العدسة – منصور عطية
تفاعلت تداعيات وآثار زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المزمعة إلى بريطانيا، على نحو غير مسبوق، حتى قبل أن تبدأ، خاصة في البلد الضيف على عدة مستويات.
الحديث عن حملة رفض الزيارة بسبب الاتهامات الموجهة للأمير الشاب، فضلا عن الأغراض الحقيقية وراء الزيارة وما ينوي فعله هناك، استوليا على حالة الجدل المحتدم.
لا تتاجروا بالقيم
واستبقت صحيفة “جارديان” البريطانية الزيارة المرتقبة بمطالبة رئيسة الوزراء “تيريزا ماي” بإثارة قضية حرية التعبير في السعودية خلال الزيارة، وفي مقالها الافتتاحي الذي حمل عنوان “وجهة نظر في الزيارة السعودية.. لا تتاجروا بالقيم” قالت الصحيفة: “إن عقوبات الجلد والتعذيب وعدم وجود حكومة منتخبة، هي اللبنات الأساسية للمجتمع السعودي”.
واعتبرت الصحيفة أن ابن سلمان هو الحاكم الفعلي للمملكة، وقالت إنه “روج لنفسه كمصلح ليبرالي من خلال اتخاذه خطوات إصلاحية صغيرة، ولا سيما بعد السماح للنساء بقيادة السيارات ومشاهدة مباريات كرة القدم، والغناء على المسرح”.
وبشأن “الحملة على الفساد” التي أعلنها ولي العهد السعودي قالت الصحيفة في افتتاحيتها: “من الواضح أنها تستهدف المنافسين الملكيين”، مضيفة أن “توطيد السلطة الذي لا يرحم، يسلط الضوء على عدم تسامح النظام السعودي مع المعارضة”.
ونبهت الصحيفة رئيسة الوزراء البريطانية إلى ضرورة قراءة “التقارير الخاصة بحالات الاختفاء القسري للناشطين في مجال حقوق الإنسان والمنشقين السياسيين ورجال الدين في السعودية”.
وقبل أيام جابت شوارع لندن شاحنات تحمل لافتات تندد بابن سلمان، وحملت الشاحنات إعلانات ضخمة كتب عليها “مجرم الحرب محمد بن سلمان غير مرحب به في بريطانيا”.
ويأتي هذا ضمن احتجاجات واسعة نظمتها منظمات حقوقية وأخرى مناهضة للحروب وانتشار الأسلحة، ضد زيارة ابن سلمان المزمعة، كما انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تغريدات لرفض الزيارة والدعوة إلى وقف تدفق الأسلحة إلى السعودية.
وسلم ممثلون عن 10 منظمات إنسانية وحقوقية بريطانية رسالة إلى “ماي” يحثونها فيها على سحب دعوتها لولي العهد السعودي، مشيرين إلى دوره في خلق “أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ عقود، من خلال الحرب التي يقودها في اليمن”.
ماذا يريد الأمير؟
وتبدو التساؤلات الأكثر إلحاحا في سياق تلك الزيارة تحوم حول الأغراض الحقيقية منها غير ما يقال في مثل هذه المناسبات، من التعاون الثنائي، والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وغيرها من العبارات البروتوكولية.
الحرب في اليمن تظهر في مقدمة تلك الأغراض من وجهين؛ أولهما: الرغبة السعودية في مساندة بريطانيا لها في تهدئة الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي الغاضب ضد ممارسات التحالف العربي الذي تقوده المملكة هناك، منذ مارس 2015.
وتزايدت في الآونة الأخيرة حدة الانتقادات الأممية والدولية للسعودية، بسبب الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، وما أثير من تقارير تتهم التحالف باستهداف المدنيين.
انعكاسات تلك الأزمة كانت حاضرة في تقرير “الجارديان” سالفة الذكر، حيث قالت: “إن الحرب في اليمن، والتي باتت أسوأ أزمة إنسانية في العالم هي من بنات أفكار ولي العهد السعودي”، مضيفة أنه من المخجل أن يتم تقديم أسلحة بريطانية ودعم عسكري بريطاني لإطالة أمد الحرب وزيادة معاناة المدنيين في اليمن.
هنا كان الوجه الثاني، فوفقا للصحيفة، يقدر حجم مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية بنحو مائتي مليون جنيه إسترليني في الشهر (285 مليون دولار)، مضيفة أن هذا الرقم “هو ما يبدو أنه يؤثر في عقل السيدة “ماي” أكثر من وفيات الأطفال بأماكن بعيدة، لكن يجب على بريطانيا ألا تتخلى عن مبادئها وقيمها”.
وعليه، فإن العلاقة المنفعية المتبادلة تقود إلى أن تستمر السعودية في سحب الأسلحة والعتاد العسكري من بريطانيا، مقابل أن تصمت الأخيرة عما يجري في اليمن بأسلحتها، وتقود الدفاع عن الرياض بشأن الاتهامات الموجهة لها في هذا الأمر، ومن المتوقع في هذا الإطار أن تسفر الزيارة عن صفقة تسليح يوقعها “بن سلمان” مع “ماي”.
تعيد تلك المعادلة إلى الأذهان الصفقة التاريخية التي وقعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، خلال لقائهما في الرياض مايو الماضي، والتي قدرت بنحو 110 مليارات دولار.
في سياق آخر، أشارت “جارديان” إلى تقارير تفيد بأن “قواعد مدينة المال والأعمال في لندن يجري الالتفاف عليها، لضمان طرح شريحة تقدر بمائة مليار دولار من أسهم شركة النفط الوطنية السعودية في بورصة لندن”.
فضيحة اليمامة
الصفقة السعودية البريطانية على هذا النحو سالف البيان، تقود إلى احتمالية أن تتكرر صفقة اليمامة سيئة الذكر، وهي الفضيحة التي شهدت اتهامات بالرشوة والفساد طالت قيادات بالأسرة المالكة السعودية.
“اليمامة”، صفقة شراء أسلحة، وُصفت بالأضخم عالميًّا حينها تمت بين بريطانيا والسعودية، بلغت قيمتها أكثر من 40 مليار دولار، على مدار نحو 20 عامًا، منذ 1985 وحتى 2005، وتورد السعودية مقابلها 600 ألف برميل نفط يوميًّا لبريطانيا.
وقد اتهم الأمير بندر بن سلطان – نجل ولي العهد السعودي حينها، والذي لعب دور المفاوض عن الجانب السعودي في صفقة اليمامة- بتلقي أكثر من ملياري دولار على مدى عقد من الزمن، كعمولات مقابل دوره في إبرام الصفقة المذكورة.
وبموجب التحقيق الذي أجرته “بي بي سي” قدمت شركة BAE Systems البريطانية مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية للأمير بندر، الذي كان يترأس مجلس الأمن القومي السعودي، بمعرفة وزارة الدفاع البريطانية معرفة كاملة.
وتحت ضغط سعودي وتهديد بقطع العلاقات، اضطر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عام 2007 إلى الأمر بوقف التحقيق في مخالفات تشوب الصفقة، وأقنع مجلس العموم حينها بأن الاستمرار في تحقيقات الفساد سيدمر علاقة إستراتيجية قوية بالمملكة، ويهدر آلاف الوظائف للبريطانيين.
اضف تعليقا