العدسة – ياسين وجدي:
مخاوف عديدة أصدرتها جهات معارضة وشعبية في الصومال من مؤتمر لندن حول النفط المحلي ، في مقابل طمأنات متكررة من رموز النظام الصومالي تحاول الرد على ما رأته ادعاءات وبين هذا وذاك طالب نشطاء بضمانات تؤكد الثقة وتنفي المخاوف.
“العدسة” يسلط الضوء على الأزمة الحالية التي تتصدر المشهد الصومالي ويبحث في كواليسها والتي قد تذهب إلى وقوع اضطرابات بناء على مؤشرات بتجاذبات سياسية ستستمر على قاعدة النفط!.
روايتان للأزمة!
في صدارة المشهد ، يقف الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو الذي علق على انطلاق مؤتمر النفط والغاز الصومالي في العاصمة البريطانية لندن باتهام معارضي حكومته بمحاولة عرقلة تنمية البلاد.
الحكومة الفيدرالية في الصومال أكدت بدورها أن الهدف من عقد المؤتمر هو عرض المسوح التي أجريت في الثروة النفطية التي تتمتع بها البلاد ، وشملت 50 حقلا نفطيا في مساحة تصل إلى 173,000 كم ، وتسلمتها شركة مقرها في بريطانيا لعرضها على الشركات التي تشارك في المؤتمر.
ويشارك في المؤتمر كذلك ممثل لهذا المعسكر الرسمي وهو وزير البترول الصومالي عبد الرشيد محمد أحمد الذي يترأس وفد من الحكومة الصومالية مؤكدا عدم صحة الادعاءات التي تفيد بأن هناك مزادا علنيا للنفط الصومالي.
وأوضحت وزارة البترول في الصومال في بيان لها، أنها تقوم بواجب عملها في استكمال المعايير التي من شأنها أن تسهم في استغلال الثروات النفطية والمعدنية في البلاد، والبحث عن الاستثمار الأجنبي، وفقاً لقوانين البلاد والاتفاقيات المبرمة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات الإقليمية.
في المقابل قاد مجلس الشيوخ الصومالي، منذ الأربعاء، حملة تؤكد عدم قانونية مؤتمر لندن مبررا ذلك بعدم مصادقة البرلمان على قانون النفط الخاص بإدارة واستخراج الثروات الطبيعية في ظل أن المادة 44 في الدستور الصومالي الانتقالي تحدد نظام توزيع الثروات التي لم يتم استكمالها بسبب الخلافات القائمة بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية.
المجلس شدد كذلك على أنه لا يمكن الحديث عن ثروات البلاد قبل تشكيل الهيئات والمؤسسات الوطنية المسؤولة عن إدارتها مؤكدا أن انعدام إجراءات الشفافية من قبل وزارة البترول والشركات التي قيل إنها قامت بعمليات لاستكشاف النفط في البلاد مؤكدا أن منح عقود النفط في الصومال في مزاد علني وإبرام اتفاقيات قبل سن القوانين الضرورية قد يكون خطراً على الدولة.
في نفس المعسكر الرافض تقف أحزاب وشخصيات معارضة منهم عبدالرحمن عبدالشكور، زعيم حزب وجدر ، الذي حذر في تصريحات له من نتائج مؤتمر لندن لكونه يمهد الطريق أمام حكومة فارماجو لنهب ثروات الصومال وتهميش المواطنين بحسب تعبيره.
وفي بيانات منفصلة، انتقدت عدة أحزاب سياسية المؤتمر، ومن بينها “اتحاد السلام والديمقراطية” الذي يقوده الرئيس السابق حسن شيخ محمود وحزب “هميلو قرن” الذي يتزعمه الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، حيث حذرا من خطورة مخرجات مؤتمر النفط، اللذان قالا إنه قد يؤدي إلى “دخول البلاد في براثن صراعات جديدة”.
اهتمام قديم!
الاهتمام البريطاني بالصومال ليس وليد اليوم ، فقد احتضنت لندن مؤتمرين عن الصومال أحدهما في مايو 2012 والآخر في ذات الشهر ولكن في العام 2017 برعاية أممية بجانب الوجود البريطاني.
في العام 2012 علقت صحيفة الأبزرفر الإنجليزية قائلة :” اهتمام الغرب المفاجئ بالصومال لم يكن بهدف إلى إحلال الاستقرار فيه وإنقاذ شعبه من دوامة الحرب الأهلية والفقر والمجاعة وإنما لأهداف تتعلق أولا وأخيرا بمصالحه الاقتصادية ومصالحه في القرن الإفريقي”.
وبحسب تقدير موقف نشره مركز الجزيرة للدراسات في ذات العام 2012 فإن المخاوف من فرض الوصاية كانت متواجدة بقوة ، حيث أشار إلى وجود محاولات وقتها لفرض وصاية غربية غير مباشرة على الصومال في مواجهة الدور التركي البارز الذي تصدى للمجاعة وتدهور الأمن .
ونقل تقدير الموقف عن مارك برادبري، مدير معهد الوادي المتصدع، ومؤلف العديد من التقارير والكتب حول الصومال قوله :” إن النفط هو “أكبر مغير لقواعد اللعبة هناك”.
وفي مايو 2017 انطلقت كذلك في العاصمة لندن، أعمال المؤتمر الخاص بالصومال، برعاية الأمم المتحدة، وبريطانيا بمشاركة الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، و20 بلداً بينهم تركيا ومثلها رئيس الوزراء وقتها ، بن علي يلدريم، ومؤسسات دولية.
ورأى مراقبون وقتها أن المؤتمر جاء للتصدى لمعاناة الصومال من هجمات حركة “الشباب”، بالإضافة إلى تضرر العديد من مناطق البلاد من خطر الجفاف والمجاعة وتواصل التحذيرات الأممية من تفاقم الوضع الإنساني في الصومال وتحوله إلى كارثة ولم يكن مطروحا النفط في أوراقه.
صاحب المصلحة !
صاحب المصلحة الأول بحسب يوسف حسين أحمد، رئيس لجنة البيئة والثروة الطبيعية في مجلس الشعب الصومالي شركات أجنبية لم يسميها بحسب تصريح لوكالة الأناضول التركية مؤكدا أن هناك أنباء حول سعي وزارة البترول والثروة المعدنية الصومالية إلى بيع رخص للاستكشاف والتنقيب عن النفط الخام لتلك الشركات وهو ما يخالف الدستور.
وفي هذا السياق باتت شركات النفط العالمية المتهمة بالاستيلاء على ثروات الصومال النفطية من عام 2007 مستهدفة شعبيا بسبب ذلك المؤتمر وفق بيان حزب وجدر السياسي المعارض ، والذي أكد أن الشعب الصومالي سيخرج في مظاهرات تقام ضدهم.
وفي المقابل وبحسب وكالة (صونا) الصومالية الرسمية فإن صاحب الاستفادة الأولى هو المجتمع الصومالي ، والذي أكدت وزارة البترول والثروة المعدنية في الحكومة الفيدرالية أنه حان الوقت لمعرفة المعلومات المتعلقة بالنفط الذي يوجد في البلاد من أجل التنقيب عنه والإستفادة منه لصالح هذا المجتمع.
الوكالة نقلت في هذا الإطار ترحيب ممثلين عن الولايات الإقليمية القائمة في البلاد خلال مؤتمر صحفي عُقد في العاصمة لندن بالاستفادة من الموارد التي تحظى بها البلاد ،لاسيما وأنها شهدت مراحل مختلفة، ونفيهم صحة الأنباء التي يتداولها البعض حول إنعقاد المؤتمر لأغراض أخرى.
https://twitter.com/hibashookari?lang=ar
وفي الموقف الوسط اتخذ بعض النشطاء موقعا ، حيث طالبوا الحكومة الصومالية بضمانات لتأكيد أن صاحب المصلحة هو الشعب الصومالي ، ومنهم الناشطة الصومالية هبة شوكري التي قالت على تويتر : ” لا لوم على من يشكك من الشعب الصومالي في نوايا الحكومة في مؤتمر النفط والغاز المنعقد في لندن،الصومال احتل المرتبة الأولى في الفساد الإداري لسبب وجيه، ولديه أزمة ثقة عميقة مع كل القيادات السياسية الفاسدة السابقه وان كانت الحكومة الصومالية الحالية أكثر شعبية من سابقاتها،نحتاج ضمانا!”.
ويمكن قراءة هذه التطمينات والضمانات والمخاوف في إطار أوسع رصدها باحثون غربيون ذهبوا أن الصومال هي “القوة العظمى النفطية الجديدة” ، وأن الجدل الحالي يمكن ربطه في إطار التجاذبات السياسية الراهنة.
وفي تقدير موقف للباحث دومينيك بالتازار تحت عنوان : “النفط في الصومال: إضافة الوقود على النار؟”. يرجح أن يؤدي الصراع النفطي إلى تفاقم الخلافات الحالية والتوترات السياسية بحيث تدخل المقاطعات الفيدرالية والأقاليم المتمتعة بحكم شبه ذاتي، والحكومة المركزية اتفاقيات استخراج متضاربة مع الشركات الخاصة مع صراع على الحقول المربحة وتوزيع العائدات.
ويراهن البعض في ظل ذلك الخلاف على دور الأتراك في الحفاظ على الصومال ، وهو الدور التاريخي القديم منذ الخلافة العثمانية والذي تجدد منذ العام 2013 عندما أصرت فرق الإغاثة التركية على البقاء في الصومال، رغم انسحاب الفرق الدولية بجانب افتتاح قاعدة عسكرية تركية في الصومال في العام 2017 تتولى تدريب الجيش الشرعي وتأهيله لمحاربة “حركة الشباب” الارهابية فضلا عن استثمار أنقرة مئات الملايين في قطاعات اقتصادية وخدمية وبناء المدارس والمشافي والمنشآت التنموية في محاولة للتصدي لمحاولات غربية وإثيوبية وكينية لتدمير الصومال بحسب الكاتب “مازن حماد”
وتشهد هذه الفترة تطور ملحوظ في العلاقات التركية الصومالية، وتخطت العلاقات بين تركيا والصومال عديد الحواجز، وصلت ذروتها، بحسب المراقبين بالتوقيع على اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
اضف تعليقا