العدسة – منصور عطية

بات من المؤكد أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لديه المزيد من التوجهات الصادمة للمجتمع السعودي المحافظ فيما يتعلق بالمرأة السعودية، بعد سلسلة من القرارات التي وصفت بالتغريبية على شاكلة قيادتها للسيارة وحضورها لملاعب كرة القدم، وخلافه.

هذه النتيجة ليست مجرد توقعات أو احتمالات، بل وعود وتعهدات قطعها ابن سلمان على نفسه ضمن مجموعة من التصريحات النارية المثيرة في مقابلة مع شبكة “سي بي إس” الأمريكية.

وبلاشك، فإن الشاب الثلاثيني يسعى إلى اجتذاب فئات المجتمع الناقمة على ما يرونه انغلاقا فكريا وثقافيا فُرض على البلاد منذ عقود، خاصة الشباب والفتيات، وذلك في مساعيه الحثيثة على طريق الجلوس على عرش المملكة رسميا، وهو الأمر الذي لن يوقفه عنه إلا الموت، بحسب تعبيره.

ابن سلمان يبشر

وخلال المقابلة، بشر ولي العهد بمزيد من الخطوات على الطريق ذاته، كاشفا عن التوجه لسن قوانين و”اتخاذ إصلاحات جديدة بشأن المرأة السعودية”، من بينها مساواتها في الراتب مع الرجل.

ولعل العنوان الرئيسي لتوجه ابن سلمان هو قوله: إن “المرأة السعودية لم تحصل على كامل حقوقها بعد.. هناك حقوق منصوص عليها في الإسلام ولم تحصل عليها، قطعنا شوطا كبير جدا في هذا الشأن وبقي القليل”.

الاختلاط والزي كانا حاضرين في تصريحات الأمير، كمجالين لتغييرات قادمة، حيث قال: “لدينا متطرفون يحرمون الاختلاط بين الجنسين، وغير قادرين على التمييز بين وجود رجل وامرأة بمفرهما، ووجودهما في مقر عملهما معا، هذه الأفكار تناقض أسلوب الحياة التي كان يعيشها المسلمون زمن الرسول والخلفاء”، على حد تعبيره.

وتابع: “قوانين الشريعة تنص على ارتداء النساء ملابس محتشمة ومحترمة كالرجال، لكن ديننا لا ينص حرفيا على ضرورة ارتداء عباءة سوداء أو حجاب أسود”، في إشارة إلى الزي التقليدي للسعوديات.

الغاية الكبرى من تلك التوجهات لم تخفِها تصريحات ولي العهد، وهي السعي للتشبه بباقي دول الخليج فيما يخص وضع المرأة، وهو الوضع المتحرر لأبعد الحدود في دولة مثل الإمارات، وبدرجة أقل في الكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان.

ففي رده على ما قصده في تصريح سابق بأنه سيعيد بلاده إلى الإسلام المعتدل، أشار إلى أن السعودية كانت تعيش حياة طبيعية مثل باقي دول الخليج حتى أحداث عام 1979، في إشارة إلى حادث اقتحام الحرم المكي بواسطة جماعة جهيمان العتيبي، ورأى أن “الممارسات الإسلامية في السعودية بعدها كانت قاسية ومتزمتة”، على حد قوله.

سلسلة لم تنته

تتبع الفترة القصيرة الماضية، يكشف عن سلسلة من التوجهات والقرارات التي صبت جميعها في اتجاه المرأة السعودية، لتُحِل أمورًا كانت حرامًا، وتقحمها في مجالات كانت على مدار عقود حكرًا على الرجال.

ففي سبتمبر الماضي، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أمرًا بمنح المرأة حق قيادة السيارات، بعد حظر استمر لعقود، وفي الشهر نفسه سُمح للنساء بالمشاركة في فعاليات الاحتفال باليوم الوطني للمملكة بإستاد الملك فهد الدولي بالرياض، وسمحت الهيئة العامة للرياضة بدخول المرأة الملاعب السعودية، بداية من مطلع عام 2018.

وفي توقيتات مختلفة على مدار الأشهر الماضية، اخترقت المرأة السعودية العديد من الوظائف في مختلف المجالات بدا أنها جاءت في سياق مُعَدٍّ سلفًا، حيث أعلنت وزارة الداخلية، لأول مرة، عن وظائف عسكرية نسائية برتبة (جندي) لحملة الثانوية العامة فأعلى، كما عقدت مديرية الدفاع المدني اجتماعا بوزارة الخدمة المدنية، لاعتماد وظائف نسائية تحت مسمى “مسؤولة سلامة”.

وزارة العدل لم تكن بعيدة عن تلك التوجهات، حيث فتحت النيابة العامة باب تعيين النساء السعوديات بمهنة “ملازم تحقيق”، وفق مجموعة من الشروط.

ولم تكن تلك المهنة هي الأولى التي يسمح بقبول ممارستها للمرأة السعودية بوزارة العدل، إذ يسمح بتعيين النساء في 4 مجالات مختلفة هي: وحدات الاستقبال والإرشاد، إدارة صحائف الدعوى والمواعيد، وحدات الصلح والإرشاد الأسري في محاكم الأحوال الشخصية، واستحداث أقسام مختصة بالوزارة لاستقبال شكاوى المستفيدات ومتابعتها.

وفي سياق ما وصفته الخطوط الجوية السعودية بـ”السعودة النسائية”، أعلنت استقبال النساء للعمل بالطواقم الأرضية والجوية بالمطارات، وعلى متن الطائرات التي تتبع الخطوط السعودية.

ومع السماح للمرأة بقيادة السيارات، يتيح ذلك الفرصة لها لتعمل ببعض المهن التي تتعلق بالمجال نفسه، سواء بقطاع المبيعات أو القيادة والتدريب وخدمات ما بعد البيع.

وتولت 3 نساء سعوديات 3 وظائف بالقطاع المالي والمصرفي، فبراير الماضي، وشملت الوظائف مناصب: رئاسة مجلس إدارة إحدى المؤسسات المالية السعودية، والرئيس التنفيذي، والمدير.

طموح بلا سقف

ما أعلنه ولي العهد السعودي عن خططه المستقبلية فيما يخص القرارات بشأن المرأة، يكشف إلى حد بعيد أن تلك الخطط ربما ليس لها سقف محدد، فهي -وفق تصريحه- تسعى للمساواة مع الرجل في الرواتب، وعدم الإلزام بالزي التقليدي “العباء وغطاء الرأس الأسودان”، فضلا عن فتح باب الاختلاط بين الجنسين.

الجزئية الأخيرة الخاصة بالاختلاط قد تذهب بعيدا عما صرح به الأمير الشاب، فلا تتوقف عند حدود العمل، بل تمتد إلى المدارس والجامعات ومختلف الأماكن العامة، والتي يُحظر فيها جميعا هذا الأمر منذ عقود.

ورغم أن مسألة الزي التقليدي عُرفية وليست إلزامية، لكنها تجذرت بشدة في المجتمع لتصبح جزءا من تكوينه، لكن ما بشر به ابن سلمان يبدو أنه سيؤول إلى قانون أو أمرٍ ما ينص على عدم إلزام المرأة بزي محدد في الأماكن العامة.

الأمر الثابت ووثيق العلاقة مع كل ما سبق، وما يلحق من قرارات هو غَلُّ يدِ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقليص صلاحياتها التي كانت تصل إلى حد التوقيف بالقوة، إلى حد أصبحت معه منزوعة الدسم ولا يختلف كثيرا وجودها من عدمه.

لكن مع كل الزخم الذي تُظهره تلك القرارات، لا تزال المرأة السعودية في انتظار الكثير من الحقوق بحسب تقرير سابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، التي أشارت في تقرير لها إلى أن نظام ولاية الرجل على المرأة، يحتم على هذه الأخيرة أخذ تصريح من ولي أمرها إذا أرادت السفر أو الزواج أو الدراسة في الجامعة أو حتى الحصول على رعاية صحية، كما أنها تحتاج إلى محرم لكي تدرس في الخارج.

ووفق التقرير، يكون للرجل امتيازات عديدة فيما يخص قضايا الأسرة المعروضة على المحاكم، إذ يوجد “تمييز صارخ في أحكام الطلاق”.

وربما لا يتوقف سيل التكهنات عن محاولة تفسير ما قصده ولي العهد بأن “المرأة السعودية لم تحصل على كامل حقوقها بعد”، لكن الترجيحات الأعم تصب في خانة بعض التغييرات الشكلية التي تصبو إليها أجيال شابة تتمرد على الوضع الحالي، تحديدا فيما يخص الاختلاط والزي.

فهل يجرؤ ابن سلمان على إلغاء نظام الولاية، أو حتى إدخال تعديلات عليه تفرغه من مضمونه، وتترك الحرية كاملة للمرأة في العمل والسفر والزواج؟.

كبار العلماء مستعدون

ربما يقدم الماضي القصير لابن سلمان في منظومة الحكم إجابة شافية، حيث تمكن عبر ما تقدم من قرارات وتوجهات وما ينوي اتخاذه من الاصطدام بعمق الثقافة والعادات والأفكار المتجذرة بالمجتمع السعودي، على نحو يسمح له بمزيد من الصدام، في ظل بعدين هامين.

أولهما: أن العشرات من الدعاة والعلماء والأكاديميين والإعلاميين المؤثرين في المجتمع رهن الاعتقال منذ أشهر، وهو بذلك يضمن ألا يهمس أحد بمعارضة قراراته أو دفع الناس إلى رفضها.

أما البعد الثاني، فيتمثل في وجود هيئة كبار العلماء، صاحبة امتياز الفتاوى المعتمدة، والمستعدة دوما لتبرير قرارات الحاكم وإلباسها زي الشرع.

ولعل تلك الفتاوى المتعلقة بالمرأة حازت النصيب الأكبر من الفتاوى المتضاربة، ولعل المثال الأحدث والأكثر وضوحًا هو قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، فبعد أن كانت “شرًّا”، أصبحت مثالًا لتوخي الملك لما تقرره الشريعة الإسلامية، وهو ما ذهبت إليه الهيئة في تغريدة عبر حسابها على تويتر، تعليقًا على قرار الملك سلمان، الهيئة غرّدت نصًّا: “حفظ الله خادم الحرمين الشريفين، الذي يتوخى مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما تقرره الشريعة الإسلامية”.

اللافت، أن الأمر السامي يكشف تعارض الفتوى التي استند إليها، والصادرة من الهيئة مع فتوى أخرى منشورة على الموقع الرسمي للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (التي يرأسها المفتي)، برقم (2932)، جاء نصها كالآتي: “لا يجوز للمرأة أن تسوق السيارة في شوارع المدن، ولا اختلاطها بالسائقين؛ لما في ذلك من كشف وجهها أو بعضه، وكشف شيء من ذراعيها غالبًا، وذلك من عورتها، ولأن اختلاطها بالرجال الأجانب مظنة الفتن ومثار الفساد”.

وفي 2013، شهدت السعودية حملة قادتها ناشطات دعون لقيادة المرأة للسيارة في 26 أكتوبر، الأمر الذي أسفر عن ملاحقات أمنية تعرضت لها الداعيات للحملة، وتوجيهات على جميع المستويات بتضييق الخناق على تلك الدعوات، وبعد أقل من شهر على تلك الدعوة، رأى المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، أن قرار منع المرأة من قيادة السيارة هو “حماية للمجتمع من الشر”.

وفي سبتمبر 2011 أصدر العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أمرًا ملكيًّا يسمح للمرأة بعضوية مجلس الشورى، والترشح والانتخاب في الانتخابات البلدية، وحينها وصف مفتي المملكة عبدالعزيز آل الشيخ الأوامر بأنها “كلها خير”، قائلًا في تصريحات صحفية: “نحن في بلد الإسلام ونرجو الله أن يثبتنا على الحق ويرزقنا الاستقامة والهدى”.

غير أنه وبالبحث في موقع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، وُجدت فتوى معاكسة أصدرها “آل الشيخ” نفسه تحت عنوان “مشاركة المرأة في السياسة”، وكانت عبارة عن رد على تساؤل بشأن المطالبات بمشاركة المرأة في الانتخابات ودخول مجلس الشورى.

ومما قاله المفتي في فتواه نصًّا: “إن مثل هذه المطالبات يجب أن يعاد النظر فيها، هل هي تخدم دين الإسلام؟”، وقال: “إن الأمر أيها الأخوات.. استمرار لمكائد الأعداء ضد هذه الأمة، لن يألوا جهدًا في إيصال الأذى إلينا، لن يألوا جهدًا في تفريق صفنا وتشتيت كلمتنا، لن يألوا جهدًا في إيقاع الفتنة بيننا، وما يروجون له في هذه العصور المتأخرة من حقوق المرأة كل هذا نوع من أنواع الكيد”.