أسفرت الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها الثلاثاء في (إسرائيل) عن نتيجة غير مألوفة، فقد فشل الجميع، بمن فيهم “بنيامين نتنياهو” رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ البلاد بكتلته الدينية المحافظة، وكتلة يسار الوسط التي يقودها منافس “نتنياهو” الأساسي القائد العسكري السابق “بيني غانتس”، في تأمين المقاعد الكافية لتشكيل الحكومة. ويمكن لـ “أفيغدور ليبرمان”، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، وهو حليف سابق لـ”نتنياهو”، أن يدعم بمقاعده رئيس الوزراء الحالي إذا أراد ذلك، لكنه بدا أكثر ميلا لإبقاء “نتنياهو” وشركائه الدينيين خارج السلطة.

وقدم “نتنياهو” عرضا بالتفاوض مع “غانتس” و”ليبرمان” حول حكومة وحدة وطنية محتملة، تشمل رئاسة وزراء مشتركة مثل حكومة “شيمون بيريز” و”إسحق شامير” بعد انتخابات عام 1984، لكن “غانتس” بدا غير مهتم بهذا العرض، وأعلن التزامه مرة أخرى بتشكيل “حكومة ليبرالية موسعة” يوم الخميس. وصرح “يائير لابيد” وزير المالية السابق وزعيم حزب “هناك مستقبل” للصحفيين بأن “غانتس” سيشكل حكومة من هذا القبيل حالما يتنحى “نتنياهو” عن منصبه. باختصار، ما إذا كانت (إسرائيل) ستضطر لانتخابات ثالثة هذا العام، سيعتمد على حدث غير محتمل وهو أن يتخلى “نتنياهو” عن السلطة أو أن يضطر للتنحي عن زعامة حزب الليكود.

 

مأزق السياسة الإسرائيلية

ومن الصعب رؤية مخرج من المأزق. ولقد وقع “نتنياهو” بالفعل اتفاقية مع الأحزاب الدينية، “شاس” و”يهودية التوراة” وحزب “الاتحاد اليميني” المتطرف، للعمل ككتلة واحدة. ويعرف عن “ليبرمان” أنه علماني، وقد تعهد بعدم المشاركة في حكومة تضمهم الأحزاب الدينية كأعضاء. ومع ذلك، من المعروف أن “ليبرمان” من الصقور تجاه العرب الإسرائيليين. ولقد قال بالفعل إنه سيرفض المشاركة في أي حكومة يكون للعرب فيها مقعد على الطاولة، وهو ما يضمن أن “غانتس” هو الآخر لن يكون قادرا على تشكيل حكومة.

وتجسد النتائج قوتين محليتين قويتين تقسمان الناخبين الإسرائيليين على أسس دينية وعرقية. ويتزايد الانقسام الديني العلماني في ظل الصعود الديمغرافي للإسرائيليين المتدينين، الذين حافظ دعمهم على بقاء “نتنياهو” في السلطة لأعوام عديدة. ومع ذلك، فإن ادعاءات الفساد والاتهامات المعلقة في رقبة “نتنياهو”، فضلا عن ارتفاع نسبة الإقبال على التصويت بين شرائح الناخبين المعارضين لـ”نتنياهو”، قد منعته من حوز الأغلبية.

وأصبح الانقسام العربي اليهودي أكثر وضوحا. وقد خاضت 3 أحزاب عربية الانتخابات في “قائمة مشتركة” وحصلت على 13 مقعدا في الكنيست، بزيادة 3 مقاعد عن حصيلتها في الانتخابات السابقة. وقد لا يكون هذا العدد كبيرا، ولكن في مثل هذه البيئة السياسية المنقسمة، قد تحسم 3 مقاعد فقط قرار الوصول إلى ائتلاف حاكم أو الذهاب لانتخابات جديدة. ومن غير الواضح إذا كان “غانتس” سيشكل حكومة مع العرب؛ حيث لم تضمهم في السابق أي حكومة إسرائيلية.

وإذا أراد “غانتس” حوز دعم “ليبرمان” فإنه لن يتحالف مع العرب بكل تأكيد. لكن تجاهل 20% من السكان بهذا الشكل لن يؤدي إلا إلى زيادة حدة الجمود، كما كان الحال في الأعوام القليلة الماضية. ومن ناحية أخرى، إذا تمكن “غانتس” من تشكيل حكومة وحدة مع الليكود، وإذا بقي الائتلاف العربي موحدا، فقد يتزعم العرب المعارضة في الكنيست للمرة الأولى في تاريخ (إسرائيل). ورغم ضعف هذا الاحتمال، لكن حتى الفرصة البعيدة لحدوث ذلك تؤكد زيادة القوة السياسية العرب في (إسرائيل).

 

بلا تغييرات

وفي كلتا الحالتين، على مستوى السياسة الخارجية، ليس من المرجح أن يتغير الكثير. وإذا بقي “نتنياهو” في السلطة، فلن يتغير شيء. وإذا حل “غانتس” محله، فسيكون هناك اختلاف في الأساليب لكن جوهر السياسة الإسرائيلية لن يتغير. وفي الأسابيع التي سبقت الانتخابات، احتل “نتنياهو” عناوين الصحف من خلال وعده بضم “المنطقة ج”، وهو الجزء من الضفة الغربية الذي يشمل وادي الأردن. وفي نفس السياق، أكد “غانتس” في يوليو/تموز إن وادي الأردن “سيبقى دائمًا تحت السيطرة الإسرائيلية”. ويقارن البعض “غانتس” بالأسطورة السياسية الإسرائيلية “إسحاق رابين”، الذي قام أيضا بالقفز من منصبه كقائد للجيش إلى منصب رئيس الوزراء. وقد تفكر “القائمة العربية المشتركة” بقيادة “أيمن عودة” في دعم “غانتس” لهذا المنصب، وهو شيء لم يفعله أي حزب عربي منذ “رابين”.

وربما يكون لدى “غانتس” بعض سمات “رابين”، حيث إنه رجل عسكري سابق يدخل السياسة، لكنه بالكاد يمكن أن يكون وريثا أيديولوجيا لسياسات “رابين”. وحصل حزب العمل، الذي قاده “رابين”، على 6 مقاعد في الكنيست في الانتخابات. وإذا أصبح “غانتس” رئيسا للوزراء، فسوف يأتي إلى بيئة سياسية مختلفة تماما وهي بيئة أقل ملاءمة لمحادثات السلام الفلسطينية. وسيكون أمامه قضايا أمنية أكبر، مثل الحفاظ على هدوء غزة، ومكافحة قوة “حزب الله” المتنامية في لبنان، والحد من الدعم الإيراني في العراق وسوريا، وإيجاد توازن بين تركيا وإيران بشكل عام.

ويشعر معارضو “نتنياهو” بالارتياح لهزيمته المتصورة، لكن هذا لا يعد انقلابا سياسيا بالمرة. فـ”غانتس” و”نتنياهو” كلاهما يقعان في وسط اليمين السياسي بشكل فعلي، وسيتعين على أي منهما الحكم عبر ائتلافات غير مستقرة تتعرض للانهيار عادةً عند أول علامة على وجود مشكلة. لكن الأمر الأكثر أهمية في نتائج هذه الانتخابات هو أنها تؤكد ما أظهرته نتائج الانتخابات السابقة بالفعل، وهو أن المجتمع الإسرائيلي منقسم على الخط الديني العلماني من جهة، وعلى الخط العربي اليهودي من جهة أخرى. ومع تعمق هذه الانقسامات، تصبح الترتيبات السياسية القديمة عتيقة، وتتطلب التحالفات الجديدة حلولا وسطا جديدة تبقى حتى الآن غير مستساغة لدى مختلف الفصائل والأحزاب.