في أول خطاب له عن السياسة الخارجية كرئيس، أعلن جو بايدن عن إنهاء الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية التي تقودها السعودية في اليمن، مشيراً أن الولايات المتحدة لن تصبح حليفاً بعد الآن للممالك الخليجية في هذه الحروب التي خلفت دماراً وأزمات كارثية لم يشهد العالم لها مثيل من قبل.
“عادت أمريكا”… كان هذا التصريح الأبرز لبايدن في خطابه الذي ألقاه في وزارة الخارجية في بادرة تقدير للدبلوماسيين، في إشارة لانتهاء عهد سياسات دونالد ترامب، مضيفاً “عادت الدبلوماسية إلى قلب سياستنا الخارجية” متوجاً بذلك أسبوعين من التغييرات الدراماتيكية التي طرأت على السياسة الخارجية منذ تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني.
كانت مسألة الحرب في اليمن هي أكثر القضايا التي استحوذت على خطاب بايدن، والذي أعلنها صراحة أن “هذه الحرب يجب أن تنتهي… ولتأكيد التزامنا، فإننا ننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن والذي يشتمل مبيعات الأسلحة التي تستخدم هناك”، مشيراً أن هذه الحرب التي أودت بحياة أكثر من 100 ألف يمني وشرد 8 ملايين “خلقت كارثة إنسانية واستراتيجية”.
ومع ذلك، أكد بايدن أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم الدعم الدفاعي للسعودية ضد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة من القوات المدعومة من إيران، كما ستواصل القوات الأمريكية عملياتها ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
من ناحية أخرى، ركز بايدن في خطابه على قضايا اللاجئين، لافتاً أنه ومن أجل إعادة بناء “القيادة الأخلاقية” الأمريكية، فإن الإدارة ستعيد العمل برنامج اللاجئين الأمريكي، معلناً عن أمر تنفيذي من شأنه أن يرفع عدد اللاجئين المقبولين في الولايات المتحدة في السنة المالية الأولى لإدارة بايدن-هاريس إلى 125000، وهو عدد أعلى من 110 آلاف لاجئ الذين قبلوا في العام الأخير لإدارة أوباما، والذي تضاءل إلى أقل من 15 ألف في إدارة ترامب.
وقال بايدن: “كانت القيادة الأخلاقية للولايات المتحدة بشأن قضايا اللاجئين نقطة إجماع بين الحزبين لعقود عديدة عندما وصلت إلى هنا لأول مرة”، “نضيء نور، مصباح الحرية للمظلومين… نحن الملاذ الآمن لأولئك الفارين من العنف أو الاضطهاد، نحن مثال لدول الأخرى لفتح أبوابها على مصراعيها لاستقبال المضطهدين”.
في هذه الأثناء، أعلنت وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية أنها ألغت رحلة ترحيل لاجئين إلى الكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بينما أجرت تحقيقًا في مزاعم الانتهاكات من قبل عملاء الوكالة ضد المرحلين، ليُعدهذا الإعلان بمثابة تغيير كبير في النهج المتبع منذ موافقة مجلس الشيوخ لوزير جديد للأمن الداخلي، أليخاندرو مايوركاس.
يعد إبعاد واشنطن عن الرياض أحد أبرز الانتكاسات في أجندة دونالد ترامب، لكنه يمثل أيضاً تمرد على السياسات التي اتبعها باراك أوباما، الذي دعم الهجوم السعودي في اليمن، رغم أنه سعى لاحقًا إلى فرض قيود عليه.
وسبق أن صوتت أغلبية من الحزبين في الكونغرس على قطع الدعم عن الحملة السعودية في اليمن بسبب عدد القتلى المدنيين وقتل كاتب العمود في واشنطن بوست جمال خاشقجي، لكن ترامب استخدم حق النقض (الفيتو) لعرقلة هذه الخطوة.
إعلان بايدن يعني أن الولايات المتحدة ستقوم بتجميد مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، كما أنها ستقوم بتعيين مبعوثًا خاصًا إلى اليمن، لممارسة مزيد من الضغط على السعوديين والإماراتيين والقوات الحوثية التي يقاتلونها، للتوصل إلى اتفاق سلام دائم.
في تصريحات له قبل الخطاب، قال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان “تحدثنا مع كبار المسؤولين في الإمارات وكبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية…. نحن نتبع سياسة عدم وجود مفاجآت عندما يتعلق الأمر بهذه الأنواع من الإجراءات.”
اعتبر ترامب ووزير خارجيته، مايك بومبيو، المملكة العربية السعودية وولي عهدها، محمد بن سلمان، بأنهم حليف رئيسي في حملتهما لشل إيران وتقويض نفوذها، وتحقيقا لهذه الغاية، استخدم بومبيو سلطات الطوارئ لتفادي معارضة الكونغرس ضد تدفق إمدادات الأسلحة إلى الخليج.
في المقابل، تحدث خليفة بومبيو، توني بلينكين، بصراحة عن جرائم السعودية في حرب اليمن، وبحسب مصادر، فإنه أجرى حتى الآن أكثر من 25 مكالمة تمهيدية مع نظرائه في جميع أنحاء العالم بهذا الخصوص، ولم يكن وزير الخارجية السعودي من بينهم.
كما تعهد مدير المخابرات الوطنية في إدارة بايدن، أفريل هينز، بتقديم تقرير رفعت عنه السرية عن مقتل خاشقجي، والذي من المتوقع أن يدين ولي العهد السعودي.
من جانبه، رحب ويليام هارتونج، مدير برنامج الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية، بخطوة بايدن، لكنه أشار إلى أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”… مضيفاً “لكي تكون هذه الخطوة فعالة، يجب أن توقف السياسة الجديدة جميع مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، سواء المقترحة أو قيد الإعداد، بما في ذلك الصيانة والدعم اللوجستي؛ كما يجب زيادة المساعدات الإنسانية لليمن وإلغاء تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، الأمر الذي يقوض بشدة قدرة جماعات الإغاثة على الوصول لكل مناطق اليمن؛ يجب أيضاً الضغط على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لبدء وقف إطلاق النار والتفاوض بحسن نية من أجل اتفاق سلام شامل”.
في هذا الخصوص، قال بلينكين إن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، الذي فرضه بومبيو في الأيام الأخيرة من إدارة ترامب، ستتم مراجعته على وجه السرعة.
في سياق متصل، يرى خبراء ومحللون أن القرار الأمريكي، في حالة تنفيذه بالكامل، سيزيد من الضغط على المملكة المتحدة لتعليق مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، خاصة بعد قيام شركة تصنيع الأسلحة Raytheon بإلغاء بعض الطلبات الخليجية من دفاترها، وفقًا للأدلة المقدمة إلى لجنة تحديد الأسلحة البريطانية هذا الأسبوع.
ومع ذلك، فمن المرجح أن تتردد المملكة المتحدة بشدة في أن تحذو حذو الولايات المتحدة لأنها قد رخصت ما لا يقل عن 5.4 مليار جنيه إسترليني من الطائرات المقاتلة، وخاصة من طراز تايفون والصواريخ، منذ بدء الحملة الجوية في عام 2015.
وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة ليست جزءًا رسميًا من التحالف السعودي في اليمن، إلا أنها تقدم المساعدة الفنية للقوات الجوية السعودية، والتي تقول وزارة الدفاع إنها مصممة لمساعدة المملكة العربية السعودية على تلبية معايير القانون الإنساني.
وأشار بايدن في خطابه- الذي كان يهدف إلى التأكيد على إعادة تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة- إلى أنه سيتخذ موقفا أكثر صرامة ضد موسكو من ترامب، الذي تجنب بصورة واضحة انتقاد بوتين.
وعلى الرغم من أن الإدارة الجديدة تحركت بسرعة لتمديد معاهدة البداية الجديدة للحد من الأسلحة مع روسيا، أوضح بايدن أن ذلك لن يمنع واشنطن من التصدي للتهديدات الروسية وانتهاكات حقوق الإنسان.
“لقد أوضحت للرئيس بوتين أنني مختلف تمامًا عن سلفي، وقد ولت أيام تقلب الولايات المتحدة في مواجهة الإجراءات العدوانية لروسيا: التدخل في انتخاباتنا، والهجمات الإلكترونية، وتسميم ….لن نتردد في رفع التكلفة على روسيا من أجل الدفاع عن المصالح الحيوية لشعبنا”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضًا: بعد عشر سنوات… أسوأ كارثة إنسانية في العالم مستمرة
اضف تعليقا