“الكثير من الجهود المبذولة في أبو ظبي وأماكن أخرى هامة جدا في الحقيقة، وتمنح تفسيرا مختلفا للإسلام”..

بهذه الكلمات عبر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، عن منظومة أفكار تمثل لوبي السياسة والإعلام الممول من جانب سلطة الحكم بالإمارات العربية المتحدة، في حوار أجراه مع صحيفة “ذا ناشونال”، الأحد (22 أكتوبر).

 فالدولة الخليجية التي قدمت “دبي” للعالم ليست مجرد قطب اقتصادي لدى دوائر السياسة والاستخبارات الغربية، بل مثال نموذجي لما ينبغي عليه أن تكون الدولة في عالم العرب والمسلمين، المصدر لأفكار العنف والتطرف والإرهاب، حسبما يرى بلير.

 ووفق هذا المنظور، فإن النموذج الإماراتي عابر للانفتاح الرأسمالي العالمي إلى ما هو أبعد من الاقتصاد، إذ يقدم “نسخة مختلفة للإسلام السائد”، يرى بلير والعديد من الساسة الغربيين المحسوبين على “اللوبي الإماراتي” ضرورة تعميمها.

 وما يضمن حماية هذه النسخة هو “وجود نظام حكم قوي وراسخ، ودولة تتحول لمرحلة المعاصرة وتتحرك في اتجاه التسامح، ومنح المساواة بين الرجل والمرأة”.. يقول بلير.

” توني بلير “

 ماكلروي وشبكة بلير

 تصريحات بلير، المضمنة بالحوار، ليست سوى جزء من سياق نشرت جريدة “ميل أون صنداي” البريطانية تقريرا مطولا بشأنه، كشفت فيه عن “شبكة من السياسيين والإعلاميين” استطاعت الإمارات تطويعها، عبر تعاقدات ضخمة أبرمتها مع شركات للعلاقات العامة، بهدف التأثير على السياسيين والرأي العام البريطاني، ويمثل “بلير” أهم أهم الشخصيات البارزة بها.

 وفي هذا السياق، كال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق المديح للنظام الإماراتي “الرائد في مكافحة التطرف والنموذج الذي يجب أن يحتذي به الآخرون”، بحسب تعبيره، ما اعتبره مراقبون جزءا من حملة علاقات عامة يقودها بلير ضمن دوره في لوبي دعم أجندة أبوظبي حول العالم.

 لكن هؤلاء المراقبين لم ينتبهوا إلى دور صحفي “ذا ناشونال” ودوره البارز في اللوبي ذاته، وهو الخطأ الذي غالبا ما يقع فيه المحللون عندما يسلطون الأضواء على “المتحاور معه” دون “المحاور”.

 إنه داميان ماكلروي، مدير مكتب الصحيفة الإماراتية في لندن، الذي عمل نائبا لرئيس تحرير القسم الخارجي بصحيفة “ذا صنداي تايمز” البريطانية الشهيرة قبل نحو عام (2016).

” ماكلروي “

ماكلروي عمل كذلك مراسلا للشؤون الخارجية بصحيفة التليجراف على مدى 8 أعوام (خلال الفترة من سبتمبر 2006 حتى نوفمبر 2014) حيث غطى الحروب والأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية والصراعات السياسية وأحوال الشعوب في مناطق آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا والولايات المتحدة وأوروبا.

وإذا كان دور لوبي دعم الإمارات بدوائر السياسة والإعلام الغربية هو “إيصال معلومات لصحفيين ليقوموا بدورهم بنشر مقالات في صحف تسعى إلى تشويه خصوم أبوظبي، خاصة قطر والإخوان المسلمين”، وفقا لما أورده تقرير “ميل أون صنداي”، فإن أرشيف الصحافة البريطانية كفيل بتقديم الدليل على أن ماكلروي أحد أهم نماذج “الأذرع الإعلامية” في هذا اللوبي.

فالصحفي البريطاني، المشهور بعلاقاته النافذة، طالما سخر تقاريره وحواراته مع مسؤولين ومعارضين لتلميع الإمارات وحلفائها والنيل من خصومها، والترويج لنسخة “إسلام مختلف” كتلك التي بشر بها بلير.

من هنا يمكن قراءة العلاقة التي تجمع “المحاور” مع “المتحاور معه” في حوار “ذا ناشونال”، فاللوبي الإماراتي، السياسي والإعلامي، فاعل للغاية في العاصمتين، الأميركية والبريطانية، ويعتمد على تكوين “شبكة تمويل” لدراسات ومقالات ووثائقيات تلفزيونية وورش عمل تحمل البعد الثقافي في ظاهرها، وتضمر في طياتها شن حملات سياسية هدفها الترويج لسياسات خارجية تتبناها الإمارات وحلفائها، خاصة مصر، وأحيانا السعودية، أو مهاجمة سياسات تعتمدها دول مثل قطر وتركيا، ووصمها بالتطرف والإرهاب.

عقد كويلر كونسالتنس

 ويعود تاريخ وصول هذه الشبكة إلى مستوى عال من التنظيم إلى ما قبل “الربيع العربي” بشهور قليلة، وتحديدا في عام 2009، عندما وقعت الإمارات عقدا بقيمة 60.000 جنيه استرليني مع شركة العلاقات العامة “كويلر كونسالتنس” مدته 6 أعوام بهدف “نشر وتحقيق أهداف السياسة الخارجية للإمارات”.

 كل النشاطات التي تمثل جزءا من هذا العقد تمت بسرية تامة، عبر حلقة وصل رئيسية تمثلت في المسؤول السابق في الخارجية البريطانية، جيرارد راسل، وهو الخبير في شؤون العالم العربي،  الذي اختاره “بلير” ليترأس “وحدة الإعلام العربي” في وزارة الخارجية بعد هجمات 11 سبتمبر.

وبالعودة إلى أرشيف ماكلروي في “تليغراف” يمكن قراءة الصلة بين مضمون ما كان ينشره بالصحيفة الشهيرة وبين بنود العقد، وهو ما بدا واضحا في تغطية لزيارة “إليزابيث”، ملكة بريطانيا، للإمارات بصحبة الأمير فيليب، عام 2010.

تقرير التليغراف في هذا الوقت استعرض تصريحات لوزير الخارجية البريطاني شددت على أهمية دعم علاقات الدفاع المشترك مع دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات، وهو ما تمت ترجمته آنذاك، عبر زيارة قام بها رئيس الوزراء البريطاني السابق، دايفيد كاميرون، لأبوظبي بعد شهر واحد من توليه المنصب.

 ماكلروي والربيع العربي

 ظل ماكلروي مؤديا لدوره في عقد “كويلر كونسالتنس” عبر التليغراف طوال فترة الربيع العربي، التي لعبت فيها الإمارات، والقوى المدعومة منها، دور الثورة المضادة، عبر ترسيخ الانقسام السياسي بين التيارات الإسلامية من جانب وباقي التيارات السياسية من جانب آخر، باعتبار أن “الإسلام السياسي” هو “العدو الاستراتيجي” بحسب تصنيف أبوظبي.

ومن هنا يمكن قراءة الحملة التي تبناها ماكلروي لمناهضة قانون الأحوال الشخصية، المؤسس على المذهب الشيعي في العراق، عام 2014، متبنيا آراء التيارات العلمانية المناهضة لسلطة حزب الدعوة وحلفائه في هذا الوقت.

 ركزت الحملة على خطورة القانون الذي يحدد السن القانوني للزواج بـ 18 سنة بدون موافقة الأهل، أو 15 بشرط موافقة ولي الأمر، وهو ما يعتبره نشطاء حقوق الإنسان نسخة من قانون شبيه في إيران، بما يتناقض مع مواثيق الأمم المتحدة التي حددت سن 18 سنة ضمن فترة الطفولة.

 وفي هذا الإطار، نقل ماكلروي مواقف الإدانة المتعددة للمنظمات الحقوقية الدولية تجاه القانون، وعلى رأسها هيومان رايتس ووتش، بينما تغاضى تماما عن ذكر تقارير هذه المنظمات بشأن الانتهاكات الحقوقية المنسوبة لدولة الإمارات، خاصة فيما يتعلق بالكشف مؤخرا عن “سجون سرية” تابعة لأبوظبي داخل الأراضي اليمنية، وذلك رغم اختصاصه بالشؤون الدولية.

 ازدواجية ماكلروي تفسرها إحصائية تعود إلى عام 2016 تظهر أن الإمارات تدفع، من خلال سفارتها في واشنطن، نحو 14 مليون دولار سنوياً لشخصيات سياسية وإعلامية حول العالم، من خلال ربطها بعلاقات مباشرة مع السفير يوسف العتيبة، الذي يعتبر العقل المدبر لحركة اللوبي الإماراتي في الغرب.

 ولذا لم يكن غريبا أن تسلط حملة ماكلروي الضوء على موقف السياسي العراقي “إياد علاوي” تحديدا، فهو حليف الإماراتيين من جانب، وممثل العلمانيين من ذوي الخلفية الشيعية، من جانب آخر.

” إياد علاوي ” 

نقل ماكلروي عن علاوي تحذيرا يحمل في طياته صبغة دينية مستترة، عندما حذر من  أن “تمرير القانون سيقود إلى الاعتداء على النساء؛ لأنه يسمح بتزويج البنات في سن التاسعة ويحتوي على وجوه ظلم أخرى”.

لماذ التاسعة تحديدا؟ إنه الرقم الذي أورده تقرير الصحفي المحسوب على اللوبي الإماراتي، في إشارة إلى تلك المرويات التي تنسب لرسول الإسلام بشأن زواجه من السيدة عائشة وهي في هذا السن، الأمر الذي يستشهد به بعض أنصار التيارات الدينية، ويشكك البعض الآخر في موثوقيته.

ومع استمرار تقدم قوى الثورة المضادة في كل بلدان الربيع العربي، انتقل ماكلروي للعمل في “ذا ناشونال” الإماراتية بشكل صريح، وكان له دور بارز في توجيه التغطية الخاصة بأزمة إعلان السعودية ومصر والبحرين مشاركتها الإمارات في مقاطعة شاملة لدولة قطر.

مؤتمر المعارضة القطرية

 في هذا السياق، وفي السادس من سبتمبر 2017، أجرى ماكلروي حوارا مع القطري المقيم ببريطانيا، خالد الهيل، امتلأ بالانتقادات اللاذعة للنظام الحاكم في الدوحة.

ونقل تقرير للصحفي البريطاني عن “الهيل” قوله إن “التاريخ القطري في الإطاحة بالأمراء، ما يجعل القائد الحالي (الأمير تميم) ووالده (حمد بن خليفة آل ثاني) بعيدان جدا عن الشعب”.

وعلى التوازي، سلط ماكلروي بؤرة تغطيته على “مؤتمر المعارضة القطرية” في لندن، مشيرا إلى أن “الهيل”، الذي يعيش في المنفى، حصل على دعم عضو البرلمان البريطاني المحافظ، دانيال كاوتشينسكي، لتنظيمه.

وركز التقرير على دعوة كاويتشنسكي لإعادة تقييم العلاقات مع قطر في ظل خطورة ادعاءات المعارضين ضدها.

وفي الخلاصة، نقل ماكلروي عن الهيل أن “الضغوط الداخلية من مواطنين قطريين ساخطين تتضح بشكل متزايد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والتقارير الإعلامية مفتوحة المصدر”.

لم تكن تقارير وحوارات ماكلوري إذن سوى جزء من حملة يقودها الجناح الأول للوبي النفوذ الإماراتي في بريطانيا، في وقت أحرز فيه الجناح الثاني للوبي في واشنطن نجاحات لا تقل أهمية، خاصة في ظل وجود قائد اللوبي هناك سفيرا لدولة الإمارات.