العدسة – باسم الشجاعي

منذ قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، بأن القدس عاصمة “تل أبيب”، و”إسرائيل” تحبس أنفاسها، وخاصة بعد صب الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، جام غضبه على الكيان الصهيوني، على مدار السنوات الماضية، والتي كان آخرها الأربعاء 13 ديسمبر، في القمة “الاستثنائية”، لمنظمة التعاون الإسلامي، التي عقدت في إسطنبول.

نبرة تصعيد “أردوغان” ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، تأتي بعد عام من الهدوء الحذر الذي شهده الطرفان، بعد عقد اتفاق المصالحة (وقع في يونيو 2016).

الجدير بالذكر، أن العلاقات التركية الإسرائيلية، منذ وصول “أردوغان” للسلطة، وهى تفقد بريقها، على رغم أن التدهور اللاحق لم يتسبب في حدوث قطيعة فعلية بين الطرفين، ولكن كان واضحًا أن الرئيس التركي يقود بلاده نحو التصعيد مع” تل أبيب”، مما يعيد للأذهان خلافا استمر ستة أعوام، بسبب الهجوم الصهيوني على “أسطول الحرية” في 2010.

ويبدو أن الرد التركي على “قضية القدس” قد يتجه للقطيعة، خاصة بعد مجموعة التراكمات التي أزعجت “أردوغان”، الفترة الماضية؛ حيث إن الدعم الإسرائيلي لانفصال إقليم كردستان العراق ما زال عالقا في أذهان القادة الأتراك، على الرغم من التطبيع الذي مر عليه أكثر من عام بعد قطيعه ست سنوات.

أردوغان من أحد مؤتمراته الشعبية

 

خسائر كبرى

ولكن في حين قرر “أردوغان” قطع العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، فإن “تل أبيب” ستكون المتضرر الأكبر من هذا الأمر؛ حيث إن دولة الاحتلال الصهيوني تعي جيدا أن أي وسيلة لنقل موارد الطاقة لن يتحقق إلا بالتعاون مع تركيا.

لذلك فإن العلاقة مع تركيا ضرورية لدولة الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث تعتبر بذلك مصدرًا رئيسيًّا للطاقة عبر تطوير حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، ما يعني أن اندلاع أي أزمة مع “أردوغان”، قد تجعل من “تل أبيب” رهينة لدى الأتراك.

كما أن نقل الغاز إلى أوروبا سيكون حتمًا عبر الأراضي التركية؛ حيث إن “إسرائيل” تمتلك نحو 800 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي تستخرجها من حقلي “تمر” و”ليفياثان” للغاز الطبيعي، (شرق البحر المتوسط، وتبعد عن مدينة حيفا نحو 80 و130 كيلو مترًا)، كما أن “تل أبيب” لا توجد لديها خطوط أنابيب جاهزة لنقل هذا الغاز في الوقت الحالي، وسيكون صعبا عليها مد خطوط غاز في الوقت الراهن.

ولعل لغة الأرقام هي الأدق في هذه الحالة، فوفقا لتصريحات صحفية نهاية 2015، للقنصل الإسرائيلي في إسطنبول “شاعي كوهين”، فإن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل، ارتفع لأكثر من 5.5 مليارات دولار، بينما بلغت في 2010 نحو 3.4 مليارات دولار، بزيادة بلغت نسبتها 62%، كما صعدت أسهم شركة “زورلو” التركية للطاقة، التي تدير أنشطة في إسرائيل 7%، بعد الإعلان عن الاتفاق بشأن تطبيع العلاقات بين البلدين في 2016.

وفي إطار سلسلة الخسائر التي قد تتكبدها “إسرائيل”، في حين قطع تركيا العلاقات معها، يأتي ملف الاقتصاد الذي لايقل أهمية عن ملف الغاز.

فبحسب إحصاءات نمو الميزان التجاري بين البلدين بعد سنوات الأزمة (2010- 2016)، فقد احتلت “إسطنبول” المرتبة السادسة على مستوى العالم في قائمة التصدير الإسرائيلية، بمبلغ وصل إلى 4 مليارات دولار سنويًّا، ما يعني أن الخسائر ستكون فادحة على “تل أبيب”.

 

“صفقة القرن” في خطر

وعلى مايبدو أن “إسرائيل”، ستحاول للدفع نحو عدم القطيعة مع الجانب التركي، بعيدا عن العلاقات التجارية، لأسباب أخرى تهدد مستقبلها في المنطقة.

فـ”إسرائيل” تخشى من “أردوغان”؛ حيث إن له وزنا إقليميا ودوليا كدولة مسلمة، فضلا عن كونه عضوا في حلف الناتو، وهو فاعل إستراتيجي في كل القضايا التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في العشرية الأخيرة، مما سيعرقل مشروع “صفقة القرن” التي تحدثت عنها تقارير أمريكية.

المظاهرات التركية الداعمة للقدس

فوفقا لما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن “الوقت قد حان لهذه الخطة (صفقة القرن) فى ظل استعداد الدول العربية لحل المسألة؛ من أجل  تركيز الاهتمام على إيران، واعتبارها التهديد الأكبر”.

كما أن “إسرائيل” تخشى من سطوع نجم “أردوغان” في العالم الإسلامي الذي قد يقود تحالفا قويا ضدها، وسيسحب البساط من تحت أقدام الدول العربية الكبرى، مثل (السعودية ومصر) الشريك الأساسي في صفقة القرن، بسبب سياسية الانبطاح التي تنتهجها أمام السياسة الأمريكية والإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، وسعيهم للتطبيع مع “تل أبيب”.

ولعل أكثر مايقلق “تل أبيب”، من السياسة التركية، هو أن عداء “إسرائيل” ليس وجهة نظر شخصية لـ”أردوغان”، بل هو تعبير عن وجهة نظر شعبية تركية، مما يعطي الرئيس التركي قوة أكبر.

 

تاريخ من التوتر

المتابع لتاريخ العلاقات “الإسرائيلية – التركية”، يعي جيدا أن بينهما تاريخا كبيرا من الشد والجذب، فضلا عن أنها تقف إلى جانب القضايا العربية والإسلامية، وخاصة فيما يتعلق بالقدس منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم.

فقد ساد البرود العلاقات التركية – الإسرائيلية خلال سبعينيات القرن الماضي؛ حيث ثارت حفيظة “إسرائيل” بسبب دعم تركيا لردود الفعل على حريق المسجد الأقصى عام 1969، وتصويتها لصالح القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975، باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، واعتراف تركيا بمنظمة التحرير الفلسطينية.

حريق المسجد الأقصى 1969

كما تسببت مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “أرييل شارون” المعادية للسلام في تخريب العلاقات بين تركيا وإسرائيل، التي كانت تحسنت مع المناخ الذي نشأ نتيجة عملية السلام في الشرق الأوسط خلال تسعينيات القرن الماضي.

وقبل أزمة قرار “ترامب”، كانت قد وقعت أزمة جديدة بين البلدين في مايو الماضي؛ حيث قال “أردوغان”: إن “بلاده لن تسمح بمنع الأذان في الأراضي المحتلة”، واصفا مجرد النقاش في الموضوع بالأمر المخجل.

وتساءل  “أردوغان” في مناسبة أقيمت في إسطنبول، وركزت على القدس عن “الفرق بين الأعمال الحالية للحكومة الإسرائيلية، والسياسات العنصرية والتمييزية التي كانت تمارس ضد السود في الماضي في أميركا، وحتى وقت قصير، كتلك التي كانت تنفذ في ظل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.