بعد مرور حوالي أسبوع على العدوان السافر الذي تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصَر، يمكن القول إن ما تسميه حكومة الاحتلال “بنك الأهداف” الخاص بها في غزة، هو اقتصادي من الدرجة الأولى. حيث ارتكب الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب استهدفت اقتصاد سكان غزة ومعيشتهم.
وبالطبع، فإن استهداف المقاومة الفلسطينية ومعسكراتها في غزة هو الأولوية الأولى، لأنها هي الجزء الأصعب في معادلة الصراع حتى الآن، ووجودها ضمانة حقيقية لعدم استباحة واقتحام غزة بشكل تام. إلا أنه من الواضح أن المقاومة عصية حتى الآن على الاحتلال، لذلك تضمن بنك أهدافه المزعوم أهدافًا اقتصادية في القطاع، هذا فضلًا عن استهداف المدنيين الفلسطينيين، بما فيهم الأطفال والنساء.
الاستهداف الغاشم للاحتلال الصهيوني لاقتصاد قطاع غزة يرمي كذلك في النهاية إلى تطويع المقاومة، حيث تأتي هذه الضربات اليائسة بهدف الضغط على المقاومة الفلسطينية ووقف هجماتها الصاروخية، التي تطلقها للدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة التي يسلبه الاحتلال إياها يومًا بعد يوم.
4 أهداف اقتصادية للاحتلال في القطاع:
ومن الملاحظ أن الاحتلال يركز في ضرباته حاليًا على 4 مجالات وهي: هدم المساكن والمباني التجارية، نسف البنية التحتية وتعطيل الخدمات ومنها الكهرباء، إغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء، ضرب الصيد. فمنذ بداية العدوان، ركزت قوات الاحتلال على تدمير أكبر قدر ممكن من المساكن والمباني التجارية الموجودة في قلب قطاع غزة، والأحياء الأكثر نشاطًا على الصعيد التجاري، فضلًا عن التأثير على بعض الخدمات المقدمة، مثل التيار الكهربائي الواصل للسكان.
من ذلك مثلًا، قصف جيش الاحتلال لشارع الوحدة، الذي يُعتبر أحد أبرز شوارع مدينة غزة التجارية، وتحويله إلى كومة من الركام والدماء. وللأسف، فإن طواقم الإنقاذ الفلسطينية تواجه تدمير عشرات المنازل فوق رؤوس ساكنيها بإمكانات محدودة للغاية. حيث ما زالت تحاول لملمة جراح الفلسطينيين من تحت الأنقاض، وترسل أنابيب الأوكسجين لمن هم تحت ركام المنازل المدمرة في محاولة لإبقائهم أطول فترة على قيد الحياة حتى الوصول لهم.
ومن ناحية أخرى، فمنذ اليوم الأول للتصعيد، سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءات، تهدف لخنق الشعب الفلسطيني في القطاع، تمثلت في إغلاق بحر غزة بشكل كامل، وضرب مهنة الصيد وحرمان أكثر من 5500 شخص يعملون في هذه المهنة، من بينهم 4000 صياد و1500 عامل، بشكلٍ تام من مصدر دخلهم الوحيد.
منع الغذاء والكهرباء عن غزة:
علاوة على ذلك، أغلق الكيان الصهيوني معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، الذي تدخل منه السلع الغذائية الأساسية إلى قطاع غزة، الأمر الذي من شأنه أن يخلق أزمة أمن غذائي حال واصل الاحتلال قيوده. هذا فضلًا عن منع إدخال دفعات الوقود الخاص بمحطة توليد الكهرباء الوحيدة، وهو ما يهدد بتوقف الكهرباء بشكل كلي، إذ لا يزيد عدد ساعات التغذية حاليًا عن 3 ساعات فقط، والانقطاع يتجاوز 16 ساعة.
والمشكلة الأكبر فيما يخص الكهرباء في الوقت الحالي، هي أنه بضعف التيار الكهربائي أو انقطاعه بشكل تام، سوف تتأثر المستشفيات بشكل حاد. وبالتالي، سيكون من الصعب الاستمرار في معالجة جرحى الاعتداءات الإسرائيلية حاليًا.
كذلك استهدف طيران الاحتلال المنشآت الاقتصادية في غزة، وحتى بعض المصارف فيها، مثل بنكي الإنتاج والوطني الإسلامي، وذلك تحت دعوى أنها مؤسسات مالية تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تذود عن القطاع.
استهداف معيشة الشعب الفلسطيني:
في هذا السياق، صرح نائب رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في غزة، نبيل أبو معليق، أن “تدمير الأبراج ينعكس بالسلب على الاقتصاد الفلسطيني المتهالك من الأساس نتيجة للضغط الهائل عليه بفعل الحصار وتلاحق الحروب وجولات التصعيد”، مضيفًا أن “هناك سياسة إسرائيلية واضحة لتدمير الأبراج والمنشآت السكنية المركزية، باعتبارها مراكز استثمارية مرتبطة بأموال استثمارية ضخمة، والهدف من ذلك تعزيز الأزمات الاقتصادية وزيادة الضغط على الاقتصاد الغزي”.
وبناء على ما شهدته هذه الجولة من تصعيد كبير من قِبل الكيان الصهيوني، فقد توقع المسؤول الفلسطيني أن “ترتفع نسبة الفقر والبطالة والعوز الجماعي في أعقاب هذه الجولة من العدوان الإسرائيلي، خصوصًا أن إعادة الإعمار ستتطلب مدة زمنية ليست قصيرة، وتدشين صناديق إعمار عربية ودولية لتعويض الأضرار وهو ما يتطلب وقتًا لن يكون قصيرًا”.
ومن جانبه، ذكر رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، سلامة معروف، أرقامًا تقريبية حول الخسائر حتى الآن، منها أن قيمة الخسائر المباشرة جراء استهداف المؤسسات الاقتصادية حتى اليوم السابع للعدوان الإسرائيلي بلغت 21 مليون دولار، في حين بلغت قيمة الخسائر في البنية التحتية 24 مليون دولار، بما يشمل شبكات الطرق والمياه والكهرباء.
ووفقًا لمعروف، فإن “قيمة الخسائر في القطاع الزراعي وحده بلغت 17 مليون دولار، فضلًا عما لحق بقطاع البنية التحتية والإسكان من تدمير طاول أبراجًا ووحدات سكنية وصلت قيمتها الإجمالية إلى 36 مليون دولار، أما قطاع النقل والمواصلات، فشهد تضرر مئات السيارات والمركبات بقيمة خسائر 5 ملايين دولار، في الوقت الذي كانت فيه الخسائر الاقتصادية في قطاع الاتصالات 6 ملايين دولار”، مضيفًا أن مجموع الخسائر المباشرة التي رصدتها الجهات الحكومية الفلسطينية في تقديرها الأولي يزيد عن 170 مليون دولار.
ورغم كل هذه الخسائر، فإنه من الواضح حتى الآن أن سكان قطاع غزة لم يسلموا للعدو الصهيوني بعد، وما زالوا في ظهر المقاومة يدعمونها، ويعتبرونها سيفهم في وجه آلة البطش الصهيونية. وما زالت المقاومة الفلسطينية تردع جنود الاحتلال من أن تطأ أقدامهم أرض غزة. ولذلك، فإن جيش الاحتلال سيخيب مرة أخرى في جولة التصعيد هذه، وسوف تعود غزة أقوى من ذي قبل، بعد أن فرضت معادلة جديدة في تاريخ الصراع.
اضف تعليقا