تسير الدولة العبرية في تنفيذ مخططها الرامي إلى تفتيت المنطقة وزيادة الشروخ بين الأقليات ودولهم للعمل على الانفصال وتكوين دويلات صغيرة بدعم منها.
ولم يكن استفتاء انفصال كردستان العراق بعيدا عن المخططات الإسرائيلية للمنطقة حيث تعتبر هي الدولة الواحدة الداعمة لانفصال إقليم كردستان العراق عن الحكومة المركزية في بغداد.
ويأتي رفع العلم الإسرائيلي خلال احتفالات أكراد العراق بالاستفتاء ليزيد الشرخ الموجود بين الأكراد والشعوب العربية الرافضة أصلا لوجود إسرائيل التي تعمل جاهدة للوصول إلى حلمها بإقامة الدولة العبرية من النيل إلى الفرات.
دلل متابعون برفع العلم الإسرائيلي في إقليم كردستان على التدخل المباشر لتل أبيب في دعم عملية الانفصال التي تخدم مصالحها في المنطقة وتعتبر إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي انحازت وأعلنت دعمها لانفصال الإقليم.
صحيفة معاريف الإسرائيلية كشف في خبر نشرته في 9 مايو 2015 عن إرسال رئيس الإقليم مسعود البارزاني مستشار سياسي إلى تل أبيب للتباحث حول الدعم السياسي الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل لاستقلال الإقليم.
مطامع إسرائيل
ولم يخف بعض المحللين تخوفاتهم من استقلال الإقليم في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة وتحول كردستان العراق إلى قاعدة عسكرية استخباراتية لإسرائيل تستطيع من خلالها تهديد العديد من الدول بينها تركيا وإيران وسوريا والعراق وتستخدمها في أوقات أخرى للضغط على هذه الدول التي تنظر بقلق متنامي إلى الدور الإسرائيلي.
وأشار البعض إلى شراء إسرائيل أراض واسعة بين أربيل والموصل قبل سنوات بالإضافة إلى وجود اتفاق بين البارزاني وتل أبيب يفضي إلى عودة نحو مئتي ألف يهودي كردي من إسرائيل إلى كردستان بعد الاستفتاء، بحسب ما نشرته الكاتبة الفلسطينية فاتنة الدجاني.
وتهدف إسرائيل أيضا إلى منع العراق من العودة قويا مرة أخرى والتفرغ لعملية البناء والتعمير بعد نجاحه في طرد تنظيم الدولة من الموصل واستمرار الحملات الرامية للقضاء على التنظيم في كامل الأراضي العراقية.
كما أن وجود دويلات صغيرة تقوم على الطائفية والعرقية تغذي المخطط الإسرائيلي في تقسيم المنطقة الذي من شأنه أن يعطي سهولة في السيطرة والهيمنة لإسرائيل واستمرار وجودها.
تخوفات تركية
وعلى الصعيد التركي انتقد الرئيس رجب طيب أردوغان رفع العلم الإسرائيلي خلال الاستفتاء وحذر الأكراد في سوريا والعراق من السقوط في الفخ.
وأضاف أردوغان : “”أقول لإخوتي في سوريا والعراق، تعالوا لنكون سويا ولا تسقطوا في الفخ لأن من يتلاعب بكم اليوم سيترككم وحدكم ولن تنجيكم الأعلام الإسرائيلية التي رفعتموها بعد الاستفتاء.”، مشيرا إلى أن الاعتماد على الدعم الإسرائيلي لن ينفع الإقليم.
وكرر الرئيس التركي تنديده باستفتاء الانفصال الكردي ملوحا في الوقت ذاته باستخدام جميع الخيارات العسكرية والاقتصادية وغيرها، واصفا المرحلة المقبلة بأنها “خطيرة” في حال استمرت إدارة الإقليم المضي في مسار الانفصال قائلا “ما يحصل قد يستهدف حدودنا ولذلك علينا أن نبقى يقظين، يخططون للقضاء علينا ولكن لن نسمح بذلك”.
واعتبر أردوغان هذه الخطوة بمثابة اغتصاب لحقوق الأعراق التي تعيش في هذه المنطقة وتهديدا لوحدة أراضي العراق، مضيفا: “هذا الاستفتاء لا تدعمه سوى دولة واحدة هي إسرائيل،ونحن لا نعترف بنتائجه”.
وترتفع حدة التخوفات في تركيا لأسباب عديدة فبعد أن استطاعت تركيا حل مشاكلها مع الأكراد “الترك” خلال الأعوام الأخيرة وإشراكهم في العملية السياسية أعاد استفتاء كردستان الأزمة الكردية في تركيا إلى الساحة مرة أخرى.
وخرج الآلاف من أكراد تركيا في مظاهرات عبروا خلالها عن فرحتهم بنتيجة استفتاء كردستان وتأييدهم للخطوة وهو الأمر الذي يجعل السلطات التركية تتعامل مع الأمر بحزم شديد تخوفا من عودة القلاقل وتنامي النزعات الانفصالية خاصة وأن أعداد الأكراد لديها أكبر بكثير من أعدادها في العراق.
كما أن بعض الأحزاب الكردية في تركيا أثنت على خطوة إجراء الاستفتاء في كردستان العراق، لكن حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا خارجا على القانون، يرفض إجراء الاستفتاء ويعتبره حيلة دعائية يهدف منها بارزاني البقاء في السلطة، ويصر الحزب على ضرورة أن يعمل الأكراد بدلا من هذا على تبني فكرة “حكم ذاتي ديمقراطي”.
تهدد إيران
يتشكل الوضع الداخلي الإيراني من مجموعة من العرقيات أبرزها الفرس والأتراك الأذريون والقاجار والعرب والأكراد واللّر والسيستانيون والبلوش والتركمان والغيلك والمازندرانيون.
وبعد انتصار الثورة الخمينية استطاع نظام الثورة السيطرة على الأكراد في إيران بعد أن وجد قسما كبيرا منهم ينتمي إلى الطائفة الشيعية كما تعامل مع الجزء الآخر منهم من خلال الأيديولوجية القومية وأصولهم الإيرانية.
وتتخوف إيران من أن يحرك انفصال كردستان العراق بعض الإنفصاليين الأكراد لديها ما يثير مشاكل تهدد استقرارها خاصة وأن الأكراد الإيرانييون ينتشرون في كل البلاد.
كما تتخوف من تنامي النزعة الانفصالية لدى القوميات الأخرى مثل “العرب والبلوش والأذريين” ما يهدد وحدة إيران، إضافة إلى تخوفها من تصاعد النفوذ الإسرائيلي والسعودي في كردستان ما يمثل تهديدا للأمن القومي الإيراني.
وعلى هذا الأساس؛ فإن تخوف إيران من استقلال كردستان العراق مرده خشيتها من تحوّل هذه المنطقة إلى بؤرة نفوذ أقوى لأعدائها.
إثارة النزعة الإنفصالة
ويرى سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية وجود تأثيرات سبلية على المنطقة من استفتاء كردستان العراق، مشيرا إلى أنه سيزيد النزعة الانفصالية لدى بعض الأقليات والعرقيات الموجودة في الدول العربية مثل النوبة في مصر والصحراء الغربية في المغرب والأكراد في سوريا والأقليات في السعودية.
وأوضح في تصريحات صحفية أن الاستفتاء سيزيد القلاقل والتوتر داخل منطقة الشرق الأوسط، وأن المستفيد الأول والأخير هي إسرائيل التي تغذي الصراعات والأزمات داخل المنطقة العربية.
اضف تعليقا