحكم والاحتلال بالقوة الميليشياوية، وهذا هو شكل الحكم القادم في الأغلب بحسب رأي هؤلاء المراقبين.
وفي المقابل يلعب رئيس مجلس الوزراء الخاسر حيدر العبادي علي دعوة الكتل السياسية الى تشكيل حكومة “قوية” بعيدة عن المحاصصة المذهبية، والقومية، والحزبية، وكتب العبادي على موقعه في “تويتر”، أن “رؤيتنا للمرحلة القادمة هي ضرورة أن يكون هناك تعاونًا فيما بين الكتل السياسية التي فازت بالانتخابات لتشكيل حكومة تمثل البلاد، ويجب أن تكون هذه الحكومة حكومة قوية تعمل على مكافحة الفساد والابتعاد عن المحاصصة المذهبية والقومية والحزبية المقيتة، ونريد أن يكون هذا التوجه منهج عمل، وهناك من يريد تشكيل كتلة شيعية أو كتلة سنية، ونحن رفضنا هذا التوجه، لأنهم يريدون أن يستمروا بفسادهم ويتحدثوا باسم المكون أو الطائفة”.
من جانبه طرح هيمن هورامي المستشار الإعلامي لزعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني شكل ثلاث تحالفات قد يشكل أحدها الحكومة الاتحادية الجديدة، وقال هورامي في تغريدة له على “تويتر” إنه “لا يمكن القيام بجميع السيناريوهات لتشكيل الحكومة العراقية من دون الحزب الديموقراطي الكوردستاني”.
خياران أساسيان!الانت
وفي تقدير موقف لمعهد واشنطن بعنوان “الانتخابات العراقية والمصالح الأمريكية: الرؤية التطلعية”، أكد أنه على الرغم من الأداء القوي الواضح الذي أظهره تحالف “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، إلّا أنّ “التعليقات المتسرعة” لا تُعتبر على الإطلاق ذات جدوى بالنسبة للانتخابات العراقية؛ لأن الشعب بحدّ ذاته لا ينتخب مباشرة رئيس الوزراء وحكومته، ولأن العملية طويلة ومعقدة، وأوضح أنه إذا استغرق تشكيل حكومة وقتًا طويلًا كما حصل في عام 2014، فسيجري تشكيلها في 20 سبتمبر 2018، أما إذا استغرق تشكيلها 289 يومًا كعام 2010، فستباشر الحكومة الجديدة عملها في 25 فبراير 2019، وقد تقع النتيجة الأكثر ترجيحًا هذه المرة في منزلة بين هذين السيناريوهين، حيث قد تتشكل الحكومة الجديدة في نوفمبر 2018، حيث لا يملك أي ائتلاف عراقي أُقيم قبل الانتخابات فرصة لتشكيل الحكومة بمفرده.
الخيار الأول هو حكومة تنوع الأغلبية، وستتطلب بعض الترتيبات التي تشمل عناصر الأغلبية والمتعددة الطوائف والأعراق، حيث إن مفهوم مقتدى الصدر يشمل ضم بعض الفصائل (من بينها فصيله) إلى الحكومة واستبعاد أخرى منها (“تحالف الفتح” و “ائتلاف دولة القانون” – أي تلك الأقرب إلى إيران)، مما يشكل أول معارضة برلمانية رسمية في تاريخ العراق ما بعد 2003، ويجب أن تكون الحكومة بالفعل متعددة الطوائف والأعراق لتحقيق أغلبية 165 مقعدًا، وقد يشجع الصدر صدور بيان عام من نوع ما لهذه التشكيلة الجديدة بحيث تتكون حكومة تكنوقراطية مع تركيز على مكافحة الفساد، ونهج شعبوي اقتصادي، ممزوجة جميعها بكره معتدل للأجانب يحدّ من التأثيرات الخارجية في البلاد.
الخيار الثاني بحسب تقدير الموقف هو حكومة وحدة فوضوية، فمن المؤكد أن الفكرة المتطرفة أعلاه تثير توتر الكتل الرئيسية وأبرز المسؤولين السياسيين القدماء، بالإضافة إلى ذلك يبدو أن مقتدى الصدر مستعد لإثارة استياء شركائه في الائتلاف، وقد لا يكون العمل معه سهلًا، ومن المرجح ألا تسر إيران إزاء احتمال استثناء وكيلَيْها “تحالف الفتح” و”ائتلاف دولة القانون” من الحكومة، وقد يهدد هذان التكتلان، المرتبطان بميليشيات مسلحة جيدًا، بالقيام بتحركات معرقلة إذا شعرا بأنه سيتمّ إقصاؤهما، ولهذه الأسباب قد تلجأ الكتل العراقية الأكبر إلى العادة القديمة المتمثلة في تشكيل حكومة وحدة وطنية “من الجميع ولا أحد”، مما يعني أنها ستشمل كافة الجهات الفاعلة تقريبًا، ولكن أي منها لا تتفق على مجموعة أهداف، باستثناء تقسيم الوزارات إلى إقطاعيات سياسية، وقد تسفر النتيجة الأكثر ترجيحًا في حكومة وحدة وطنية قيام “دائرة داخلية” شيعية تضم كافة الفصائل، باستثناء فصيل مقتدى الصدر، الذي قد ينسحب إلى صفوف المعارضة إذا تم رفض نموذجه لتنوع الأغلبية، أما “الدائرة الخارجية” فقد تشمل الأكراد والسنّة وغيرهم، مما يجعل الأغلبية تتخطى الـ 165 مقعدًا، الأمر الذي يضفي شعورًا بالشمولية.
أمريكيًا لا تغيير طرأ على سياستها تجاه العراق، بعد الانتصار الذي حققته كتلتا- سائرون- برعاية مقتدى الصدر والفتح برئاسة هادي العامري في الانتخابات العراقية، واللذان يعدان مجموعتين معاديتين لواشنطن، حيث أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارا ساندرز أن سياسة بلادها تجاه العراق لم يطرأ عليها أي تغيير لحد الآن، مضيفة أن أهم شيء بالنسبة لبلادها الآن هو الإسراع في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
اضف تعليقا