العدسة – منصور عطية
مفاجأة من العيار الثقيل فجرها كتاب “النار والغضب: فى بيت ترامب الأبيض” للكاتب الأمريكي “مايكل وولف” والمنتظر صدوره الثلاثاء المقبل.
الكاتب اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتدبير انقلاب ناعم على ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، من أجل تسهيل جلوس الأمير محمد بن سلمان على عرش المملكة.
النفي الأمريكي والسعودي على حد سواء، لم يقللا من منطقية الطرح الذي يتساءل بشأن مدى الاستفادة التي جنتها واشنطن من وصول “ابن سلمان” لولاية العهد، وسيطرته الفعلية على مقاليد الأمور بالبلاد.
ماذا قال الكتاب؟
وسرّب جوناثان ليمير، مراسل وكالة “أسيوشيتد برس” الأمريكية في البيت الأبيض، اقتباسًا زعم أنه من مقتطفات الكتاب، وغرّد بقوله: “إن الكتاب أورد أن الرئيس الأمريكي أخبر أصدقاءه أنه هندَس انقلابًا في السعودية مع صهره جاريد كوشنر، وذلك بعد تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد في المملكة العربية السعودية، وأضاف في تغريدته أن ترامب “قال: لقد وضعنا رجلنا في القمة”.
وتحدث الكاتب الأمريكي “مايكل وولف” في كتابه عن تفاصيل من داخل البيت الأبيض، بعد إجراء أكثر من 200 مقابلة مع مسؤولين أمريكيين أبرزهم المستشار السابق لترامب “ستيف بانون”.
وكان بانون شغل سابقًا منصب كبير مستشاري ترامب للشؤون الاستراتيجية، مما أتاح له التواصل مباشرة مع الرئيس الأمريكي، وأمكن رصد تأثيره في بعض القرارات الرئيسية التي اتخذها ترامب.
كما أدخله ترامب في مجلس الأمن القومي منذ 28 يناير 2017، ولاحقا عزله عن المجلس في أبريل، وأبقى عليه مساعدا للرئيس.
وهدد محامو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، باتخاذ إجراء قانوني ضد بانون، متهمين إياه بتشويه الرئيس، وقال المحامون في رسالتهم إن بانون انتهك واجب التحفظ المنصوص عليه في عقد العمل، عندما تحدث عن ترامب وعائلته، و”سرب معلومات سرية” وأدلى بتصريحات للكاتب وولف فيها “استهزاء وتشهير” بالرئيس وأفراد عائلته.
وتضمن الكتاب تصريحات مدوية من بينها أن فريق حملة ترامب كانوا مصدومين ومذعورين بعد فوزه في الانتخابات، زوجته ميلانيا كانت تبكي ليلة التصويت، ترامب كان غاضبا من أن كبار النجوم قاطعوا حفل تنصيبه، الرئيس الجديد “وجد البيت الأبيض مزعجا ومخيفا بعض الشيء”، ابنته إيفانكا كانت تخطط مع زوجها جيرد كوشنر “لتصبح أول رئيسة للولايات المتحدة”، وكانت إيفانكا تسخر من تسريحة شعر والدها.
وتضمن الكتاب أيضا مزاعم أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، قال لترامب في اجتماع بينهما في فبراير الماضي إن المخابرات البريطانية ربما تجسست عليه وعلى حملته الانتخابية، حسب تقرير نشرته صحيفة التايمز.
من جانبه نفى ترامب صحة ما نُسب له من تصريحات وغرّد عبر حسابه في تويتر: “لا أملك أي صلاحية للوصول إلى البيت الأبيض (في حقيقة الأمر أجبرته على التراجع أكثر من مرة)، تلك الرسالة مواجهة لصاحب الكتاب الدعائي، فأنا لم أتحدث معه لكي يكتب كتابا يعج بالأكاذيب، والمصادر والأشخاص غير المخول لهم، الذين هم ليسوا موجودين أصلا”.
اتهامات قديمة والمملكة تنفي
تلك الاتهامات بالانقلاب الناعم على ابن نايف لم تكن وليدة اللحظة، بل سبقها اتهامات كثيرة تحدثت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، وأطلقت عليه “ما دار في ليلة 20 يونيو التي أطاح فيها الأمير محمد بن سلمان بابن عمه الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد في السعودية”.
وأكدت في بيان رسمي، يوليو الماضي، أن انتقال ولاية العهد للأمير، محمد بن سلمان، كانت بموافقة الجميع، وعلى رأسهم الأمير، محمد بن نايف.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، تقريرها المطول عن مصادر استخباراتية أمريكية، ومصادر أخرى وصفتها بأنهم مساعدون مقربون من العائلة المالكة في السعودية، وتحدثت الصحيفة مرة أخرى، عن وضع، بن نايف، تحت الإقامة الجبرية في قصره على البحر الأحمر في مدينة جدة.
وقالت الصحيفة: “انتقال السلطة كان أكثر صرامة مما جرى تصويره في العلن، فبعد قبول بن نايف تنحيه عن السلطة، توجه إلى قصره في مدينة جدة، ومنع من مغادرته”.
وتابعت: “كما تم فرض الإقامة الجبرية على الفريق أول، عبد العزيز الهويريني، الصديق المقرب لولي العهد السابق، والذي كان يوصف بأنه شخصية نافذة العلاقات، خاصة فيما يخص العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة”.
وفي سياق حملته الأخيرة لمكافحة الفساد، نفذ “ابن سلمان” خطوة صارمة أخرى بحق ابن عمه، حيث جمّد حسابات بنكية لابن نايف والعديد من أفراد أسرته.
ماذا استفاد ترامب؟
وعلى الرغم من النفي الأمريكي والسعودي لهذا الانقلاب المزعوم، إلا أن الشواهد المتزامنة واللاحقة للانقلاب تجعل من المنطقي التسليم بصحة رواية الكاتب الأمريكي، نظرًا لما جنته الولايات المتحدة من مكاسب بوصول ابن سلمان لعرش المملكة.
فقبل نحو شهر من تنفيذ مخطط الانقلاب، كانت زيارة ترامب للرياض التي تضمنت التوقيع على صفقات تجارية وعسكرية هي الأكبر في التاريخ بقيمة تخطت الـ400 مليار دولار، من بينها 110 مليارات للتسليح.
وفي أوائل يونيو اندلعت الأزمة الخليجية بفرض الحصار الرباعي على قطر بقيادة السعودية، التي وصل ابن سلمان لولاية العهد فيها بعد بدء الحصار بنحو أسبوعين فقط.
الرغبة الأمريكية في وقوع الأزمة عبر عنها ترامب صراحة، بالإشارة إلى تأييده لما تم من إجراءات، وما أبدته أنظمة دول الحصار له خلال القمة الأمريكية الخليجية في الرياض مايو الماضي.
وفي سبتمبر، شن “ابن سلمان” حملة اعتقالات واسعة طالت مشايخ ودعاة وأكاديميين وإعلاميين يوصفون بالإصلاحيين، كانوا على ما يبدو عقبة كبرى في طريق ولي العهد للاصطدام بالعديد من التقاليد والقيم الراسخة على مدار عقود لدى المجتمع السعودي المحافظ.
هذا التصادم عبرت عنه قرارات وتوجهات وُصفت بالتغريبية أبرزها: السماح للمرأة بقيادة السيارة، وحضورها في الملاعب الرياضية، والاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، والتصريح بفتح قاعات سينما.
ثم كانت المواقف الملموسة المعبرة عن التوجهات الأمريكية في المنطقة والخادمة لسياسات واشنطن، في قضيتين أساسيتين: التطبيع مع إسرائيل، وقرار اعتبار القدس عاصمة للاحتلال.
الولايات المتحدة في هاتين القضيتين ضمنت موقفًا مسايرًا لسياساتها من الدولة الإسلامية الكبرى مهبط الوحي أرض الحرمين المتمتعة بمكانة روحية وتاريخية كبيرة في نفوس العرب والمسلمين.
الموقف السعودي لم يكن متجاهلًا لقضية القدس بمشاركة متواضعة في قمة اسطنبول فحسب، بل متواطئًا فيها مع أمريكا والاحتلال الإسرائيلي، ولعل هذا ما كشفته القناة العاشرة بالتليفزيون الإسرائيلي، التي قالت إن قرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، “لا يمكن أن يتم دون التنسيق عربيًا”.
وكشف مراسل القناة العبرية أن كلاً من السعودية ومصر “أعطيتا ترامب الضوء الأخضر لتنفيذ قراره ونقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، تمهيدًا للقرار الكبير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”، وفق تقارير إعلامية.
وعلى مدار الأشهر الماضية، بدا من خلال العديد من الشواهد والوقائع التي رصدها وحللها (العدسة) أن السعودية تهرول حثيثة وبخطوات متسارعة نحو التطبيع الكامل مع الاحتلال الإسرائيلي، بخطوات سرية وأخرى علنية تتبرأ منها دائمًا.
وبعيدًا عن الشواهد غير الرسمية وتلك التي يكون أبطالها أشخاصًا ليسوا في منظومة الحكم أو يتمتعون بحيثية كبيرة، أكد مسؤول إسرائيلي، رفض الكشف عن اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية أن المسؤول السعودي الذي زار إسرائيل سرًا في شهر سبتمبر الماضي هو ولي العهد محمد بن سلمان.
اضف تعليقا