العدسة – معتز أشرف:

في اجتماع جمع نائب رئیس الجمهوریة الإيرانية رئیس منظمة الطاقة الذریة، علي أکبر صالحي، مع أمین عام الأمم المتحدة، أنطونیو غوتیریش، أطلق “صالحي” تصريحات نارية في مواجهة الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي وقال: “مقترحات أوروبا لصیانة الاتفاق النووي غير کافیة”. فماذا تريد إيران؟!

نرصد التصور الإيراني وتطورات الملف الحرج في ضوء التصريحات الجديدة.

 غير كافية!

لقاءات وجولات متسارعة  في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية، برز فيها تصريحات رئیس منظمة الطاقة الذریة، علي أکبر صالحي، الذي وصف السیاسات الأمریکیة الأخیرة حول الاتفاق النووي بأنها تخریبیة وأبدی شکوکه بشأن إمکانیة صون الاتفاق نظرًا للظروف الراهنة، قائلًا: إن المقترحات الأوروبیة المقدمة إلی إيران غير کافیة لتوقعات الجمهوریة الإسلامية الإيرانية.

ووصف نائب رئیس الجمهوریة الظروف الإقلیمیة الراهنة بالخطیرة، وأشار إلی أهمیة دور إيران في المنطقة، مؤکدًا في لقائه مع أمین عام الأمم المتحدة، أنطونیو غوتیریش، أنه إذا استمر المسار هکذا سیخسر الجمیع، فيما رد َّ أمین عام الأمم المتحدة، بدعمه الواضح للاتفاق النووي واستمرار مشاوراته الثنائیة مع الدول الملتزمة بالاتفاق النووي، لصونه قائلًا: إن الاتفاق وصیانته یلعب دورًا فاعلًا وبناءً في إرساء الأمن العالمي.

وذکر صالحي بقدرات الجمهوریة الإسلامية وتحدیدًا علی المشهدین المحلي والإقلیمي، معتبرًا سیاسة واشنطن المتمثلة في مواجهة إيران والعودة إلی عهد تتبع السیاسات غير البناءة لهذا البلد  بأنها مدانة بالفشل، کما اعتبر النتائج الناجمة عن الاتفاق النووي علی الصعد الاقتصادیة والمصرفیة والاستثماریة بأنها أقل مما یتوقع، داعیًا داعمي الاتفاق النووي من بینهم الأمم المتحدة والدول الأوروبية إلی تقدیم المساندة الواضحة لهذا الاتفاق والمواجهة الجادة لسیاسات ترامب، وتحدیدًا عبر الاتحاد الأوروبي.

إرنا سولبرج رئيسة وزراء النرویج ردَّت في لقاء جمعها بصالحي بأنّ بلادها تهتم بحفظ الاتفاق ومازالت تتابع تذلیل عقبات التعاون بین البلدین والانتفاع بنتائج الاتفاق النووي لتطویر العلاقات بین البلدین.

وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية، نيلس آنن أكد في رده علي صالحي خلال لقائه الثلاثاء، دعم بلاده والاتحاد الأوروبي للاتفاق النووي ومساعي الاتحاد لاستمرار التعاون مع إيران، واعتبر في نفس الوقت الإجراءات الفاعلة في هذا المجال بما في ذلك جلب تعاون الشرکات الخاصة بأنها بحاجة إلی المزید من الوقت للمتابعة الجادة علی المستوی الدولي.

ضمانات عملية!

رئيس المجلس الاستراتیجي للعلاقات الخارجية كمال خرازي كان أوضح من نائب رئيس الجمهورية الإيراني، حيث أكد ضرورة تقديم أوروبا ضمانات عملية تجاه الاتفاق النووي، وذلك خلال لقائه وزير الخارجية الإيطالي، إنزو موافيرو ميلانزي.

وقال خرازي خلال اللقاء، إن القضية الهامة هي الاتفاق النووي، موضحًا: بالطبع نحن نعرف أن الدول الأوروبية تسعی للحفاظ علی الاتفاق النووي، ونحن نطالب بتقديم الضمانات العملیة القوية، وأكدنا أن المواقف السياسية ليست كافية.

خرازي أوضح أنّ إيطاليا تحاول الحفاظ علی الاتفاق النووي بصفتها الشريك التجاري الأول لإيران بين البلدان الأوروبية، قائلاً: إذا لم تُكلّل الجهود التي تبذلها إيطاليا والبلدان الأوروبية الأخری لتقديم الضمانات للحفاظ علی الاتفاق النووي بالنجاح، فلم یعد یوجد أي داعٍ لبقاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الاتفاق النووي.

وأضاف خرازي: “لقد قلنا أيضًا إننا مستعدون لبذل كل جهد ممكن لتعزيز السلام والأمن في المنطقة، شريطة أن يتم أخذ الواقع بعين الاعتبار وأن يستعد اللاعبون الرئيسيون بالمنطقة للقدوم إلى طاولة المفاوضات، ويتخذوا من خلال العمل مع بعضهم البعض مواقف صائبة بشأن التطورات في المنطقة، مما سيؤدي إلى انتشار السلام والأمن.

تأتي هذه التصريحات قبيل التوجه إلی إسبانیا علی رأس وفد سیاسي لتبادل وجهات النظر مع المسؤولین الإسبان؛ حيث أفادت السفارة الإيرانية في مدرید أن خرازي سیجتمع الخمیس مع جوزب بوریل، وزیر الشؤون الخارجیة الإسباني لدراسة أوضاع الاتفاق النووي بعد انسحاب ترامب منه وسبل الحفاظ علی الاتفاق ومواجهة السیاسات الأمریکیة المتمثلة في فرض الحظر علی طهران.

وفي إطار حملة الزيارات الدبلوماسية المتصاعدة، كسبت إيران زعيمًا بريطانيًا مهمًا بحسب السفير الإيراني لدی بريطانيا، حميد بعيدينجاد، الذي التقى زعيم حزب العمال البريطاني، جيريمي كوربين، وأشار بعيدي نجاد إلى أنّ زعيم حزب العمال البريطاني يقف مواقف واضحة تجاه ضرورة الاحتفاظ بالاتفاق النووي والحاجة إلى اتخاذ تدابير واضحة للحفاظ علی السلام في الشرق الأوسط.

وفي طهران الاثنین عُقِدت جولة جديدة من المحادثات السياسية الشاملة برئاسة عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية، وبريسويل باسكال، نائبة وزير الخارجية السويسري، وشدد الجانبان أيضًا على أهمية الحفاظ على الاتفاق النووي، وأهمية التزام الدول بهذا الاتفاق، مؤكدين استعدادهم لتعزيز التعاون في هذا الإطار.

الأجندة الإيرانية

وبحسب مراقبين محسوبين على الجانب الإيراني، فإنّ الضمانات التي تطالب إيران الجانب الأوروبي بها ليست من النوع الذي يصعب على الأوروبيين تقديمها إذا كانت لديهم فعلًا مصداقية في المواقف التي اتخذوها ضد ترامب، ومنها التحرك الأوروبي القانوني ضد ترامب، فدوائر صنع القرار الإيراني تستغرب من امتناع الجانب الأوروبي عن بلورة مواقفه وانتقاداته للرئيس ترامب في إطار الإجراءات والخطوات القانونية التي ينصّ عليها الاتفاق، ومنها تقديم شكوى ضد أمريكا إلى مجلس الامن أو مطالبة الأخير بحمل أمريكا على عدم انتهاك الاتفاق.

ومن أبرز الضمانات الإيرانية المطلوبة كذلك التحرك الغربي خاصة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا في مجلس الأمن وتسهيل بيع النفط الإيراني وضمان استلام طهران لعائداتها النفطية، وأن تقدم البنوك والمصارف الأوروبية التسهيلات اللازمة للجانب الإيراني لضمان انسيابية عملياته المصرفية من تحويلات وضمانات مالية، وأن تقدم الشركات الأوروبية على العمل الاستثماري في المشاريع العملاقة في إيران، لاسيما في حقلي النفط والغاز عملًا بما ينص عليه الاتفاق، وتحديدًا البند 26 منه والسماح للبنوك والمصارف الإيرانية بتأسيس فروع لها في الدول الأوروبية حسب بنود الاتفاق والسماح لناقلات النفط الإيرانية المرور دون تضييقات عبر المياه الدولية الحرة على أن توفر شركات التأمين الأوروبية تغطية تأمينية لها.

ووفق مصدق مصدق بور، الباحث السياسي الإيراني، فإنّ لدى طهران العديد من الخيارات ستلجأ إليها في حالة التراخي الأوروبي تبعًا لمتطلبات المراحل القادمة، وأهمها إعادة أنشطتها النووية إلى ما كانت عليه قبل نشوب الأزمة، ومواصلة عملية التخصيب إلى الأسقف المسموح بها، كما لدى إيران خيار آخر وهو الأهم والأخطر أي الخروج من معاهدة الN.P.T “.

ومن المنتظر أن تنتهي المهلة التي منحتها إيران، للاتحاد الأوروبي ومدتها 60 يومًا في الشهر المقبل، وذلك لضمان استمرار تنفيذ الاتفاق النووي بعد قرار انسحاب الولايات المتحدة، خاصة أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، هدّد في وقت سابق بأن الولايات المتحدة لا تستبعد فرض عقوبات ثانوية على الشركات الأوروبية التي تستمر في التعامل مع إيران، وهو ما أقلق الأخيرة في ظل حرص الاتحاد الأوروبي على إنفاذ الضمانات بشكل جدّي.