في واحدة من أكبر الفضائح في تاريخ كرة القدم، يواجه نادي مانشستر سيتي، المملوك لنائب رئيس دولة الإمارات ونائب رئيس وزرائها، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، اتهامات خطيرة بتجاوز القوانين المالية للدوري الإنجليزي الممتاز، حيث يلاحقه 115 اتهامًا تتعلق بالتلاعب المالي، تقديم بيانات زائفة، وتضخيم الإيرادات بصورة غير قانونية. وبينما يحاول النادي التهرب من المساءلة، باتت القضية تكشف عن حقيقة أكثر خطورة، وهي استغلال الإمارات لكرة القدم كأداة لغسيل السمعة والتغطية على انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في المنطقة العربية، في ظل تورطها في قمع الحريات، الاعتقالات السياسية، والتدخلات العسكرية المشبوهة.
منذ استحواذ الشيخ منصور على مانشستر سيتي في عام 2008 مقابل 200 مليون جنيه إسترليني، تحول النادي من فريق متواضع إلى أحد أقوى الفرق في العالم، بفضل سياسة إنفاق غير مسبوقة أدت إلى التعاقد مع كبار اللاعبين والمدربين، ما مكنه من الهيمنة على الدوري الإنجليزي الممتاز والفوز بدوري أبطال أوروبا. لكن هذا النجاح لم يكن وليد تخطيط رياضي سليم، بل جاء نتيجة مخالفات مالية ممنهجة كشفتها التحقيقات الأخيرة، التي أظهرت كيف استغل النادي علاقاته مع الشركات الإماراتية لضخ أموال طائلة بشكل غير مشروع، في خرق واضح لقوانين اللعب المالي النظيف.
التلاعب المالي: كيف تلاعب مانشستر سيتي بالقوانين لتبرير إنفاقه الضخم؟
وفقًا لتقارير الدوري الإنجليزي الممتاز، فإن مانشستر سيتي تورط في تقديم معلومات مالية زائفة بين عامي 2009 و2018، حيث تضمنت هذه المعلومات تضخيم إيرادات الرعاية التي يحصل عليها النادي من شركات مرتبطة بحكومة أبوظبي، مثل شركة الاتحاد للطيران، بهدف إخفاء الإنفاق الحقيقي وتجاوز قيود اللعب المالي النظيف. وتشمل التهم الرئيسية:
- 54 تهمة تتعلق بعدم تقديم معلومات مالية دقيقة وحديثة عن أوضاع النادي.
- 14 تهمة بعدم الإفصاح عن التفاصيل الحقيقية لرواتب اللاعبين والمدربين.
- 5 تهم تتعلق بانتهاك لوائح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) الخاصة باللعب المالي النظيف.
- 7 تهم بخرق قوانين الدوري الإنجليزي المتعلقة بالربحية والاستدامة.
- 35 تهمة بعدم التعاون مع تحقيقات الدوري الممتاز بين عامي 2018 و2023.
هذا النمط من التجاوزات يشير إلى مخطط مالي متعمد لخداع السلطات التنظيمية والالتفاف على القوانين لضمان تفوق النادي رياضيًا على حساب النزاهة المالية، وهو ما دفع بالدوري الإنجليزي الممتاز إلى إحالة القضية إلى لجنة مستقلة للنظر في الاتهامات، وسط توقعات بصدور قرار صارم قد يشمل خصم النقاط، فرض غرامات مالية باهظة، أو حتى الإقصاء من الدوري الإنجليزي الممتاز.
محاولة تسييس القضية: الإمارات تضغط على بريطانيا لحماية النادي
القضية لم تعد مجرد فضيحة رياضية، بل تحولت إلى أزمة دبلوماسية بين بريطانيا والإمارات، حيث كشفت وكالة بلومبيرغ أن مسؤولين إماراتيين ناقشوا القضية خلال اجتماع مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، في محاولة واضحة للضغط على الحكومة البريطانية للتدخل في التحقيقات الجارية. وتشير التقارير إلى أن الإمارات ترى أن التحقيق مع مانشستر سيتي قد يضر باستثماراتها الواسعة في بريطانيا، وهو ما دفعها لمحاولة استخدام نفوذها السياسي والاقتصادي لحماية النادي من العقوبات.
هذا التدخل يؤكد أن قضية مانشستر سيتي ليست مجرد انتهاك رياضي، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تستخدم فيها الإمارات الرياضة كأداة لغسيل سمعتها، والتغطية على سجلها الحافل بالقمع وانتهاكات حقوق الإنسان في الداخل والخارج، خاصة في ظل تورطها في قمع المعارضة السياسية، اعتقال الصحفيين والنشطاء، والتدخل العسكري في عدة دول عربية مثل اليمن وليبيا.
مانشستر سيتي وغسيل الرياضة: كيف تحاول الإمارات تلميع صورتها عبر كرة القدم؟
شراء مانشستر سيتي لم يكن مجرد استثمار في الرياضة، بل كان جزءًا من مخطط ضخم لغسيل الرياضة (Sportswashing)، وهي سياسة تتبعها الأنظمة القمعية لاستخدام الأحداث الرياضية الكبرى والأندية المشهورة لصرف الانتباه عن انتهاكاتها الداخلية. فمن خلال النجاحات التي حققها مانشستر سيتي، تمكنت الإمارات من بناء صورة وهمية عن نفسها كدولة حديثة تدعم الرياضة، بينما تستمر في اعتقال المعارضين السياسيين، تكميم الأفواه، والانخراط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
هذا النموذج لا يقتصر على مانشستر سيتي وحده، بل يمتد إلى استثمارات الإمارات في أندية ومنافسات رياضية أخرى، مثل تمويل سباقات الفورمولا 1، واستضافة فعاليات رياضية كبرى، في محاولة لصناعة صورة دولية إيجابية تتناقض مع واقع القمع في الداخل. ورغم محاولات النظام الإماراتي ترسيخ هذه الرواية، فإن التحقيقات الجارية الآن ضد مانشستر سيتي قد تكشف الحقيقة الكاملة وتضع حدًا لاستخدام الرياضة كأداة لخداع الرأي العام.
ماذا بعد؟ هل يواجه مانشستر سيتي عقوبات تاريخية؟
القضية دخلت مراحلها النهائية، ومن المتوقع أن تصدر اللجنة المستقلة قرارها خلال الأشهر المقبلة. ووفقًا للقوانين المعمول بها في الدوري الإنجليزي الممتاز، فإن العقوبات المحتملة تشمل:
- خصم النقاط، وهو ما قد يؤثر بشكل مباشر على ترتيب مانشستر سيتي في الدوري.
- فرض غرامات مالية ضخمة، تعويضًا عن التجاوزات المالية التي ارتكبها النادي.
- الإقصاء من الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو السيناريو الأسوأ الذي قد يؤدي إلى تدمير مشروع النادي بالكامل.
وفي ظل حجم التهم الموجهة لمانشستر سيتي، فإن أي قرار مخفف سيؤكد مرة أخرى أن المصالح السياسية والاقتصادية تتحكم في مسار العدالة الرياضية، ويثبت أن النظام الإماراتي نجح مرة أخرى في التهرب من المساءلة باستخدام نفوذه المالي والسياسي. لكن في المقابل، فإن هذه الفضيحة قد تفتح الباب أمام المزيد من التدقيق في استثمارات الدول القمعية في الرياضة، وتدفع نحو فرض قيود أقوى لمنع تكرار سيناريو غسيل الرياضة الذي تحاول الإمارات تكريسه.
التحقيقات الجارية ضد مانشستر سيتي ليست مجرد أزمة رياضية، بل هي اختبار حقيقي لمصداقية كرة القدم العالمية، في ظل تزايد الأدلة على أن الأندية الكبرى لم تعد مجرد كيانات رياضية، بل تحولت إلى أدوات سياسية تستخدمها الأنظمة الديكتاتورية لتبييض صورتها. ومع اقتراب موعد صدور الحكم، فإن السؤال الحقيقي ليس ما إذا كان مانشستر سيتي مذنبًا أم لا، بل ما إذا كان المجتمع الدولي سيواصل السماح باستغلال الرياضة كأداة للتغطية على الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان، أم أن هذه الفضيحة ستكون بداية النهاية لعصر غسيل الرياضة الذي تقوده الإمارات.
اضف تعليقا