كتب- باسم الشجاعي:

مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، يبدو أن العالم أصبح على وشك الدخول في حرب بين الدولتين، خصوصا بعد مواصلت طهران تهديهاتها الصريحة أو الضمنية بقدرتها على غلق مضيق “هرمز”.

وكان آخر تلك التطورات، ما أعلنه قائد البحرية بالحرس الثوري، الجنرال “على رضا تنكسيري”، أن “إيران أصحبت تسيطر تماما على مضيق هرمز”، وفق ما أوردت وكالة “تسنيم”للأنباء”الاثنين” 27 أغسطس.

ليبقى التساؤل المطروح بقوة على الساحة الآن ماذا لوقامت إيران بتنفيذ تهديدها وقامت بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره معظم النفط العربي المصدر إلى العالم؟ وماهي تداعيات تلك الخطوة؟

أهمية المضيق

تزداد التهديدات الايرانية بإغلاق مضيق هرمز ومنع تصدير نفط الخليج للعالم، كلما اقتراب موعد وقف استيراد النفط الإيراني، وزيادة العقوبات على المصارف الإيرانية ونظامها المالي، نوفمبر المقبل.

وتنطلق طهران في تهديداتها من الأهمية الجغرافية والاستراتيجية للمضيق؛ حيث إن موقعها البحري، يساعدها على ذلك.

فإيران تشرف على مضيق هرمز من الجهة الشمالية والغربية للخليج العربي، هذا بالإضافة إلى امتلاكها عددا من الجزر على الخليج العربي والمضيق هي جزيرتا قشم ولاراك، وأخرى تتنازع عليها مع الإمارات، مثل جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى.

وتبلغ مساحة المضيق، نحو 63 كيلومترا، وعرضه نحو 50 كيلومترا أي مسافة 34 كيلومترا من جزيرة “لاراك” الإيرانية، وتبلغ مساحة مرور ودخول السّفن نحو 10.5 كيلومترا، ويبلغ عمق مياه مضيق هرمز ستين مترا.

أمّا مساحة المياه الإقليمية الخارجية للمضيق والتي تنتهي عندها مساحة هذا المضيق تصل إلى نحو مئة كيلومتر من جنوب غرب جزيرة قشم إلى شواطئ مدينة “كنكان” الإيرانية.

ويعبر من هذا المضيق نحو ثلث شحنات النفط البحرية العالمية، ما يجعله أهم نقطة اختناق لشحنات الخام.

وفي عام 2016 مر عبر مضيق هرمز رقم قياسي من براميل النفط بلغ 18.5 مليون برميل يـومـيـا وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية آنفة الذكر، ففي ذاك العام بلغ الطلب العالمي على النفط 96.6 مليون برميل في اليوم حسب وكالة الطاقة الدولية التي مقرها باريس.

ويعتبر القانون الدولي مضيق هرمز جزء من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور عبره، ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس سلامها وأمنها، وتخضع الملاحة فيه بالتالي لنظام “الترانزيت”، ما يعني عدم فرض أية شروط على السفن التي تمر من خلاله ما دام مرورها يكون سريعا، ولا يشكل أي تهديد للدول الواقعة حوله.

تداعيات الإغلاق

اغلاق مضيق هرمز أو الاستمرار في التهديد بإغلاقه له تداعيات ضخمة على دول الخليج، أبرزها: احتمالات تضاعف أسعار النفط إلى مستويات قياسية، مما يلحق الضرر البالغ بالاقتصاد العالمي، ويؤدي إلى ارتفاع كلفة واردات دول الخليج من السلع الضرورية والمواد الوسيطة، بما ينعكس سلبا على موازين مدفوعاتها، ويتسبب في إرهاق ميزانياتها العامة المرهقة أصلا.

ومن المتوقع أن يصل سعر برميل النفط 200 دولار أو 400 دولار، والذي يبلغ حاليا77 دولارًا للبرميل،  وذلك وفق ما توقع نائب مدير مجموعة تصنيف الشركات، “فاسيلي تانوركوف”.

أكثر الدول المتضررة في حالة غلق المضيق هي الصين التي تعتبر الشريك التجاري الأكبر مع أيران؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 45 مليار دولار سنويا والكارثة.

أما عربيا،  فالسعودية الأكثر ضررا؛ حيث إنها تصدر 88% من إنتاجها النفطي عبر المضيق، والعراق 98%، والإمارات 99%، ويمر بالمضيق أيضا جميع نفط إيران والكويت للخارج، كما تستخدمه قطر لتصدير معظم إنتاجها من الغاز المسال.

وفي حالة الغلق سيحكم بالأنعزالية على عموم منطقة الخليج، وخاصة الكويت والعراق، وقطر، والبحرين؛ حيث لا يمكن أن تقوم البحرية بالعالم الخارجي إلاّ عبر مياه “هرمز”، على عكس عُمان والسعودية والإمارات التي لها منافذ بحرية خارج مياه الخليج.

وليست دول الخليج وحدها الخاسرة في حال إغلاق المضيق، فإيران هي الأخرى من أكبر الخاسرين من غلقه، لكونها تعتمد عليه فى تصدير النفط الخام إلى دول آسيا.

إيطاليا، وإسبانيا، واليونان من أكثر الدول الأوروبية المتضرّرة من إغلاق “هرمز” ، لأنها تستورد النفط الإيراني بالائتمان، بعد أن توقّفت روسيا عن تصديره إليها بسبب تجميد اتفاق تعاون عسكرى بين البلدين (اليونان وروسيا)، ويبلغ إجمالي ما تستورده الدول الأوروبية من النفط الإيراني 450 ألف برميل نفط يوميًا.

تهديدات سابقة

رغم تصريحاتها المتكررة منذ العام 1988، وحتى اليوم، فإن إيران لم تنفذ تهديدها يوما.

وكان الرئيس الإيراني الراحل “هاشمي رفسنجاني”، كان أول من هدد بإغلاق بلاده مضيق هرمز، عندما كان رئيسا للبرلمان عام 1983، خلال الحرب العراقية الإيرانية – 1980/ 1988-.

وسبق وأن هددت إيران بغلق مضيق هرمز عام 2011 وعام 2012 عندما تزعم الرئيس “باراك أوباما” حملة لفرض عقوبات عالمية على إيران نظرا لأبحاثها في مجال تطوير الأسلحة النووية.

بيد أن اغلاق المضيق لم يتم لأن حملة ضغوط إدارة أوباما تمكنت أخيرا من إجبار إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات التي أثمرت عن اتفاق 2015 النووي.

ولكنها اليوم أضفت طابعا من الجدية على تهديدها بإغلاق مضيق هرمز؛ حيث أطلق الحرس الثوري الإيراني، مناورات واسعة في مياه “الخليج الفارسي”، بهدف التدريب على السيطرة على الممرات المائية.

ويأتي ذلك لخطة بدأتها إيران منذ 2012 من خلال إجراء مناورات حربية بحرية في المضيق، والتي تعد بمثابة محاكاة لعملية اغلاق مضيق هرمز.

كما أن إيران قادرة على اغلاق المضيق، فلديها ثلاث غواصات روسية الصنع، ويعتقد أن لديها القدرة على زرع ألغام، ولديها أيضا أسطول من الغواصات الصغيرة، وآلاف الزوارق السريعة المسلحة بقذائف مضادة للسفن والتي يمكن أن تفلت من رادارات السفن إلا أن تكون اقتربت منها مسافة خطرة.

لا سّيما وأن مضيق هرمز مزروع بجزر إيرانية صغيرة، تصلح لشن هجمات سريعة ومؤثرة.

بدائل مكلفة

مع تزايد حدة التهديدات بإغلاق إيران مضيق هرمز، يرى خبراء أن الحل الأمثل للأزمة، مد دول الخليج خطوط أنابيب لنقل النفط، لتجنب تأثر الإمدادات النفطية بالمستقبل، لكنه مكلف.

ومن الممكن أن تمد خطوط تغطي الإمارات وشرق السعودية مما يساعد على تفادي المرور بمضيق هرمز، وصولا إلى موانئ سلطنة عمان.

أما المسار الثاني للخطوط يمر الشرق للغرب رغم وجود خط أنابيب موجود حاليا إلا أنه غير كافي؛ حيث تمتلك السعودية خط أنابيب “بترولاين” بسعة 3 ملايين برميل يوميا، وهناك خطط لزيادته لـ 5 ملايين، ويمتد مساره إلى مدينة ينبع على البحر الأحمر، ويوفر إمدادات إلى أوروبا والولايات المتحدة.

لماذا التهديد بغلق “مضيق هرمز”؟

تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز، المنفذ البحري الوحيد لمنطقة الخليج الغنية بالنفط، هو مجرد ورقة ابتزاز؛ في حال الجلوس على طولة مع الولايات المتحدة، خاصة مع إعلان “دونالد ترامب” استعداده لقاء الرئيس الإيراني “حسن روحاني”.

فالتهديدات الإيرانية الأخيرة ليست جديدة على الساحة العالمية، وغير مفاجئة؛ حيث تتبع طهران دائما تكتيكا، تلجأ اليه من وقت لآخر من أجل نيل ما تريده.

وإيران تعي جيدا أن إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لديها عدة أسباب لإبقاء مضيق هرمز مفتوحا أمام حركة الملاحة الدولية، أهمها تأمين تدفق النفط، وبالتالي ضمان استقرار الاقتصاد العالمي خاصة أن أي نقص في الإمدادات النفطية سيؤدي إلى ارتفاع حاد بالأسعار.