العدسة – ياسين وجدي:
كادت المدينة الخضراء أن تحترق ، لولا تدخل القدر وتحرك الأتراك، لتتنفس “إدلب” الصعداء من جديد ، ويكتب الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان سطورا جديدة في نصرة الإنسانية المعذبة تحت يدي الديكتاتور الجامح بشار الأسد.
“العدسة” يتوقف عند الملامح الأبرز في معركة الأتراك من أجل انقاذ إدلب ، والتي خلصت إلى أن تركيا لن تترك سوريا لجزار!
التحرك العسكري!
حظى البعد العسكري على أهمية كبيرة في التحرك التركي للانقاذ وله ما بعده ، حيث حشدت تركيا حشودها العسكرية بطريقة بارزة نحو إدلب، بالتزامن مع عمليات تركية متواصلة لإمداد المسلحين في إدلب بالسلاح لتمكينهم من التصدي لهجوم متوقع لجيش النظام السوري.
قائد كبير في الجيش السوري الحر بحسب وكالة “رويترز” أكد أن الأتراك قدموا تعهدات “بدعم عسكري كامل لمعركة طويلة الأمد كي لا يستطيع النظام أن يصل إلى ما يريد”.
ورغم ذلك فالخيار التركي العسكري لازال في الأفق خاصة إذا رفض المقاتلين المعنيين في الاتفاق التسوية التي جرت ، ووفق موقع دويتشه فيله الألماني الشهير فإنه اذا رفضت العناصر التكفيرية سواء من السوريين أو غير السوريين الاستسلام للوصاية التركية، فإن الخيار العسكري “لا مفر منه” .
ويرجح بعض المراقبين أن تقوم تركيا بعملية عسكرية معتمدة في ذلك على القوات الموالية لها، ومن أبرزها “الجبهة الوطنية للتحرير” وقوامها فصائل جيش الحر وفصائل المعارضة المعتدلة، لذلك فإن تركيا بدورها عززت تواجدها العسكري، فيما أكدت الخارجية التركية أن المزيد من هذه التعزيزات سيتم إرسالها في الأيام القادمة إلى شمال سوريا.
القادة العسكريون في المعارضة ومنهم مصطفى السراج المسؤول البارز في الجيش السوري الحر يرون أن انقاذ إدلب قضى على آمال بشار الأسد في استعادة سيطرته الكاملة على سوريا، ، ويوضح السراج أكثر حيث يرى أن ما جرى فرض أمراً واقعاً من سيطرة جغرافية للمعارضة وبقاء السلاح بيد الجيش السوري الحر مما سيكون نقطة انطلاق نحو تحول سياسي ينهي حكم الأسد.
الهبة الشعبية
شعبيا كانت التظاهرات السلمية يوم الجمعة ورقة في التحرك التركي ، خاصة أن السوريين طلبوا الدعم مباشرة في المظاهرات برفع الأعلام التركية .
وبحسب نشطاء بالمعارضة ، فقد تركزت المظاهرات الحاشدة التي أعادت أجواء الربيع العربي في 2011 ، في معظم الساحات الرئيسة لمدينة إدلب، وشملت مناطق الريف الجنوبي والغربي والشمالي للمحافظة مرورا بريف حماة الشمالي وحتى ريف حلب الشمالي والجنوبي، ورفع المشاركون في المظاهرات أعلام الثورة السورية، والاعلام التركية، وهتفوا ضد تهديدات رئيس النظام بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين.
الأتراك أخذوا طرف الخط من الثوار، وحظيت الهبة الشعبية بدعم اعلامي تركي قوي، خاصة في ظل الحرص الشعبي السوري على دعوة تركيا لتكون في قلب الحدث والدفاع عنهم عبر رفع الاعلام التركية.
الملمح الإنساني
البعد الانساني كان أحد معالم المعركة حيث ركز الرئيس رجب طيب أردوغان على البعد الإنساني، وهو البعد الرائج دوليا خاصة في الأمم المتحدة التي حذرت أكثر من مرة كارثة انسانية في ادلب .
أدروغان خاطب الرأي العام سريعا ، في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، دعا فيه المجتمع الدولي للتحرك بشأن إدلب، وحذر من أن ”العالم بأكمله سيدفع الثمن“ إذا حدث غير ذلك ، مؤكدا أن “أي هجوم للنظام سيخلق مخاطر إنسانية كبيرة “.
وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية، مارك لوكوك، أشاد بالانجاز التركي ، الذي صنفه في البعد الإنساني بصورة كبيرة ، أكد أنه “عندما كانت الأمم المتحدة تحذر باستمرار من مخاطر هجوم عسكري شامل في شمال غرب سوريا، لم يكن ذلك من قبيل المبالغة، لأن هكذا هجوم من المحتمل أن يؤدي إلى أسوأ مأساة إنسانية في القرن الواحد والعشرين”.
المسئول الأممي أشاد بالدور التركي موضحا أن الأمم المتحدة، تواصل مع منظمات إنسانية أخرى، تنفيذ برنامج كبير للمساعدات الإنسانية عبر الحدود في تركيا حيث يتلقى مليوني شخص كل شهر في شمال غرب سوريا مساعدات”.
تهديد أوروبا
لم تغفل اوراق المعركة التركية تهديد الاتحاد الأوروبي بأوجاعه ، حيث برز في الفترة الماضية تهديد السلطات التركية على لسان رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية التركية، بولنت يلدريم ، الاتحاد الأوروبي بفتح الطريق من تركيا إليه أمام اللاجئين السوريين حال عدم تدخل دول أوروبا لوقف هجوم القوات الحكومية السورية على محافظة إدلب.
وجاء التصريح ليؤكد ما سبق وأن أعلنه وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أن بلاده لا تتحمل أي مسؤولية عن موجة هجرة من إدلب قد تنطلق بسبب هجوم القوات السورية على المسلحين في المحافظة.
المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أغلق الباب على يد أوروبا ، هو أيضا ، وصرح بأن الجميع متفقون على أن الحل يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا في منطقة إدلب السورية، مُحذرا من أن النزوح الجماعي للاجئين من سوريا سيكون مشكلة ليس لبلاده فقط وإنما للاتحاد الأوروبي أيضا.
قالن كشف عقب محادثات لمسؤولين من تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا- أن الجميع متفقون بشكل عام على أن أي هجوم على إدلب ستكون له نتائج سيئة جدا، حيث سيؤدي إلى أزمة إنسانية، من خلال تدفق موجة نزوح جديدة، وتقويض العملية السياسية المستمرة حول سوريا، وهو ما كان له اثره فعليا ودوليا بحسب مراقبين.
معركة سوتشي
وبلغ النجاح الدبلوماسي التركي في المسار الدبلوماسي إلى دفع النظام السوري الى الاعتراف به ، حيث رحب كل من النظام السوري والمعارضة، بالاتفاق الروسي – التركي في قمة سوتشي حول محافظة إدلب الذي خلص إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق النظام ومناطق المعارضة في إدلب.
وكالة الأنباء السورية ” سانا” التي كثيرا ما تهاجم تركيا ، نقلت رغما عنها احتفاء مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية باتفاق سوتشي مبررا ذلك بأنه كان حصيلة تنسيق مسبق، ولكن يبدو أن غصة النجاح مريرة في صدر النظام السوري ، وهو ما عبر عنه السفير السوري لدى لبنان علي عبدالكريم في مقابلة تلفازية قائلا : ” أنا أراه اختبارا لمدى قدرة تركيا على الوفاء بتنفيذ هذا القرار، ونحن لا نثق بتركيا”.
وفي المعسكر الآخر ، كانت الثوار في سعادة واضحة ، ظهرت في ترحيب “هيئة التفاوض السورية” المعارضة، بالقمة التركية الروسية التي جرت في مدينة سوتشي الروسية، حيث أشادت بجهود تركيا في الوقوف إلى جانب الشعب السوري، لافتة إلى أن الاتفاق المنبثق عن القمة سيجنب محافظة إدلب “كارثة كبرى”.
الهيئة أعلنتها بوضوح أن تركيا بذلت ونجحت ، وقالت في بيان لها : “نثمن عاليًا دور تركيا وما تبذله من جهد مشكور في الوقوف إلى جانب الشعب السوري، وكذلك الموقف الدولي الذي وجه رسالة رادعة لأي تهور بحق الشعب السوري”.
ويرى مراقبون أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حقق في اتفاقية سوتشي حول إدلب، انتصارجديد له، فبعد مفاوضات عصيبة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين انتزع أردوغان موافقة الأخير على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب على أن تنسحب الجماعات المصنفة بالمتطرفة منها.
اضف تعليقا