العدسة – ياسين وجدي:
يشبه تشكيل الحكومة اللبنانية الذي استمر 9 أشهر للإعلان عنه تسعة أشهر بـ “الولادة القيصرية” التي تمخض عنها مولود مضطرب في صفاته.
ملامح هذه الولادة لها دلالة كاشفة وتحديات صعبة تواجهها حكومة سعد الحريري في المرحلة المقبلة، نتوقف أمامها بالرصد وكشف ما في الكواليس في سياق هذا التقرير، الذي يظهر أن السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان مازالت تتلقى مزيدا من الضربات والهزائم بحق أبرز حلفائها في المنطقة سعد الحريري .
ملامح الحكومة
ملامح كثيرة ذات دلالة جاءت في إعلان الرئاسة اللبنانية تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري بعد تعثر دام 8 أشهر بسبب المناكفات السياسية.
التشكيلة الحكومية الجديدة شهدت بوضوح زيادة في تمثيل حزب الله وحلفائه الذين يمتلكون ما يزيد عن “الثلث المعطل”، وهو الملمح الأبرز الذي يعتبر انتصار لحزب الله بعد مراوغات عديدة للحريري ، وهو ما يصنف بالتالي انه خسارة للسعودية التي يحسب عليها رئيس الوزراء وفق مراقبين.
التشكيلة ضمت ثلاثين وزيرا ، منهم 11 وزيرا يمثلون الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه، وفي مقدمة الحقائب التي حصلا عليها الخارجية والدفاع والعدل، ويعني امتلاك ذلك العدد أن الرئيس وحزبه بمفردهما لديهما “الثلث المعطل” الذي يعطيهما القدرة على تعطيل أي من القرارات الحكومية المهمة، كما حسم عون الخلاف بإدراج حسن مراد ممثل النواب السنة المتحالفين مع حزب الله في الحكومة ضمن حصته .
نال حزب الله – وهو حليف للتيار الوطني الحر- ثلاث حقائب وزارية، بينها حقيبة الصحة التي يحصل عليها لأول مرة والتي لها رابع أكبر ميزانية ، بينما نالت حركة أمل -المتحالفة مع حزب الله- ثلاث حقائب أهمها حقيبة المالية التي أسندت مجددا لعلي حسن خليل، أما تيار المستقبل، فقد نال بالإضافة لرئاسة الحكومة خمس حقائب وزارية أهمها وزارة الداخلية التي تولتها ريا الحسن، ووزارة الاتصالات التي آلت لمحمد شقير، فيما كان من نصيب حزب القوات اللبنانية أربع وزارات بينها وزارة العمل، ومنحت وزارتان إحداهما وزارة الصناعة للقاء الديمقراطي بزعامة وليد جنبلاط.
رد فعل إيران كشف عن خسارة السعودية وولي العهد محمد بن سلمان للتشكيلة حيث اعتبر بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إعلان تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة “مؤشر لإرادة شعب وقادته لرسم مستقبلهم في إطار الاستقلال مترافقا مع الوحدة والتوافق والتناغم، بعیدا عن أي إملاءات أو ضغوط خارجیة” في إشارة إلى غريمة إيران اللدود السعودية.
لكن جريدة الأخبار اللبنانية ترى في هذا الإطار أنه “لا خاسرين في تشكيل الحكومة، إلّا أولئك الذين رفعوا سقوفهم في التفاوض، وهم ذاتهم الذين سارعوا إلى تجيير إنجاز التشكيل إلى أدوارهم ، وسمت في مقدمتهم : سعد الحريري، الذي رفض تمثيل اللقاء التشاوري أوّلاً، عاد وقبل بِه، متراجعاً عن محاولاته في تجاهل نتائج الانتخابات النيابية، طمعاً بالعودة إلى رئاسة الحكومة .
حزب القوات اللبنانية كذلك وفق الجريدة كان من أبرز الخاسرين حيث حاول فرض الأمر الواقع لأشهر، ثم تنازل عن حقيبة العدل وارتضى بأربعة وزراء، وعاد واستبدل بحقيبة الثقافة حقيبةَ دولة (شؤون التنمية الإدارية)، أما النائب السابق وليد جنبلاط، الذي تنازل عن احتكار المقاعد الدرزية، فحاول أيضاً تظهير دوره كصاحب فضلٍ على اللبنانيين بهذا التنازل، أما التيار الوطني الحرّ، الذي حاول قضم حصص المسيحيين الآخرين، ولا سيّما تيار المردة، واستمرّ على رفضه تمثيل اللقاء التشاوري، حاول التسويق بأن له الفضل في عمليّة التشكيل، وأن النتيجة الحكومية هي ما فكّر فيه الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل”.
ومن أبرز الملامح كذلك في هذه التشكيلة وجود 4 نساء في الحكومة الحريرية ضمن ثلاثين وزيراً ، في هي سابقة الأولى من نوعها ، وفي رسالة ذات مغزى للغرب الذي يكافح الحريري أن يستقطبه إليه اقتصاديا بحسب المتابعين ، وهو ما أبرزته قناة الحرة الأمريكية خاصة لكل من ريا حفار الحسن وزيرة الداخلية والبلديات وندى بستاني وزيرة الطاقة والمياه، فيما احتفت ” بي بي سي “ بالقرار موضحة أنه للمرة الأولى في العالم العربي تكلف امرأة بحقيبة وزارة الداخلية .
التشكيلة كذلك اعتبرها البعض إدانة لنفسها ، ووصفها الأمين العام للجماعة الإسلامية(الإخوان المسلمون) عزام الأيوبي بأنها ولدت بعد معاناة وتأخير دون أية مفاجآت أو تغييرات تفسر لنا تأخير الولادة لتسعة أشهر وفق تعبيره.
ما بعد التشكيل !
مرحلة ما بعد التشكيل ، قد تكون أصعب مما مضى رغم أنه أخذ وقتا 9 شهورا وفق خبراء ومتابعين.
في البداية سيتعين استكمال المراسم ، وتضيع مزيدا من الوقت ، فعلى الحكومة تقديم بيانها الوزاري إلى البرلمان لنيل ثقته في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، وفق الدستور اللبناني ، وهو أمر عمليا من السهل تمريره بسبب تمريره التشكيلة سياسيا وبالتالي ستصوت الكتل لقرارها السياسي ولكنه سيأخذ وقتا ضائعا إضافيا !!.
ويعتبر أول تحدي للحكومة وفق إجماع المراقبين والسياسيين ، الأزمة الاقتصادية، ويرى البعض أنه من شأن تشكيل الحكومة أن يفتح الطريق أمام لبنان للحصول على منح وقروض تعهد بها المجتمع الدولي دعما لاقتصاده المتهالك في مؤتمرات دولية، وهو ما أكده الحريري في كلمته بعد التشكيل في ظل ربط معظم الجهات الدولية والمانحة مساعداتها بتحقيق لبنان سلسلة إصلاحات بنيوية واقتصادية.
لكن هناك متربص هو صندوق النقد الدولي الذي حذر في يونيو الماضي ، من أن هناك حاجة ملحة لوضع القطاع المالي في لبنان على أسس مستدامة، وفي هذا الإطار من المنتظر أن تسعى حكومة الحريري إلى تأمين قروض ومعونات دولية يبلغ حجمها 11 مليار دولار، وهي أمور شاقة حسب توقعات الخبراء.
التدخلات الإقليمية والدولية ستكون كذلك تحدي واضح أمام حكومة الحريري ، وكما كانت التشكيلة وليدة قرار إقليمي ودولي، وتقاطعات خليجية – إيرانية – سورية سمحت وفق مراقبين لبنانين بتسويات من هذا النوع الذي ظهر في التشكيلة فمن المرجح استمرار التدخل و التجاذبات والمناكفات في الفترة المقبلة بحسب الأجندة الخارجية لكل فريق .
الحريري يحتاج وفق هذا الاتجاه إلى العودة إلى الساحات السياسية المحلية والإقليمية والدولية والمالية والاقتصادية، تحت شعارات إنعاش الاقتصاد، وتهدئة الساحة الداخلية وتحييد لبنان عن أي توتر إقليمي بجانب معالجة التطورات السورية والإيرانية، والتهديدات الصهيونية المتتالية، وحزب الله كذلك يعول في الفترة المقبلة على الاستفادة من الحريري بواجهته الغربية والخليجية، والتي يراها البعض أنها ستكون صمام أمان، ومساعداً، مع احتمالات مفتوحة، تتعلق بالعقوبات الأميركية المتصاعدة، سواء في ما يتعلق بسوريا أو إيران، وجنوح الكيان الصهيوني نحو أي عملية ضد لبنان أو لبنان وسوريا معاً.
بوادر التدخل ظهرت بسرعة البرق ، حيث نقلت قناة الحرة الأمريكية عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية رفض الكشف عن اسمه عن قلق الولايات المتحدة لتولي حزب الله، الذي تعتبره واشنطن منظمة إرهابية، حقائب وزارية في الحكومة اللبنانية الجديدة وخصوصاً حقيبة وزارة الصحة، كاشفا عن أن الولايات المتحدة ستعمل على التأكد من أن خدمات الوزارات لا تذهب إلى دعم حزب الله بعد أن تجاوز حزب الله الدور الهامشي الذي كان يتولاه في الحكومات السابقة، إذ أن للوزارة رابع أكبر ميزانية في جهاز الدولة.
فرنسا من جانبها كذلك علقت تنفيذ برنامج الاستثمارات المتعلّق بمؤتمر “سيدر” الذي انعقد في باريس في 2018 على ” خدمة الشعب اللبناني و تشكيل الحكومة، في سياق روحيّة الشراكة والصداقة التي تجمع ما بين البلدين”.
التحدي الأبرز أيضا في المرحلة المقبلة ، هو امتلاك الثلث المعطل ، وقد حذرت منه الجماعة الإسلامية في لبنان ( الإخوان المسلمون) قبيل تشكيل الحكومة حيث رأت أن أحد أبرز العقد التي تعيق تشكيل الحكومة تتمثل بتمسك فريق التيار الوطني الحر بالحصول مع فريق رئيس الجمهورية على أكثر من الثلث في الحكومة، وهو ما يتيح له تشغيلها أو تعطيلها ، وهو الأمر المرفوض علناً أو سراً من معظم الأطراف، مؤكدة أن عدم معالجة هذه القضية يعني أن الدوران في الحلقة المفرغة سيستمر، ولكنه حدث وهو ما يجعل المخاوف مستمرة بعد التشكيل.!
اضف تعليقا