قد يكون من المستحيل تصديق أن سعر أي سلعة يمكن أن يُباع بالسالب، لكن هذا هو ما حدث أمس الاثنين بعد انهيار تاريخي لأسعار النفط حيث سجل برميل النفط الأمريكي قيمة أقل من الصفر بلغت (-37 دولارا) عند التسوية، الإثنين.

ما الذي حدث؟

يعود السبب المباشر في هذا الانهيار إلى رغبة شركات الطاقة تسويق النفط الخام لديهم، لعدم قدرتهم على تحمل خسائر أكبر، لاسيما وأن الخسائر الأكبر بالنسبة لشركات الطاقة الأمريكية في ثلاثية كلفة التخزين، وكلفة التأمين، وكلفة النقل، وهي تكاليف قد تفوق 10 دولارات عن كل برميل بقي متراكما لديها.

وبالنظر إلى أن كلفة تخزين النفط الخام ارتفعت في الولايات المتحدة لمستويات غير مسبوقة، وسط صعوبة لدى شركات الطاقة والمنتجين إيجاد بدائل لتخزين النفط، بالتزامن مع استمرار طاقة الإنتاج وهبوط الطلب، فإن هبوط سعر برميل النفط إلى (-37 دولارا) لا يعني أن هناك خسائر حقيقية بنفس المقدار المعلن عنه، بل هي عقود بيع ورقية من جانب المضاربين لا يقابلها شراء، بسبب نضوب الطلب في أسواق الولايات المتحدة والأسواق الإقليمية لها.

ووفق محللين فإن أسعار النفط الخام  ستشهد تراجعات أيضا خلال الأيام القادمة مدفوعة بارتفاع حجم الإنتاج العالمي من جهة، وضعف الطلب الناتج عن تفشي كورونا، لكنها ستكون في قيم موجبة، بعد الانتهاء، الثلاثاء من عقود مايو، ما لم تظهر محفزات على الطلب.

لذلك، سجلت أسواق النفط الخام الأمريكية تسليم مايو المقبل، عرضا قويا قابله طلب بأقل من المتوقع ما دفع شركات الطاقة الأمريكية لتخفيض الأسعار في محاولة للتخلص من المخزونات بحوزتها.

ووفق بيانات أمريكية رسمية، يبلغ متوسط إنتاج برميل النفط نحو 10 – 13 دولارا ويرتفع ليبلغ متوسط 20 دولارا بالنسبة للنفط الصخري.

كذلك، فإن لتراجع أسعار عقود النفط الأمريكية الآجلة تسليم يونيو/ حزيران بأكثر من 15% خلال التعاملات المسائية لمتوسط 20 دولارا، الإثنين، دور في هبوط أسعار عقود مايو 2020.

ما-الذي-يعنيه-انهيار-النفط-الأمريكي

كورونا في قفص الاتهام

بحسب خبراء فقد ساهم خليط من تدهور الطلب على الخام جراء تفشي فيروس “كوفيد-19” ، إضافة إلى تقلص السعة التخزينية للنفط وخاصة في الولايات المتحدة، في خسائر غير مسبوقة في نحو عقدين داخل أسواق الخام.

وكانت تداعيات مكافحة الوباء المميت ألقت بظلالها السلبية على النشاط الاقتصادي وأدت إلى جموده في كافة أرجاء العالم، وبالتبعية الطلب على النفط.

ومع نضوب الطلب الفعلي على النفط، حدثت تخمة عالمية في المعروض بينما لا يزال مليارات الأشخاص حول العالم يلزمون منازلهم لإبطاء انتشار فيروس كورونا.

بينما يرى خبراء آخرون سبب هذا الانهيار الحادث لأسعار النفط  إلي إغراق الأسواق بنفط منخفض السعر بعدما أطلقت السعودية، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حرب أسعار مع روسيا (ليست عضوة في أوبك) بهدف الحصول على الحصص الأكبر من السوق.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد العالمي في العام الحالي أسوأ ركود منذ الكساد العظيم في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين.

وكانت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أعلنت زيادة قياسية في مخزونات الولايات المتحدة من النفط بلغت 19.2 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 10 أبريل/نيسان الجاري. 

السعودية في ورطة

من جانبه، وفي أول تعليق له قال ترامب “إذا استطعنا الحصول علي النفط دون مقابل ، فسنأخذ كل ما يمكننا الحصول عليه وأحبذ لو دفعوا لنا مقابل ذلك”،  وهذه ليست المرة الأولى التي يردد فيها ترامب عبارات تحمل إهانة لحلفائه في الشرق الأوسط وعلى رأسهم السعودية.

واستطرد قائلا: “عندما نقوم بحماية الأصدقاء فعليهم أن يدفعوا لنا وليس علينا أن نحمي الشعوب بالمجان”، وهو ذات التصريح الذي أدلى به نحو 6 مرات سابقة ما جعل البعض يصفها بـ”سياسة الحلب”.

وتابع ترامب حديثه، مضيفا فيما يبدو كخطوة عقابية أن إدارته “ستدرس وقف شحنات النفط القادمة من السعودية”.

على الجانب الآخر، تباينت مواقف السعودية وروسيا من الحدث حيث وصف مسؤول سعودي بارز الانهيار بأنه مجزرة دموية، وأضاف أن المملكة تدرس خفض إنتاج النفط، قبل الموعد المحدد، بدلا من الانتظار حتى بداية الشهر المقبل.

وأضاف المسؤول لصحيفة وول ستريت جورنال أن السعودية تفكر في خفض إنتاجها النفطي، في أقرب وقت ممكن، بدلاً من الانتظار حتى الشهر المقبل، عندما تبدأ اتفاقية الإنتاج الأخيرة لـ”أوبك+”.

لكن روسيا قررت مناكفة أمريكا كالعادة بتصريح مستفز دعت فيه إلى عدم النظر إلى انهيار أسعار عقود النفط الأمريكية الآجلة وكأنها نهاية العالم، وأضاف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، “دميتري بيسكوف”، أنها “لحظة مضاربة تماما، ترتبط بتاريخ إغلاق العقود لشهر مايو”.

وأكد أن روسيا ستجري اتصالات في إطار اتفاق أوبك بلس إذا دعت الضرورة لذلك، كما اعتبر أن انهيار العقود الآجلة للخام الأمريكي لشهر مايو ليس إلا لحظة مضاربة، مشددا على عدم وجود أمر كارثي من هذا التراجع.

ولم يستبعد بعض الخبراء أن يضغط الرئيس الأمريكي بقوة على السعودية لتنفيذ مزيد من التخفيضات أكثر من تلك التي جرى الاتفاق عليها قبل أيام بين المنتجين الكبار وعلى رأسهم الرياض وموسكو.

 

اقرأ أيضا: صفعة قريبة على وجه بن سلمان .. ترامب يدرس وقف شراء النفط السعودي!