العدسة_ ترجمة هادي أحمد
سلط المؤرخ والأكاديمي الأمريكي “جيمس ل. جيلفين” المتخصص في شؤون الشرق الاوسط المعاصر الضوء على ما وصفها بـ”البارانويا” أو “جنون الارتياب” المفاجئ الذي أصاب المملكة في العقد الماضي ودفعها إلى تغيير سياساتها الداخلية والخارجية.
وأرجع الكاتب في تحليل نشره موقع theconversation.com السبب وراء هذه الحالة التي أصابت المملكة إلى 3 أسباب رئيسية وهي انتفاضات الربيع العربي، وسياسيات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وانهيار أسعار النفط.
وإلى نص التقرير..
في الماضي، كانت المملكة تعتمد على ثروتها النفطية الهائلة، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بأمنها؛ فقد اعتادت، في السابق، شراء الأصدقاء ومكافئة الأعداء والأعداء المحتملين، واستخدمت الإجراء الأخير لضمان بقائها، وباستثناءات قليلة لم تتورّط المملكة بشكل مباشر في الشؤون الداخلية لجيرانها.
لكن هذه السياسية التي كانت تتبعها المملكة تغيرت خلال العقد الماضي، وتدخلت المملكة عسكريًا في البحرين واليمن، كما ساعدت في تمويل عملية الانقلاب العسكري التي نفذها وزير الدفاع المصري في عام 2013 للإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، كما دعمت مسلحين في كل من ليبيا وسوريا، وشكلت تحالفا دوليا لمحاربة الإرهاب، وقادت حملة مقاطعة ضد جارتها الصغيرة قطر.
” الملك عبد الله ” و ” السيسي “
” علي عبد الله صالح ” و ” الملك عبد الله “
” ملك البحرين ” و ” الملك عبد الله “
لماذا هذا التغير المفاجئ؟
واستنادًا إلى التطورات الأخيرة، فمن الواضح أن المسؤولين السعوديين يفترضون أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على ضماناتهم الأمنية التقليدية المتمثلة في النفط والولايات المتحدة الأمريكية، ويتصورون أنّ الضمان الوحيد لأمنهم أصبح بسط عضلاتهم والاعتماد على أنفسهم لمواجهة أي تهديد.
كمؤرخ لتاريخ الشرق الأوسط الحديث، لأكثر من 30 عامًا، أعتقد أنّ هناك 3 أسباب للتحول في الموقف الأمني في السعودية وهي: انتفاضات الربيع العربي في عامي 2010 و2011، وسياسيات إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وانهيار أسعار النفط.
تهديد محتمل
نظرت المملكة إلى الربيع العربي على أنه كارثة محتملة؛ فالحكام السعوديون- المدعومون من الغرب- يريدون استمرار الوضع الراهن في المنطقة، ولم تكن الانتفاضات العربية مهددة فقط لحلفاء المملكة ، كـ”مصر والبحرين ، ولكن تهدد أيضا النظام الإقليمي وأسس الشرعية في المملكة، كما هددت بتوسيع نطاق الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان في المنطقة وهو أمر يخشى منه النظام السعودي.
وعلاوة على ذلك، يخشى النظام السعودي أن تعمل انتفاضات الربيع العربي على توسيع النفوذ الإيراني في جميع أنحاء الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، ومن أجل ذلك سارعت المملكة بالتدخل عسكريًا في اليمن، حيث يعتقد أن إيران متورطة في المسألة اليمنية عن طريق دعم الحوثيين.
وفي الواقع، أدت المظالم المحلية وليس التدخل، إلى نشوب حرب أهلية في اليمن، ووجهت السعودية نفس الاتهامات التي قالتها في البحرين المتعلقة بإيران، ورغم ذلك فشلت اللجنة الملكية التي عينها ملك البحرين في العثور على أية أدلة بالتدخل الإيراني في البلاد.
كما هددت الانتفاضات بتمكين جماعة الإخوان المسلمين، والحركات الإسلامية الأخرى التي على شاكلتها في جميع أنحاء المنطقة.
وتعتقد العائلة المالكة في السعودية جماعة الإخوان أنها تمثل نموذجا توفيقيا بين الدين والسياسة، ما يعد أمرًا يدعو للتنافس مع رؤيتها الخاصة بين الدين والسياسة.
وبينما ربطت الجماعة الدين بالسياسة، سعت العائلة المالكة إلى إبعاد أحدهما عن الآخر لمنع نشوء حركة إسلامية محتملة لزعزعة الاستقرار، وتعد هذه استراتيجية المملكة للبقاء منذ عام 1932.
وبناءً على طلب من الملك عبد العزيز بن سعود، مؤسس المملكة، أكد علماء الدين السعوديون على مبدأ طاعة ولي الأمر ما دام ولي الأمر مسلمًا، ولا يزال موقفهم حتى الآن. كما غضب السعوديون من الأمريكيين الذي قالوا إنهم قدموا الدعم لانتفاضة الربيع العربي.
فى حين كانت الحكومة الأمريكية، في واقع الأمر، لديها رؤية متباينة فيما يتعلق بالانتفاضات، لأن الحكام الأوتوقراطيين الموجودين في السلطة، عززوا المصالح الأمريكية في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، وشعر السعوديون بالغضب لأنّ الولايات المتحدة لم تقدم دعمها غير المشروط للحكومات الاستبدادية التي كانت تدعمها منذ فترة طويلة.
” باراك أوباما “
سياسة أوباما
هذا يقودنا إلى السبب الثاني للبارانويا السعودية وهو سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط.
على عكس سلفه جورج بوش الذي ركّز اهتمامه على الشرق الأوسط، اعتقد أوباما أن الولايات المتحدة يجب أن تصب اهتمامها على شرق آسيا، حيث يجري تحديد المستقبل، وليس التركيز على منطقة معرضة للصراعات والركود الاقتصادي مثل الشرق الأوسط .
وهكذا كان أوباما يتطلع إلى خفض التزامات في المنطقة وحل النزاعات أو على الأقل جعلها أقل وطأة، بحيث يمكن للولايات المتحدة أن توجه انتباهها في مكان آخر في العالم .
وهذا كان أحد الأسباب التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي في إيران، ومحاولة استئناف المحادثات الاسرائيلية، والأهم من ذلك كله، سعي أوباما إلى جعل حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية يتحملون المزيد من المسؤولية للدفاع عن أنفسهم.
غير أنّ استراتيجية اوباما الكبرى، جعلت حلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة يخشون تخليها عنهم، ووجد السعوديون تعليقه بأنهم يجب أن يتعلموا “تقاسم الحياة” مع الإيرانيين بشكل خاص أمرًا مرعبًا.
” مصفاة نفط “
اعتماد المملكة على النفط
السبب الأخير لإصابة السعوديين بالذعر المفاجئ يرجع إلى انهيار أسعار النفط، من يونيو 2014 إلى ابريل 2016، انخفضت الأسعار بنسبة 70 % لأسباب متنوعة، من الوفرة الموجودة في السوق ، ووجود مصادر أخرى للوقود، ووفرة الاحتياطات.
ويعتقد معظم الاقتصاديين أنّ سعر النفط سوف ينتعش- وإن لم يكن إلى مستويات الذروة السابقة- لكن هذا لم يمنع الدول المنتجة للنفط من اتباع نصيحة صندوق النقد الدولي اتخاذ خطوات لتنويع الاقتصاد، وكانت المملكة الدولة الأكثر تقبلًا لنصائح الصندوق.
وفى ربيع 2016 ، كشف ولي ولي العهد وقتها الأمير محمد بن سلمان، عن خطة بعنوان رؤية 2030 وتدعو الخطة إلى خصخصة الأصول الحكومية، بما في ذلك التعليم و5% من شركة أرامكو، وتقليل الدعم المقدم للنفط والكهرباء والمياه، وفرض ضريبة على الدخل، وخلق وظائف في القطاع الخاص..
إن احتمالات نجاح المملكة لتحويل اقتصادها، لتكون قادرة على المنافسة عالميًا خلال 13 عامًا ليست عالية، وهذا يعني أن بين هذه الأمور، استبعاد الأداة الأكثر فاعلية التي يتعين على الحكومة السعودية الحصول عليها وهو الحصول على التأييد الشعبي ( شراءه).
فعندما هددت الانتفاضات العربية بالانتقال إلى المملكة لجأت المملكة بتوزيع منح بقيمة 130 مليار أمريكي لسكانها للحفاظ على ولائهم.
وهذا يعني أيضا، ضمان التدفق الحر للمعلومات في بلد تكون فيه الشفافية على جميع مستويات الحكم والتجارة تعد عملة.
فى عام 2017 ، احتلت المملكة المرتبة 168 من بين 180 دولة شملتها دراسة استقصائية، فيما يتعلق بحرية الصحافة.
وأخيرًا فإن ذلك يعني مواقف متغيرة فيما يتعلق بسوق العمل، في بلد لا تشكل فيه النساء سوى 22 % من القوى العاملة، ويتحمل الأجانب مسؤولية الأعمال الشاقة والصعبة.
وبالفعل تخلى محمد بن سلمان عن بعض المقترحات الطموحة الواردة في رؤية 2030 ، ومن غير المرجح أن تكون هذه الرؤية أكثر نجاحا من الحرب الفاشلة في اليمن والتي قادها ولي العهد أيضًا.
اضف تعليقا