في أواخر شهر أغسطس/ آب الماضي، نشرت وكالة الأنباء الإماراتية قرارًا لرئيس الإمارات، خليفة بن زايد، بإنشاء ما يسمى بـ “الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان”. ووفق الوصف الرسمي للهيئة المزمع تشكيلها، فإنها مستقلة مقرها الرئيسي في العاصمة أبوظبي، ويجوز لها فتح فروع وإنشاء مكاتب في الإمارات الأخرى. ووفق القرار، فإنه سيكون للهيئة مجلس أمناء لا يقل عن 11 عضوًا، بمن فيهم الرئيس على أن لا يقل عدد المتفرغين عن نصف الأعضاء. وتكون مدة عضوية المجلس أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحد.
كما ادعت السلطات الإماراتية أن هيئة حقوق الإنسان في البلاد ستتمتع بالاستقلال المالي والإداري في ممارسة مهامها وأنشطتها واختصاصاتها وتهدف إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته. وجاء في القرار أن اختصاصات الهيئة ستتمحور حول المشاركة مع السلطات والجهات المختصة في وضع خطة عمل وطنية لتعزيز، وحماية حقوق الإنسان في الدولة، واقتراح آلية تنفيذها، والعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان وتوعية أفراد المجتمع بها بما في ذلك عقد الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش المتعلقة بحقوق الإنسان.
هذا علاوة على تقديم المقترحات والتوصيات والمشورة إلى السلطات والجهات المختصة، ورصد أي تجاوزات أو انتهاكات لحق من حقوق الإنسان والتأكد من صحتها وإبلاغها إلى السلطات المختصة إضافة إلى المشاركة في المحافل الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان.
أكثر القوانين تقييدًا في العالم العربي
وبالطبع، فإن ما ذكر أعلاه لا يتعدى كونه ديباجات محفوظة تُقال لخداع الرأي العام، ولا تمت للواقع بأي صلة. فعلى سبيل المثال، ذُكر أن من أهداف الهيئة رصد أي تجاوزات أو انتهاكات لحق من حقوق الإنسان والتأكد من صحتها وإبلاغها إلى السلطات المختصة. وكأنه ليس هناك أي تجاوزات بل وانتهاكات جسيمة نفذها النظام الإماراتي ضد معارضيه. فمن قبل، صنفت مؤسسة “فريدوم هاوس” الأمريكية الإمارات باعتبارها دولة “غير حرة”، مضيفة أنها قامت بسن “أحد أكثر قوانين الصحافة تقييدًا في العالم العربي”. وأكدت المؤسسة أن “نشطاء حقوق الإنسان المحليين يتعرضون لخطر الاعتقال والمحاكمة وسوء المعاملة خلال فترات الاحتجاز”.
ومن جانبها، حصرت منظمة العفو الدولية أسماء المعتقلين السياسيين القابعين خلف قضبان نظام عيال زايد، ومنهم الحقوقي والمعارض الإماراتي البارز أحمد منصور الذي حُكم عليه عام 2018 بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامة مليون درهم إماراتي بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي حول انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده.
كما إن الإمارات تحتل المرتبة 131 في مؤشر المنظمة لحرية الصحافة الذي يضم 180 دولة، وقد سلطت منظمة “مراسلون بلا حدود” الضوء على افتقار الإمارات لوسائل الإعلام المستقلة وعلى تمريرها لقانون الجرائم الإلكترونية عام 2012 الذي يتم تنفيذه بشكل صارم ضد أي صوت قد يعارض سياسات النظام الإماراتي، أو يطالب بحرية المعتقلين.
لذلك، فإن ادعاءات السلطات الإماراتية بأن هذه الهيئة أنشئت بهدف حماية حقوق الإنسان أقل ما يقال عنها أنها أكاذيب يراد لها أن تروج، خصوصًا لدى الدول الغربية والرأي العام العالمي.
تبييض وجه النظام
وقد فطن العديد من المراقبين والحقوقيين للأهداف الخفية للإمارات من إنشاء هذه الهيئة، منهم هبة زيادين، الباحثة بمنظمة هيومن رايتس ووتش والمتخصصة في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في دول الخليج. حيث قالت “زيادين” تعليقًا على الخطوة الإماراتية الأخيرة، إن خطوة إنشاء الهيئة “ليست سوى مجرد تكتيك جديد في إطار حملة تبييض وجه الإمارات بدأتها منذ عقد لإظهار أن الإمارات وكأنها دولة متسامحة ومحترمة ومنفتحة”.
وأضافت إن “حقيقة الوضع على أرض الواقع مغايرة تمامًا. ففي الواقع لا توجد مساحة أو مجال للمعارضة على الإطلاق في الإمارات. ولا توجد منظمات مجتمع مدني مستقلة منذ عام 2012 وتم سجن الكثير من الأشخاص. ويسود كثيرون حالة من الخوف حيال التحدث علانية خوفًا من تعرضهم لأي أعمال انتقامية فضلًا عن وجود مستوى عال من الرقابة حتى بين الصحفيين والأكاديميين الدوليين المقيمين في الإمارات “.
وتابعت بأنه “سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت الإمارات مستعدة حقًا في الوقت الحالي للتعامل مع منظمات أجنبية”، مؤكدة أنه رغم المحاولات الكثيرة للحصول على تعليق من السلطات الإماراتية للرد على انتهاكات حقوق الإنسان أو الوصول إلى المعتقلين وزيارتهم، إلا أن المنظمة لم تتلق أي رد من الحكومة الإماراتية.
كما تمنت “زيادين” أن تفرج الإمارات عن المعتقلين دون تهم حقيقية، قائلة إن “السماح بدخول مراقبين دوليين ومستقلين إلى الإمارات يعد الخطوة الأولى نحو التزام حقيقي بتحسين حقوق الإنسان”. وأكدت على أن الخطوة الأكثر أهمية تتمثل”في إطلاق سراح كل من تم اعتقاله بدون وجه حق غير أنهم مارسوا الحق في حرية التعبير والتجمع”.
مظلومون خلف القضبان
وإن كانت السلطات الإماراتية حقًا ترغب في معرفة الانتهاكات أو الشكاوى الحقوقية على أراضيها، فإن هناك عشرات المعتقلين والمختفين قسريًا الذين تحدثت عنهم وسائل الإعلام مرارًا، وأرسلت المنظمات الحقوقية الدولية مناشدات بالإفراج عنهم، وفي مقدمتهم الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، والأكاديمي ناصر بن غيث، وأحمد منصور، ومحمد الركن، وعيسى السويدي، فضلًا عن أولئك الذين انتهت محكومياتهم ولا يزالون رهن الاحتجاز والاعتقال التعسفي.
فلم يستجب النظام الإماراتي حتى اليوم للإفراج عن أي منهم، رغم كثرة المطالبات الحقوقي، ورغم معاينة الهيئات الأممية للصبغة التعسفية للاعتقال، وانتزاع اعترافات تحت وطأة التعذيب، والحرمان من ضمانات المحاكمة العادلة ولانتهاك آدميتهم داخل سجون جهاز أمن الدولة الإماراتي.
لذلك، فإنه من الواضح للعيان تدليس النظام الإماراتي فيما يتعلق بإنشائه لـ “الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان”، وأنها لن تكون إلا في خدمة النظام، كأداة لتبييض وجهه وتضليل الرأي العام.
اضف تعليقا