مؤشرات عديدة لغضب يتصاعد في مصر خلال الآونة الأخيرة وسط نداءات من هنا وهناك تتكرر من حين لآخر تنادي المصريين بالثورة على النظام العسكري.

وباتت أسئلة المرحلة هي : هل يتحرك الشعب المصري حقا ؟ وما هي العراقيل التي تؤخر انفجار براكين غضبه المكتومة؟ وما أفق أي حراك في المستقبل؟! ، ولعل الإجابات تجد طريقها للواقع في الأفق المنظور في ظل احتقان غير مسبوق في المشهد المصري.

مؤشرات متتابعة 

ظهرت في مصر خلال الفترات الأخيرة بؤر غضب متتابعة قد يكون لها ما بعدها، في داخل السلطة، برز خلال الفترة الأخيرة احتقانا داخل السلطة القضائية ، وكشف قضاة ومتابعون ، في تقارير متواترة عن تصاعد حدة الاحتقان داخل صفوف القضاة وخاصة قطاع الشباب منهم، نتيجة الظروف الاقتصادية والغلاء وعدم المساواة أو نتيجة استخدامهم كأداة في تصفية الحسابات السياسية لنظام الانقلاب العسكري، بقيادة عبد الفتاح السيسي، مع مختلف فئات المعارضة.

وميدانيا ، اتجهت قطاعات بارزة إلى أشكال مختلفة من العصيان المدني ، منها منذ مطلع العام الجاري : إقامة تجار سور الأزبكية الشهير للكتب بمصر معرض كتاب مواز في مواجهة معرض القاهرة الدولي للكتاب في خطوة صنفت كعصيان مدني احتجاجا على غلاء أسعار أجنحة العرض بالمعرض الحكومي.

كما ينظم أصحاب المحال والورش في محافظة دمياط قلعة صناعة الأثاث والحلويات ومراكب الصيد في مصر إضرابا متواصلا منذ نهايات شهر فبراير الماضي وفق موقع حزب الحرية والعدالة الرسمي ، ضد ضرائب مجحفة قادتها مصلحة الضرائب بالقاهرة، تضامن معه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بوسم ” #دمياط_خربت”.

وبحسب تقرير بثته قناة “مكملين” المعارضة فإن الحملة لم تقتصر على مدينة دمياط، بل امتدت إلى مراكز الزرقا وفارسكور في المحافظة ، وانتقلت إلى المنصورة في محافظة الدقهلية وسط أنباء عن حملات أخرى على مدن ومراكز محافظتي كفر الشيخ والغربية، لا سيما المحلة قلعة صناعة النسيج؛ الأمر الذي أثار قلقًا وجدلاً واسعًا بين التجار فيهما وطرح احتمالية إعلان إضراب شامل وعصيان مدني؛ احتجاجًا على سياسة فرض الجباية على ما تبقى من مصادر دخل المواطنين.

وحققت حملة ”  #اطمن_انت_مش_لوحدك ” التي أطلقها الإعلامي المصري معتز مطر  تفاعلا ميدانيا لافتا بين المصريين فيما فشلت اللجان الإلكترونية لنظام السيسي فى إيقافها ولجأت للتشويه ، وفيها ظهرت حملة للطرق بالأواني والصفير ليلا احتجاجا على سياسات السلطة في مصر ومطالبة برحيل السيسي.

 

وكسر وسم ” #راجعين_التحرير” حاجز الخوف، وقاد الشاب أحمد يحيي عبد العاطي مبادرة كسر حظ التظاهر، ووقف منفردا في ميدان التحرير يعلن رفضه للاستبداد، ويرفع لافتة “ارحل” للسيسي، لتشهد مصر الجمعة مظاهرات غاضبة بقيادة شباب في القليوبية ودمنهور والفيوم والإسكندرية ضد السيسي فيما أحاطت قوات الأمن بأول مظاهرة أمام مسجد الفتح الشهير بميدان رمسيس في قلب العاصمة القاهرة في أقوى كسر لحظر التظاهر منذ 3 سنوات .

 

وإلكترونيا تصدر هاشتاج #ارحل_يا سيسي، للمرة الخامسة موقع التواصل الاجتماعي “تويتر“، بعد أيام من حادث تصادم قطار محطة مصر الذي سقط فيه عشرات القتلى والجرحى وتنفيذ العديد من الإعدامات المعيبة والمسيسة .

عراقيل محتملة 

ورغم البعد الظاهر في تصاعد الاحتقان والغضب ، إلا أن هناك بعض العراقيل المستمرة في مواجهة أي انتفاضة قد تتشكل في الأفق البعيد أو القريب بحسب المراقبين.

وتقف القبضة الحديدية للنظام كأحد أبرز العراقيل الرائجة في مواجهة أي حراك رافض للنظام أو معارض له ، خاصة في بعد تقنين رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لمنع التظاهر بتعديلات جديدة  في 2017 قضت على هامش كان متاحا منذ 2013 عند صدور القانون وسط دعوات شيطنت أي حراك غاضب وربطته بالإرهاب خاصة بعد مذبحتي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013.

ووثقت تلك الحالة منظمة العفو الدولية (أمنستي) حيث قالت في بيان حديث :”  إن انتقاد الحكومة في مصر في الوقت الراهن يمثل خطرا كبيرا على الناشطين أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البلاد الحديث حيث وصلت حملة قمع حرية التعبير في مصر إلى أسوأ مستوياتها على الإطلاق خلال فترة الرئيس عبد الفتاح السيسي” فيما وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” مؤشرات عديدة تدين السلطات الحالية في “تكثيف القمع تحت غطاء مكافحة الإرهاب” بحيث بات النشطاء والصحفيون والمدونون دائما أمام محاكم الطوارئ!.

ويصنف البعض تأخير الاصطفاف الثوري والوطني رغم وجود مبرراته كأحد العراقيل المؤثرة في تحجيم المشهد الغاضب في مصر ، وهو ما دفع كثيرون منذ مطلع العام الجاري إلى دق ناقوس الخطر ومنهم وزير الشؤون القانونية والبرلمانية الأسبق “محمد محسوب” الذي اعترف بوجود عوامل تبطئ من إتمام التوافق الذي يسمح بانطلاق حراك سلمي للتغير لكنه توقع “أن يحمل عام 2019، تباشير جولة ثانية من ثورة يناير 2011، لافتا إلى أن “عوامل الغضب أكبر من مثيلاتها في 2011، وعناصر التوافق أكثر من 2010 كوحدة التراب الوطني، ورفض التنازل عن الحقوق السيادية والسياسات الاقتصادية التي تنتقل من فشل لفشل، وعمليات القمع الواسعة، ومحاولة هدم ما بقي من آثار الثورة تحت مسمى التعديلات الدستورية.

المخاوف من غموض المستقبل ، تحاصر الكثيريين كذلك ، و لذلك يأتي مطلب بلورة مشروع سياسي للثورة القادمة في المقدمة ، وفي هذا الإطار تحدث الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية المصري السابق في ندوة نقاشية حول “الربيع العربي” مؤخرا ، مؤكدا أهمية وجود مشروع سياسي توافقي جامع ضرورة مهمة لاستكمال أهداف الثورة وإقرار العدالة الانتقالية وشكل الدولة المصرية في المستقبل بما يساهم في معالجة الانقسامات والوصول إلى حالة من التوافق السياسي بين القوى المصرية، ومعالجة الانقسام والمصالحة المجتمعية.

الثورة قادمة

ورغم تلك العراقيل ، لكن يعزز المؤشرات اللافتة في الفترة الأخيرة توقعات وتحليلات رصينة تذهب إلى أن الثورة قدر محتوم ينتظره النظام الانقلابي في مصر وأن موجة ثانية من الربيع العربي قادمة لا محالة لتصحح ما جرى خلال السنوات العجاف الماضية وفق وصف البعض.

وبحسب دراسة حديثة بعنوان “ملوك لجميع الفصول: كيف اجتازت الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط عاصفة الربيع العربي”، فإن مصر من أبرز الجمهوريات المرشحة للانفجار، وتبرر ذلك بأنها تشهد احتقانا اجتماعيا غير مسبوق يهدد بالانفجار في أي لحظة، رغم المساعدات والأموال الضخمة التي منحها حكام الخليج للعسكر في مصر للتدخل ضد نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2012 .

كما توقعت دراسة حديثة لمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط أن تكون مصر في مقدمة ثورات جديدة تدفع لها الثورات المضادة في المنطقة العربية و أرجعت ذلك إلى عدة أسباب وهي: الأجواء القمعية المفرطة التي تمارسها نظم الثورات المضادة، وفشل هذه الأنظمة في تحقيق أي من المطالب والأهداف التي نادت بها الشعوب، والاعتماد على الكيان الصهيوني لحماية الأنظمة.

وهو الرأي الذي يعززه الكاتب السعودي تركي فيصل الرشيد، متوقعا أن الثورات العربية الثانية ستنطلق من مصر، مضيفا في تغريدة عبر حسابه بموقع التدوين المصغر “تويتر” أنه “لا يتوقع أن يطرأ على الاقتصاد المصري تغير جذري خلال الفترة القادمة، والغليان الشعبي في تزايد، ما يرشحها لتكون بداية المرحلة الثانية من الثورات العربية”.

ويعزز ذلك ما كشفه موقع معهد واشنطن للدراسات في الشرق الأدنى المقرب من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض عن نتائج استطلاع موثق حول مصر ، أكد فيه أنه لا يزال ثلث المصريين يميلون إلى جماعة الإخوان المسلمين بالتزامن مع رفض أغلبية المصريين للسياسيات الاقتصادية والاجتماعية الحالية وتصاعد الاستياء ضد عبد الفتاح السيسي رأس النظام الحالي ومدبر الانقلاب العسكري في العام 2013 .