العدسة – ياسين وجدي :

قد يكون وداع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لقصر الرئاسة أمرا محتملا في الفترة المقبلة ، وقد يحدث العكس ويطيح العجوز الجزائري بما اسمه “الخلايا الكامنة” في خطابه الذي وصفه بـ”الحربي” في 28 نوفمبر الماضي.

في الكواليس حرب ومتبارزون ، وفي العلن قلق بالغ ومحبطون ومتحفزون ، بحسب رصد ” العدسة”، وما بين هؤلاء وهؤلاء ، تقف الجزائر بحسب المؤشرات والتحليلات تحبس أنفاسها في انتظار الحسم بينما توابع الزلزال السياسي ماتزال مستمرة في البلاد بكل عنف !.

مشهد مقلق !

القصف “البوتفليقي” في خطاب 28 نوفمبر الذي أجراه بالنيابة عنه الأمين العام برئاسة الجمهورية، حبة العقبي، حمل تهديدات صريحة بعد قرارات حادة قلبت المشهد العام رأسا على عقب.

العجوز الجزائري “عبد العزيز بوتفليقة”  كان صريحا إلى أبعد حد ، حيث طالب الولاة بالتحلي باليقظة مع اقتراب الاستحقاقات الرئاسية ، وحذر من أسماهم ” بالمغامرين السياسيين” الذين يريدون الزج بالبلاد نحو المجهول، ووصفهم بأنهم أصحاب سياسة النكران والجحود، وأكد أنه لا يمكن لهؤلاء أن يكونوا سواعد لبناء البلاد !، وألمح إلى أن التغيير ليس مرتبط بتغير الوجوه بل بالتغلب على التحديات في إشارة إلى ما يحاصره من هجوم واسع ضد ترشحه للعهدة الخامسة، لكن ما أشعل القلق أكثر خطاب 29 نوفمبر لرئيس الوزراء أحمد أويحيى عندما طالب ولاة الجمهورية، بالتعامل الصارم مع أية محاولة لخلق الفوضى.

جاء ذلك بعد فترة قليلة من إقالة “بوتفليقة ” جمال ولد عباس، أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، والتي أرجعت إلى أسباب صحية، بعد أن أقال بنفس الطريقة في العام 2016 سلفه عمار سعداني، في سياق صراع بين دوائر مقربة من الرئاسة، فضلا عن إقالة رئيس البرلمان، سعيد بوحجة، المنتمي للحزب الحاكم، والذي سبق عزل اثنين من كبار قادة الجيش هما اللواء سعيد باي واللواء لحبيب شنتوف بجانب ما جرى في يونيو الماضي من عزل الجنرال مناد نوبا الذي كان مسؤولا عن قوات الدرك وهي وحدة أمنية منفصلة تابعة للجيش، ويضاف إلى ذلك قرار “بوتفليقة”بحل جميع مؤسسات وهياكل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم.

هذه الإقالات بعد تلك التصريحات ، جعلت المشهد الجزائري مقلقا وعلى وشك الانفجار وفق تقديرات الساسة والمراقبين ، وهو ما ظهر بوضوح في تصريحات المعارضة ، حيث وصف رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) محسن بلعاس، الخطاب بأنه عنيف جدا ويكشف عن “شكوك تنتاب مسؤولي النظام في هذه المرحلة التي تسبق الرئاسيات”، فيما ذهب رئيس حزب مجتمع السلم المحسوب على الإخوان المسلمين عبد الرزاق مقري إلى الدعوة إلى تأجيل الانتخابات برمتها خوفا من توابع العيش في الغموض المطلق والمجهول بحسب أوصافه مؤكدا أنه لا يبدو أنه ستجرى انتخابات أو ولاية خامسة”.

 حرب الكواليس !

في كواليس الجزائر عدد من المشاهد اللافتة والمربكة التي تجعل البلاد على صفيح ساخن ، في المرحلة التي يمكن وصفها بمرحلة ما بعد خطاب 28 نوفمبر، وهى لها ما لها بحسب المراقبين.

هذه الكواليس ألمح لها بوتفليقة بقوله في خطابه المطول : “من الطبيعي اليوم أن تستهدف الدوائر المتربصة والخلايا الكامنة استقرار البلاد، قصد النيل من عزيمة أبنائها” لكنه لم يوضح طبيعة هذه الدوائر المتربصة، أو من يقف خلفها، لكن صحيفة “موند أفريك” الفرنسية كشفت بعضا منها مؤكدة وجود صراع في هرم السلطة، وتحديداً بين سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري، وبين رئيس أركان الجيش الجزائري، قايد أحمد صالح فيما وصفت الحالة التي تمر بها الجزائر بمرحلة الحرب.

الصحيفة الفرنسية تحدثت بوضوح كذلك عن أن ورثة دائرة الاستعلام والأمن، بقيادة الجنرال عثمان تارتاج، القريب من عشيرة بوتفليقة، والمخابرات العسكرية المرتبطة بزعيم هيئة الأركان القوي جيد صلاح، يشنون حربًا خلف الكواليس، في مواجهة محاولة الجنرال أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الانفراد بالمشهد السياسي والأمني بالبلاد، بحيث بات الرئيس الفعلي ، وهو ما جعل رفضه للتدخل العسكري في المشهد السياسي بحسب مراقبين يعد كانقلاب على نفسه ، كونه المتحكم الفعلي ، وبالتالي رفضه.

ولكن في الصورة الإعلامية كان هناك ظهور لافت لشقيق آخر للرئيس وهو ناصر بوتفليقة والذي أثار تساؤلات حول إمكانية خلافته  خاصة وأن شقيق الرئيس الثاني غير متعود على الظهور كثيرا، ولكنه قوبل باحتفاء غير مسبوق ، غطى على غياب أو تغييب رئيس الوزراء أحمد أويحيى عن انطلاق اجتماع الولاة، مع حضور بارز لوزير العدل الطيب لوح، الذي حظي باستقبال خاص لدى وصوله إلى قاعة قصر الأمم من طرف ولاة الجمهورية الذين تهافتوا عليه لإلقاء التحية، ما دفع البعض للحديث عن دور له في المشهد الذي يعد في الكواليس وعزز من ذلك الحديث انزعاج محيط الرئيس الجزائري بحسب تقارير عربية من حدوث تقارب بين عدد من أبرز رجال الأعمال الفاعلين في البلاد مع رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، الذي يطمح لخلافة بوتفليقة، فيما يسعى مقربون من الرئيس، وأبرزهم وزير العدل الطيب لوح، إلى قطع الطريق على أويحيى، خاصة أنه كشف ذلك في العلن بعد أن  دخل في حرب تصريحات معه مؤخرا برغم وجودهما في حكومة واحدة.

وفي هذا الإطار  ، كشف عمار غول رئيس حزب تجمع أمل الجزائر ، عن أن بعض المسؤولين السابقين في الدولة يعملون على زرع الإشاعات والمغالطات للتأثير على الرئاسيات ، موضحا في تصريحات صحفية أن هؤلاء المسؤولين السابقين منهم المدنيين والعسكريين ، لكنه لم يسمي أحدا واكتفى بالقول مضيفا أن “البعض يريدون المتاجرة بالرئاسيات”.

انقلاب محتمل !

إنه الخوف من “انقلاب”، إذن،  دفع “بوتفليقة” إلى الخروج لقذائفه إلى العلن في خطابه المنقول عنه، وذلك على خلفية تجدد الدعوات من سياسيين للجيش بالتدخل لإنقاذ البلاد، محذرا ضمنيا منه بتحذيره من “المساس باستقرار مؤسسات الدولة والمساس بالدستور وبركن من أركان هذا البيت الحصين الذي يجمعنا ويؤمننا من كيد الكائدين”، وكان صريحا بشدة عندما حذر من “إمساك العصا من الوسط ” مؤكدا أهمية الانحياز الكامل لمؤسسة الرئاسة.

مخاوف “بوتفليقة” مبررة فيما يبدو من تصاعد مطالب قوى معارضة عدة، بينها كتلة مواطنة التي تضم أحزاباً وكوادر سياسية كرئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، وحركة مجتمع السلم أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، وشخصيات وطنية كوزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الابراهيمي، تصاعد مطالبها من الجيش بالمساهمة في ضمان انتقال ديمقراطي في الجزائر، على ضوء الأوضاع السياسية الغامضة الناتجة عن تردي الوضع الصحي للرئيس وغموض الأفق السياسي للبلاد.

وما سكب البنزين على النار ، التصريحات التي أطلقها معاذ بوشارب، رئيس المجلس الشعبي الوطني في الجزائر، والمشرف على هيئة تسيير أعمال الحزب الحاكم في البلاد، من أنه يجب التريث في الحديث عن ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، فاتحا الباب لسيناريوهات لا تتوقف في البلاد ، بعضها أكدتها الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، بأن طرح ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة خامسة أمر مشكوك فيه.