العدسة – جلال إدريس
منذ اليوم الأول للأزمة الخليجية، ويعد الموقف الأمريكي غامضا من تلك الأزمة، فتارة تبدو الإدارة الأمريكية وكأنها الداعم الرئيسي لـ”حصار قطر”، وتارة أخرى تبدو وكأنها تقف على الحياد، وتسعى جاهدة لإنهاء تلك الأزمة ووقف الحصار.
وعلى ما يبدو أنه قد آن الأوان لفهم وتفسير الموقف الأمريكي الغامض، كشفت تحقيقات أمريكية عن فصل جديد في حصار دولة قطر من قبل رباعي الحصار، وعن دور مباشر لـ”جاريد كوشنر” صهر الرئيس الأمريكي “ترامب” في هذا الحصار ووقوفه خلفه وبقوة.
التحقيقات الأولية تشير إلى أن صهر “ترامب” وفتاه المدلل، كان أحد الداعمين وبقوة لحصار قطر بسبب موقف عدائي شخصي له مع الدوحة، يتعلق باستثماراته الخارجية، وليس بمكافحة الإرهاب كما تعللت دول الحصار وبعض البيانات الأمريكية، وسرعان ما تلاقت رغبة دول الرباعي العربي مع رغبة صهر “ترامب” في الانتقام من الدوحة فكان الحصار.
(العدسة) يرصد ومن خلال التقرير التالي أصل الأزمة، وعلاقة صهر “ترامب” بها، وإلى أين تسير الأمور، وذلك وفقا لما ذكرته صحف ومواقع أجنبية وعربية.
موقع “إنترسبت” الأمريكي، بحسب ما أورد في مقال مشترك الكاتبين “ريان غريم وكلايتون سويتشر”، أوضح أن المحقق الخاص بقضية التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية “روبرت مولر” سيتناول في تحقيقاته محاولات “كوشنر” الحصول على تمويل لبناية تعاني من مشكلات مالية في مانهاتن، بعد انتخابات عام 2016؛ والتي يعتقد أنها أحد الأسباب الرئيسية في حصار دولة قطر.
عقار مانهاتن المتعثر وحمد بن جاسم
علاقة ” كوشنر” بالانقلاب على قطر، بدأت في الانكشاف بعدما أصدر المحقق الخاص بقضية التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأمريكية، «روبرت مولر»، قرارًا بتوسيع تحقيقاته حول كبير مستشاري البيت الأبيض وصهر “ترامب”، «جاريد كوشنر».
تحقيقات «مولر» بشأن «كوشنر» تجاوزت نهاية الشهر الماضي، اتصالات الأخير مع الروس إلى نشاطات أخرى سعى من خلالها لتأمين تمويل لعقار متعثر في حي مانهاتن في نيويورك (مملوك لمجموعة شركات كوشنر) عقب فوز «دونالد ترامب» بالرئاسة في نوفمبر 2016، وخاصة طلبات تقدم بها لشركات استثمار في الصين وقطر.
وربط تحقيق «مولر» بين محاولات كوشنر تأمين تمويل لهذا العقار من قطر، والأزمة الخليجية، فشركة “كوشنر” كانت تواجه أزمة مالية شديدة، بسبب تعثر استثماراتها في العقار 666 الجادة الخامسة في نيويورك، وحاول صهر “ترامب”، خلال عامي 2015 و2016، للتفاوض مباشرة مع مستثمر رئيسي في قطر، وهو الشيخ “حمد بن جاسم آل ثاني”، لإتمام الصفقة.
والشيخ “حمد بن جاسم”، رئيس الوزراء السابق لقطر الذي يدير صندوق الثروة السيادية الذي تبلغ قيمته 250 مليار دولار، واحدًا من أغنى الرجال في العالم.
ووافق “حمد” في نهاية المطاف على استثمار ما لا يقل عن 500 مليون دولار، بشرط أن تتمكن شركات “كوشنر” من جمع ما تبقى من إعادة تمويل بمليارات الدولارات من أماكن أخرى، واستمرت المفاوضات لفترة طويلة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقام بها “كوشنر”.
وبعد الانتخابات، عثرت شركات “كوشنر” على العديد من المهتمين بالدخول في الاستثمار، وفقًا لما ذكره مصدرٌ في الولايات المتحدة، إلا أن محاولة “جاريد كوشنر”، في استخدام قوة الدبلوماسية الأمريكية لابتزاز الدولة الصغيرة، بعد فوز “ترامب” في الانتخابات الرئاسية، للحصول على مزيد من المال، أغلقت الصفقة تمامًا.
مؤامرة “كوشنر” ودول الحصار
وفقا لمراقبين، الفشل في التوصل إلى اتفاق بين المسؤول الإماراتي السابق و”كوشنر” تبعه بعد شهر واحد أزمة دبلوماسية كبيرة قاطعت فيها الدول الأربع قطر واتهمتها بدعم وإيواء الإرهابيين بجانب عملها مع إيران على زعزعة استقرار المنطقة.
الاتهامات بدت في أول الأمر عبثية، لكن الصمت الأمريكي عليها وموافقتها على استمرار الحصار ضد قطر كشف بصورة أو بأخرى ضلوع أمريكا في هذا الحصار.
وبحسب تقرير صحيفة “ذي إنترسبت” الأمريكية، فإن “جاريد كوشنر” مال في هذه الأزمة نحو الدول الأربع ضد القطريين.
وتابعت أيضًا أن كوشنر قاد الجهود لتقويض مساعي وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون لحل الأزمة.
وجاءت الأزمة بعد زيارة الرئيس الأمريكي ومعه مستشاره كوشنر إلى الرياض، اللذين جاءت تصريحاتهما في الأزمة ضد قطر أيضًا.
وبحسب الصحيفة، فإن هذه لم تكن المرة الأولى التي توسل فيها تشارلز كوشنر إلى القطريين من أجل التمويل، لكنها أول مرة يتواصل فيها شخصيًّا مع الوزير القطري.
ولفتت الصحيفة إلى أن المرة الأولى التي طلبت فيها مجموعة كوشنر تمويلاً قطريًّا كان بعد انتخاب الرئيس الأمريكي “ترامب”.
وأشار تقرير سابق لصحيفة “نيويورك تايمز” إلى أنه قبل زيارة كوشنر إلى إسرائيل والسعودية في مايو 2017، كانت الشركات المملوكة لعائلته قد تلقت نحو 30 مليون دولار كاستثمارات من شركة “مينورا ميفتاخيم”، وهي إحدى أكبر مؤسسات التمويل الإسرائيلية.
لكن المثير في الأمر، أن هذه المشكلة أعادت تشكيل التحالفات الجيوسياسية في المنطقة، لينقسم مجلس التعاون الخليجي.
لقاءات سرية مع الإمارات وإسرائيل
لم تتوقف التفاصيل التي كشفتها التحقيقات الخاصة بصهر “ترامب” عند حد علاقته بحصار قطر، لكن صحفا أمريكية كشفت عن “لقاءات سرية”، مع مسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين، لما وصفوه بـ”محاولة دول للسيطرة على صهر “ترامب”، ومستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط، جاريد كوشنر”.
ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن المسؤولين الأمريكيين قولهم إن مسؤولي 4 دول، بينهم الإمارات وإسرائيل، ناقشوا بصورة “سرية” كيف يمكن السيطرة على كوشنر، مساعد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب المقرب.
ووصف التقرير الأمريكي، المسؤولين بأنهم مطلعون على “تقارير استخباراتية سرية”، وأشاروا إلى أن المسؤولين هم “إسرائيل، والمكسيك، والإمارات، والصين”.
كما أوضح التقرير أن اتصالات كوشنر التجارية مع بعض المسؤولين الأجانب، أثارت قلقا داخل البيت الأبيض، وهو ما يعد “السبب السري” لعدم تمكن صهر “ترامب” من الحصول على تصريح أمني دائم، لكافة المعلومات السرية داخل مقر الرئاسة الأمريكية.
ونقلت “واشنطن بوست” عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن كوشنر، زوج ابنة ترامب، إيفانكا، تم حرمانه أيضا من حضور الإفادة اليومية، التي تقدمها الاستخبارات للرئيس، وهو ما يعد أهم تقرير استخباراتي يقدم للرئيس الأمريكي.
وقالت الصحيفة: إن “مستشار ترامب للأمن القومي إتش. آر. مكماستر، علم أن كوشنر له صلات مع مسؤولين أجانب، ولم يبلغ عنها رسميا أو ينسقها عبر القنوات الرسمية”.
أزمة الرياض وأبو ظبي بعد طرد “كوشنر”
في مقابل تلك التحقيقات، فإن المسؤولين السعوديين والإماراتيين يشعرون بالقلق حيال التحقيقات الخاصة بـ”كوشنر” ؛حيث أنهم قد حصلوا على موافقة ضمنية من البيت الأبيض على تصرفاتهم المتشددة تجاه قطر، وتجاه الحرب في اليمن، لاسيما من الرئيس «دونالد ترامب» وصهره وكبير مستشاريه «غاريد كوشنر»، الذي كلفه «ترامب» بقيادة جهود السلام في الشرق الأوسط.
ويقال إن «كوشنر» قد أقام علاقة وثيقة مع سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة، «يوسف العتيبة»، فضلا عن علاقات جيدة مع ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، الذي التقى «كوشنر» في الرياض في أواخر أكتوبر.
ويرى مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية لـ”المونيتور” أن الخطأ الذي يقع فيه السعوديون والإماراتيون هو عدم تقدير الأمور، بسبب الرسائل المختلطة التي تأتي من البيت الأبيض مقابل وزارتي الخارجية والدفاع.
وقال المسؤول الكبير في الإدارة الأمريكية السابقة: «في الوقت الراهن، لديهم (السعودية والإمارات) علاقة قوية جدا وفعالة مع البيت الأبيض، تدعم أنشطتهم بشكل كبير، ولكن لديهم حدود لا بأس بها لهذا الدعم في الوكالات المشتركة؛ فالدعم الذي يحصلون عليه في الوكالات خارج البيت الأبيض أكثر هشاشة، وكان كل ما فعلوه يضر بدعمهم من قبل البيت الأبيض، إما عن طريق الخطأ أو مع القرارات التي تفتقر لوجود شبكة أمان، لأن بقية الوكالات لم يتم الاعتداد بها في مسارات العمل المختارة».
وأضاف: «أعتقد أنهم سيعانون إذا اختفى جاريد (كوشنر) فجأة، ولأنه لا يوجد من لديه مثل تلك الصداقة مع ولي العهد (السعودي) أو لديه نفس الرغبة لإيجاد أرضية مشتركة معه، فإذا حدث شيء لجاريد، كأن يقال أو لم يعد موجودا على الساحة، فماذا سيحدث لعلاقتهم الحرجة مع البيت الأبيض؟».
فيما قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي كريس مورفي، إنه إذا ثبت حرص الإدارة الأمريكية على حماية مصالح عائلة جاريد كوشنر (صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) المالية بالوقوف إلى جانب السعوديين والإماراتيين ضد قطر، فإن ذلك يستدعي تغييرات كبرى في البيت الأبيض.
وأضاف “مورفي” وفقا لـ”الجزيرة نت”: “إذا صحت هذه الأنباء فإنها تستدعي كل الإدانة، وتستدعي رحيل جاريد كوشنر من منصبه”، مشيرا إلى أن الكثير من المتابعين لأحوال الشرق الأوسط لم يستطيعوا فهم سبب وقوف إدارة ترامب بعناد إلى الجانبين السعودي والإماراتي ضد قطر.
وأكد “مورفي” أن للولايات المتحدة مصالح كبرى في قطر، على رأسها الآلاف من الجنود الأمريكيين في قاعدة أمريكية هناك، مشددا على أن الوقوف بعناد مع السعوديين ضد القطريين كان سيؤدي إلى تدهور الاقتصاد القطري وتعريض آلاف الأمريكيين للمخاطر.
اضف تعليقا