في الفترة من 23 إلى 24 أكتوبر/تشرين الأول، ترأس الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” المنتدى الاقتصادي الأفريقي الروسي في “سوتشي”، مع نظيره المصري “عبد الفتاح السيسي”. وفي ختام القمة، التي شهدت حضور 43 رئيس دولة أفريقية إلى المنتجع على البحر الأسود، شدد “السيسي” على أهمية تعزيز شراكة مصر مع روسيا، ووصف “بوتين” مصر بأنها “ركيزة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا”.

ويعكس هذا الخطاب التوفيقي من “بوتين” و”السيسي” القوة المتزايدة للشراكة الروسية المصرية على مدار العام الماضي، حتى في الوقت الذي حظيت فيه علاقة “السيسي” الودية بالرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” باهتمام واسع النطاق. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، وقعت مصر اتفاقية شراكة استراتيجية مع روسيا، وصفها “السيسي” بأنها “فصل جديد في تاريخ العلاقات الثنائية بين موسكو والقاهرة”. ومنذ هذا الاتفاق، وسعت روسيا ومصر علاقاتهما في المجالات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية. ويتحدى هذا التعاون الجديد الرأي السائد بأن القاهرة ترى روسيا فقط كتحوط ضد الخلافات المحتملة مع الولايات المتحدة، ويشير إلى أن الشراكة الروسية المصرية لديها أسس أعمق من المعترف به في واشنطن.

 

علاقات متوسعة

وخلال العام الماضي، توسعت العلاقات الاقتصادية بين روسيا ومصر في مجالات متنوعة. ومن عام 2017 إلى عام 2018، زادت قيمة التجارة الثنائية بين البلدين بنسبة 37%، وقد أدى هذا النمو إلى عدد كبير من الصفقات الاقتصادية الجديدة. وفي فبراير/شباط، صدق “السيسي” على اتفاقية اقتصادية مصرية روسية تمكن روسيا من إنشاء منطقة صناعية في منطقة قناة السويس الاقتصادية. وفي أبريل/نيسان، وافق “السيسي” على بناء محطة الضبعة للطاقة النووية، التي ستقوم بتطويرها شركة “روساتوم” الروسية الحكومية العملاقة للطاقة النووية. وقد يمثل هذا المصنع ما يصل إلى 50% من طاقة توليد الكهرباء في مصر، ويساعد على تخفيف الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الطلب المتزايد بسرعة على الطاقة في البلاد.

ودفع توسع الروابط التجارية بين روسيا ومصر “بوتين” إلى إعلان أن روسيا تحاول إنشاء منطقة تجارة حرة تشمل (إسرائيل) ومصر تشبه ترتيبات التجارة الروسية مع إيران. ومن المحتمل أن يكون التأثير الاقتصادي لمنطقة التجارة الحرة أقل من التوقعات المعلنة علانية من قبل روسيا، لكنه قد يوفر دفعة رمزية لـ “الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي”، وهو اتحاد جمركي بقيادة روسيا يعاني بسبب حجم التجارة الهزيل.

وكان توسيع نطاق التعاون الأمني ​​بين روسيا ومصر، منذ تصديق كلا البلدين على اتفاقية شراكة استراتيجية، جديرا بالملاحظة. وقد اكتسبت روسيا صفقة بقيمة 1.5 مليار دولار لبيع 20 طائرة مقاتلة من طراز “سو-35” لمصر، في مارس/آذار 2019، اهتماما واسع النطاق، لكن الشراكة الأمنية بين موسكو والقاهرة تمتد إلى ما هو أبعد من العلاقات التجارية. وإلى درجة لا مثيل لها في العالم العربي، تسعى روسيا إلى تعزيز التعاون العسكري مع مصر، حيث تهدف الدولتان إلى مكافحة الإرهاب والتهديدات التقليدية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، استضافت مصر تدريبات مشتركة تحت مسمى “حماة الصداقة”، بمشاركة المظليين وأفراد القوات الجوية الروس. وتأتي هذه التدريباتفي أعقاب التدريبات البحرية الروسية المصرية في يونيو/حزيران 2015 في البحر الأبيض المتوسط. ومنحت مثل هذه التدريبات موسكو فرصة للإعلان عن طائراتها وأنظمتها المضادة للطيران للدول التي تتطلع إليها، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وصربيا واليونان. وتشير التدريبات العسكرية “الروسية-البيلاروسية-المصرية”، في أوائل سبتمبر/أيلول، وتدريبات “سهم الصداقة” الجوية، التي بدأت في 27 أكتوبر/تشرين الأول، إلى أن روسيا تنظر إلى تعزيز التعاون على المستوى التشغيلي مع الجيش المصري كعنصر مهم في استراتيجيتها الأمنية الإقليمية.

 

نظرة موحدة

وفي حين يعد تبلور الروابط الاقتصادية والأمنية بين روسيا ومصر علامة قاطعة على شراكة ثنائية أقوى، فإن توسيع تنسيق موسكو مع القاهرة في المجال الدبلوماسي لافت للنظر أيضا. وفي يونيو/حزيران، تم عقد قمة روسية مصرية ثنائية بين وزارتي الخارجية والدفاع في كلا البلدين، شملت مناقشات حول سوريا وليبيا. وقد عكس هذا الحوار المواقف الموحدة بين روسيا ومصر حول هذه الأزمات. ويوفر استعداد مصر لدعم نظام “بشار الأسد” باعتباره الخيار الأقل سوءا في سوريا فرصة للحوار مع روسيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن كلا من روسيا ومصر جزء من المجموعة الداعمة لـ “خليفة حفتر”، قائد الجيش الوطني الليبي، في حملته لانتزاع السيطرة على طرابلس من حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة.

وتنظر روسيا أيضا إلى قرار مصر بالانسحاب من اقتراح التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط الذي ترعاه الولايات المتحدة، المعروف إعلاميا باسم “الناتو العربي”، كخطوة إيجابية، لأنه يتزامن مع جهود موسكو لبيع رؤيتها للأمن الجماعي في الخليج العربي إلى الدول العربية. وناقش المسؤولون الروس الأمن الخليجي مع نظرائهم المصريين في الحوار الثنائي في يونيو/حزيران، وتأمل موسكو أن تكون مخاوف القاهرة بشأن الأمن البحري، بسبب مصالحها التجارية في البحر الأحمر، دافعا لها في نهاية المطاف إلى دعم الحاجة لخفض التصعيد مع إيران.

كما تم تعزيز استدامة الشراكة الاستراتيجية بين روسيا ومصر من خلال الروابط الثقافية والأفكار. وقد تبلورت هذه الروابط خلال مؤتمر “غروزني” لعام 2016، حيث عبر علماء الدين من كلا البلدين عن معارضتهم للإخوان المسلمين والسلفية. وفي سبتمبر/أيلول، ناقش رئيس المجلس الروسي للمفتين، الشيخ “راويل عين الدين”، ووزير الأوقاف المصري، “محمد مختار جمعة”، التعاون في مجال التعليم الإسلامي في مؤتمر دولي حول الإسلام في روسيا. ويأمل صناع السياسة الروس أن تؤدي التبادلات من هذا النوع إلى إقامة علاقات أيديولوجية بين روسيا والمجتمعات الإسلامية في مصر، مما يسهم بشكل إيجابي في العلاقات الثنائية.

وقد عززت معارضة روسيا الحازمة للاضطرابات الشعبية في العالم العربي من تماسك شراكتها مع مصر. وبعد اندلاع مظاهرات كبيرة مناهضة للحكومة في مصر في أواخر سبتمبر/أيلول، قدمت وسائل الإعلام الحكومية الروسية دعما فوريا لادعاء “السيسي” بأن جماعة الإخوان المسلمين هي المسؤولة. ومن خلال دعم موقف “السيسي” من الاحتجاجات، أظهرت روسيا موثوقيتها كشريك لصانعي السياسة المصريين، في وقت اهتزت فيه ثقة مصر في القيادة الأمريكية بعد قرار “ترامب” بمنح الضوء الأخضر لعملية “نبع السلام” التركية في شمال سوريا.

وعلى الرغم من أن صانعي السياسة الأمريكية يشككون بشكل روتيني في قوة علاقة روسيا مع مصر، تشير الأحداث الأخيرة إلى أن الشراكة الاستراتيجية بين موسكو والقاهرة قد تتوطد في مجالات عديدة. وتشير جهود روسيا للتحكيم في النزاع بين مصر وإثيوبيا حول الوصول إلى نهر النيل إلى أنه من الممكن أن تصبح قضايا الأمن الأفريقي جبهة جديدة للتعاون الثنائي مع مصر. ويشير التعاون في هذا المجال، إلى جانب العديد من مجالات الاهتمام الأخرى، إلى أن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا ومصر قد تتعزز بشكل كبير في الأشهر القادمة