بالرغم من أنه قد أُعلن، قبيل فجر الجمعة الماضية، وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبذا أُنهي العدوان العسكري الصهيوني على القطاع، بعد انتهاكات وجرائم دامت 11 يومًا بحق الفلسطينيين، إلا أن هناك عددًا من التحديات قد  تكون عائقًا يزيد من صعوبة مهمة التوصل إلى اتفاق للتهدئة يضمن استمرار أو تثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين، على غرار الاتفاقات التي كان يجري التوصل إليها بين حركة “حماس” والاحتلال الصهيوني في أعقاب الحروب وجولات التصعيد.

 

 

استهداف قادة المقاومة..

 

ولعل أول هذه التحديات يتمثل بطابع السلوك العسكري الصهيوني في قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار. فقد أكد وزير دفاع دولة الاحتلال، بني غانتس، في مقابلة مع موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن قادة “حماس” سيظلون أهدافاً للاغتيال بعد انتهاء العدوان.

وبالرغم من أن فرص تطبيق الاحتلال الإسرائيلي لتهديده قد تبدو ضعيفة متدنية، لأنها تعني اندلاع مواجهة مباشرة، ورغم أن هذه التهديدات لا تخلو كونها محاولة بائسة من قادة الاحتلال لإظهار انتصار وهمي أو بطولة مزيفة، إلا أن هذا السيناريو يظل وارداً، لا سيما إذا حاول الاحتلال استهداف قيادات القسام أو حماس بآلية الاغتيالات “الصامتة”، التي تجري دون أن تترك أثراً يدل على مسؤوليته عنها، كما حدث عند اغتيال القيادي في كتائب القسام، مازن فقهاء، قبل أربع سنوات.

 

 

أسرى الصهاينة لدى حماس..

 

أما التحدي الثاني، فيتمثل في ما بعد وقف إطلاق النار، حيث يتباين موقف المقاومة في غزة والاحتلال فيما يتعلق بالظروف الواجب توافرها للبدء في مشاريع إعادة إعمار ما دمره الاحتلال خلال الحرب الأخيرة.

وبالرغم من أن دولة الاحتلال ادعت أنها اتخذت قرار إطلاق النار بشكل أحادي، ما يعني أنها غير ملزمة بأي شروط أو التزامات تجاه حركة حماس أو قطاع غزة، لكنه في المقابل أيضًا مصر على عدم السماح بحدوث أي تحول أو تغير جذري في الأوضاع الاقتصادية والإنسانية للقطاع إلا بعد أن تُحل مشكلة الأسرى من الجنود الصهاينة والمستوطنين لدى حركة حماس، وهو ما ليس معلومًا حتى الآن أنه سيحدث أم لا.

لكن يجدر الذكر إلى وجود تأكيدات من دولة الاحتلال بأنها مستعدة للوصول إلى صفقة تبادل أسرى تفرج بمقتضاها عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين من ذوي المحكوميات العالية أو الذين يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة، كما تطالب حركة “حماس”.

 

 

الجهات المنفذة لإعادة الإعمار..

 

وحتى لو تراجع الاحتلال الصهيوني عن الربط بين الإفراج عن أسراه وإعادة الإعمار، فإن التحدي الثالث يتمثل بهوية الجهة أو الجهات التي ستنفذ أو ستشرف على إعادة الإعمار المحدود، التي يفترض أن تطاول ما تضرر خلال العدوان الأخير، وإشكاليات التنسيق بينها والتضارب بين أهدافها.

فعلى سبيل المثال، أعلنت الإدارة الأميركية أن مساعداتها لتحسين الواقع الاقتصادي في القطاع ستقدم من خلال السلطة الفلسطينية، وهو ما لا يروق للإدارة الحمساوية في غزة بشكل كبير. وفي المقابل، أعلنت مصر أنها ستقدم 500 مليون دولار للمساعدة في إعمار غزة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستمنح مصر هذا المبلغ للسلطة، أم أنها ستشرف ذاتياً على استثماره، بشكل يحسن من قدرتها على التأثير بالواقع السياسي في القطاع؟ لا سيما أن مصر أعلنت أن شركاتها ستشارك في مشاريع إعادة الإعمار.

وعلى الرغم من إشادة القادة الحمساويين بالدور المصري في التوصل إلى وقف إطلاق النار، وكذلك الإشادة بالمساعدات التي أعلنت مصر تقديمها في إطار مشاريع إعادة الإعمار، إلا أن تاريخ العلاقة بين الطرفين، سيجعل الحركة تبدي حساسية كبيرة لأنماط توظيف مصر مساعداتها للقطاع، وكذلك للجهات التي ستحاول مصر إدخالها للقطاع. وكذلك بسبب علاقة القاهرة القوية بالقيادي المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان، فإن السلطة الفلسطينية أيضاً قد تنظر بعين الريبة إلى الدور المصري في القطاع.

 

 

معادلة غزة-القدس..

 

أما التحدي الرابع أمام استقرار وقف إطلاق النار، فيتمثل بما أطلقت عليه المقاومة الفلسطينية “معادلة غزة-القدس”، التي بموجبها تعلن أن لها الحق في العمل عسكرياً ضد الاحتلال، رداً على سياساته في القدس المحتلة، سواء على صعيد طرد الفلسطينيين من حيّ الشيخ جراح أو رداً على الاعتداءات التي يتعرض لها المسجد الأقصى. 

وعلى الرغم من أن القرار الذي اتخذته حكومة الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام، والذي يقضي بمنع دخول اليهود المستوطنين إلى المسجد الأقصى لأجل غير محدود مثّل مؤشراً على أن الاحتلال معنيّ بتقليص فرص انفجار مواجهة جديدة، إلا أنّ من الواضح أنه في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة تتولى مقاليد الأمور في تل أبيب، فإن الاحتلال قد يواصل سياساته المتطرفة في القدس. وستؤجج الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل مطالبات الأحزاب اليمينية المشاركة في الحكومة والمحسوبة على المعارضة بتكثيف الإجراءات التهويدية في القدس.

وتعي حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة صعوبة إملاء معادلة “القدس-غزة” بسبب كلفتها الكبيرة، على اعتبار أنها ستفضي مجدداً إلى اندلاع الحرب. وهذا ما سيدفع الفصائل الفلسطينية إلى تكثيف توظيف مظاهر المقاومة الشعبية في الأقصى والأحياء الفلسطينية في القدس التي تواجه تبعات الأنشطة التهويدية وفي داخل الضفة الغربية، كأداة المواجهة الرئيسة لسلوك الاحتلال الإسرائيلي.

 

اقرأ أيضًا: في دولة الاحتلال فقط.. قوانين استبدادية وقمعية مسكوت عنها