العدسة : محمد العربي

زيارة لها أبعادها الخارجية أكثر من الداخلية ، فبعيدا عن ملف حقوق الإنسان الذي قد يكون غير مطروح بين القاهرة وباريس في زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسط ضغوط محلية فرنسية لردع القمع المصري، تتصدر الأزمة الليبية ملف المباحثات المرتقبة بحسب المراقبين.

واستبق الجانب المصري الزيارة بترويج مقربين من عبد الفتاح السيسي لاختيار سيف الإسلام القذافي رئيسا لليبيا في المرحلة المقبلة رغم أنه مطلوب للمحاكمة الدولية ، في ظل وضع غير مستقر تبعث به أيادي الإمارات بمساعدة الجنرال خليفة حفتر، وهو ما قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه وتعقيد ما يمكن حله، ويخشاه الجانب الفرنسي الذي يحاول أن يكون صاحب وضع مميز في الأراضي الليبية قبل وبعد الحل.

الأولوية ليبيا !

تحتل الأزمة الليبية مركز الصدارة في مباحثات (ماكرون- السيسي) ، في ظل تطورات الأوضاع هناك ، والتي تحاول فرنسا لعب دور أكبر فيها خلال الفترة المقبلة .

وبحسب تقارير عربية فمن المقرر أن يتباحث ماكرون والسيسي بشكل موسع حول الأزمة الليبية، في ظل التحفظ المشترك على المقاربات الإيطالية لهذا الملف، حيث يبدو ماكرون أكثر تحمساً من أي وقت مضى لتفعيل مبادرة حقيقية لتوحيد الجيش الليبي تأسيساً على الجهود التي يبذلها السيسي وتقرأ دائماً في سياق دعمه ودعم الإمارات لقائد قوات برلمان طبرق اللواء المتقاعد خليفة حفتر والرغبة المشتركة في زعزعة مركز المجلس الرئاسي القائم والالتفاف على اتفاق الصخيرات، وهو ما أكده عبد الرحيم علي، عضو مجلس النواب الموالي للنظام ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط ، موضحا في بيان له نشرته صحف النظام أنه من المنتظر أن تتطرق مباحثات السيسى – ماكرون إلى آخر المستجدات على الساحة الإقليمية فى ظل الأزمات التى تمر بها عدة دول فى المنطقة، وفى مقدمتها الملف الليبى بجانب الوضع السوري وتأكيد أهمية تضافر الجهود الدولية للتوصل إلى حلول سياسية لهذه الأزمات ، خاصة وأن البلدين (سوريا وليبيا) يشهدان تطورات مهمة فى هذه المرحلة وفق البيان.

ووفق ” فرانس 24 “ يأتي ماكرون معولا كثيرا على علاقة القاهرة بالسعودية والإمارات وسوريا وروسيا، حيث أن أكثر ما يشغل الفرنسيين هو الوضع الأمني في ليبيا وتأثيره على دول الاتحاد الأوروبي شمالي البحر المتوسط، فباريس تريد مناقشة الترتيبات الأمنية في هذا البلد المجاور لمصر والذي تعصف به الفوضى منذ سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي في 2011 والانقسام الذي تعاني منه البلاد بين سلطتين متصارعتين إحداهما معترف بها دوليا في طرابلس والأخرى تحظى بدعم مصري إماراتي في بنغازي.

وأضافت “فرانس 24 ” أن فرنسا في هذا الإطار أعلنت مرارا مساندتها للدور الذي تلعبه القاهرة في ليبيا من أجل توحيد الأطراف المتصارعة وإعادة بناء الجيش الليبي ليصبح قوة قادرة على حفظ الأمن والسلام في المنطقة، مؤكدة أنها نفس الجهود التي تقوم بها أيضا فرنسا على الساحة الليبية منذ وصول إيمانويل ماكرون للسلطة واستقباله أكثر من مرة للمشير حفتر، رأس السلطة في بنغازي وغريمه رئيس الحكومة الليبية في طرابلس فايز السراج.

كما تأمل فرنسا أن يكون للاستقرار في ليبيا نتائج إيجابية على ملف الهجرة غير الشرعية في البحر المتوسط، حيث أن ليبيا هي البوابة الرئيسية لأفواج اللاجئين القادمين من أفريقيا والذين يصلون إلى السواحل الأوروبية بالآلاف كل عام ، ولذلك تريد فرنسا تأمين السواحل الجنوبية للمتوسط لمنع تدفق هؤلاء اللاجئين وتجنب المآسي الإنسانية التي تحدث نتيجة غرق الآلاف منهم كل عام.

وحسب تقارير ليبية كذلك ، ترى باريس أن لمصر دورا في هذا الملف خصوصا في الجوانب الأمنية وتوحيد المؤسسة العسكرية، فيما تعول باريس على العلاقة الاستراتيجية القديمة بين البلدين ودور مصر في التوازنات الإقليمية والاستقرار وأمن المنطقة ، حيث تنتمي باريس والقاهرة لمجموعة عمل من 6 دول كان من المفترض أن تجتمع في لندن لبحث الوضع الليبي والتحركات العسكرية جنوبي البلاد.

عودة القذافي!

إلى هنا كان من الممكن أن تنتهي المقابلة إلى ما انتهت إليه محادثة هاتفية جرت بين السيسي وماكرون في أغسطس 2018 وناقشت كذلك مستجدات الأوضاع في ليبيا وسبل تعزيز التعاون الثنائي بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، ولكن ظهور اسم “سيف الدين القذافي” في الكواليس الدولية الليبية وترشحه للرئاسة بدعم مقربين من النظام المصري قد يغير أجواء المقابلة قليلا بحسب البعض.

المحادثة الهاتفية انتهت إلى أهمية دعم جهود التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة من خلال مساندة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا في مهمته، واستكمال التوافق حول مختلف القضايا المعلقة عبر التوافق الوطني بين كافة الأطراف الليبية، بحيث يكون الحل النهائي للأزمة من صنع الليبيين أنفسهم، وبما يلبى طموحاتهم في استعادة الاستقرار والأمن!.

ووفق ما كشفته صحيفة “العربي الجديد”، فقد عقد لقاءا على مستوى رفيع مؤخرا  جمع سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ومسؤولا إماراتيا بارزا، رجحت أن يكون مدير الاستخبارات الخارجية ومستشار الأمن القومي في الإمارات، طحنون بن زايد، ومسؤولا أمنيا مصريا رفيع المستوى. وقالت المصادر، إن اللقاء كان يهدف بشكل أساسي إلى مناقشة إعادة ترتيب البيت الليبي، وفقاً لتصور التحالف المصري الإماراتي، وناقش المستقبل السياسي لنجل حاكم ليبيا المخلوع، وإمكانية الاستعانة به مجدداً لتوحيد قطاع من القبائل الليبية حوله وخوضه أي انتخابات رئاسية مقبلة في ليبيا.

دور السيسي

القاهرة متداخلة إلى أبعد حد في تهيئة” سيف القذافي ” للمشهد الجديد ، حيث تعمل بشكل واضح مع الإمارات لإضعاف السراج إلى أبعد مدى، لإسقاط الدعم الدولي عنه، وترسيخ تصور بأن قوات “حفتر” هي الوحيدة التي يمكنها بسط السيطرة على الأراضي الليبية، لتوحيد الجيش ثم العودة بنجل معمر القذافي للمشهد، وهو الملاحظ في وسائل الإعلام المصرية الموالية.

اللواء سمير فرج، مدير الشئون المعنوية الأسبق في مصر ، في هذا الإطار أعلن من فضائية موالية للنظام أن سيف الإسلام سيخوض انتخابات الرئاسة في ليبيا وأنه يتجول حاليا بين القبائل الليبية لحشد شعبيته للتصويت له في الانتخابات المقبلة، كما دعا النائب المقرب من السيسي ، مصطفى بكري إلى انتخاب “سيف الإسلام” رئيسا في الانتخابات المحتملة.

يأتي ذلك مع دخول الدب الروسي على الخط ، وأعلنت السلطات الروسية في أواخر الشهر الماضي عن زيارة مبعوث لنجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام، إلى موسكو، وتسليمه رسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما طرح تساؤلات عديدة عن موقف موسكو منه في الفترة المقبلة، وهو الموقف الذي كشفته تصريحات لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، حيث قال :” إنه  ينبغي أن يلعب سيف الإسلام القذافي، دورًا في المشهد السياسي الليبي”، بالتزامن مع إبراز وسائل إعلام روسية رسمية استطلاعا للرأي نشرته حركة مغمورة تدعي “مانديلا ليبيا” زعمت فيه أن 90% من المشاركين اختاروا تأييد سيف الإسلام القذافي رئيسا لإعادة بناء الدولة واستكمال المشاريع في البلاد.

وكان الرد في منتصف الشهر الجاري ، حيث أكد سيف الإسلام القذافي ، أن حكومة روسيا تتفهم حقيقة الوضع في ليبيا، وتدعم الحل السياسي في البلاد بمشاركة كافة الأطراف الليبية ، وذلك في رسالة لرئيس اللجنة الروسية للتضامن مع الشعبين الليبي والسوري، سيرغي بابرون،

هذه المعضلة واضحة لدى فرنسا ، وذلك بحسب صحيفة “التايمز” البريطانية والتي أكدت في تقرير حديث لها أن التحركات الواضحة لترشح سيف الإسلام يثير التساؤلات حول موقف القوى الغربية، خاصة فرنسا وبريطانيا،  في ظل أن نجل القذافي لا يزال مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية في اتهامات بجرائم ضد الإنسانية والقتل والاضطهاد.

ووفق موقع “ار اف اي” الفرنسي فإن الغرب – وخاصة فرنسا – وإسلاميو ليبيا لا يرون في شخص الابن الأصغر لمعمر القذافي زعيما جديدا لليبيا على الأقل في الوقت الراهن، خاصة أنه لا يزال مطلوبا من قبل المحكمة الجنائية الدولية ولم يسلم نفسه.