لقد تم تعلم الدرس الذي أراد الرئيس الأمريكي جو بايدن تلقينه لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، ومن المحتمل أن الزعيمان سيقومان بالتحدث قريبًا. قال مصدر أمني دبلوماسي كبير جدًا للمونيتور، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “الأمريكيين وجهوا لكمة إلى بينيت، وكانت هذه إشارة أمريكية واضحة حول قواعد اللعبة والعلاقة التي يتوقعون رؤيتها بين البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء. وأعتقد أن بينيت قد فهم الرسالة”.

 يمكن بسهولة رؤية أن بينيت قد فهم الرسالة بالفعل، ويظهر ذلك في صمته العلني في الأسابيع الأخيرة حول قضية المفاوضات النووية مع إيران. إن الانتقادات القاسية التي وجهها بينيت علنًا لسياسة الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، اختفت مؤخرًا عن الأنظار، وتم حصرها فقط خلف الأبواب المغلقة. الأسبوع الماضي، قام مصدر سياسي رفيع المستوى، شريطة عدم الكشف عن هويته، بالتحدث عن بينيت حول هذه القضية على وجه الخصوص، قائلًا إنه “قد تم توضيح وجهة النظر، وليس هناك حاجة لعزف الڤيتارة عليه”.

 كان الخلل بين القدس وواشنطن ناتجًا عن تقرير القناة الإخبارية 13، والذي بموجبه أفاد أن البيت الأبيض تجاهل طلب بينيت لإجراء مكالمة هاتفية مع بايدن. كان رد مكتب رئيس الوزراء على التقرير صحيحًا بشكل أساسي، حيث قال إنه لم يكن هناك طلب رسمي لمثل هذه المكالمة الهاتفية. ولكن من ناحية أخرى، كان هناك طلب غير رسمي، وعلم المونيتور أنه تم نقل هذا الطلب بواسطة مساعد بينيت، السياسي المؤثر شمريت مئير، إلى السفير الأمريكي الجديد توم نيدز، في تل أبيب.

 بعد فوات الأوان، تقر إسرائيل بأن العملية برمتها قد تم التعامل معها بشكل سيء، مما سمح للرئيس بالانحراف عن البروتوكول الدبلوماسي وتجاهل الطلب.  وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع لـ “المونيتور”، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “الطلب لم يمر عبر المراحل المعتادة، فلم تكن السفارة الإسرائيلية في واشنطن على علم بذلك. ولو أنها كانت على علم، لحاولت المساعدة”. وعلمت صحيفة المونيتور أيضًا أن السفارة في واشنطن أوصت مؤخرًا بأن تتجنب القدس طلب مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي لأن الوقت لم يكن مناسبًا.

 ما أثار استياء الأمريكيين، هو قصة سربها مكتب رئيس الوزراء حول محادثة جرت مؤخرًا بين بينيت ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين. وما علمته المونيتور هو أن التسريب يمكن وصفه بأنه غير دقيق على أقل تقدير، ولم تذكر الصحيفة أن بلينكن هو من قام بالاتصال ببينيت، ووصفت المكالمة بأنها كانت “صعبة” ومركزة على إيران.

 اعتبرت وزارة الخارجية التسريب محاولة من بينيت لتسجيل نقاط مع الناخبين الإسرائيليين، وذلك من خلال تقديم نفسه في صورة تظهر أنه صارم مع الأمريكيين، على حساب بلينكن. في الواقع، يبدو أن بينيت كان يحاول خلق صدام غير موجود بينه وبين بلينكين، وهو ما يعتبره الإسرائيليون في الواقع الحلقة الأكثر تصالحية في واشنطن. ورد الأمريكيون بتسريب يفيد أن بلينكين هو من بدأ المكالمة الهاتفية، وركزت هذه المكالمة في الواقع على توبيخ أمريكي موجه لخطة إسرائيلية تهدف للمضي قدمًا في الموافقة على عمليات البناء في منطقة عطاروت بالقدس الشرقية.  لكن الرد الحقيقي جاء عندما تجاهلت واشنطن الطلب غير الرسمي لبايدن للاتصال بـ بينيت، وهي مكالمة لم تحدث حتى الآن، كما هو معلوم.

 من ناحية أخرى، وُصفت الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان الأسبوع الماضي لإسرائيل بأنها “ممتازة”، حيث قال مصدر دبلوماسي إسرائيلي كبير آخر لـ “المونيتور”، شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه “قد تم تحديد مصدر الفجوات بيننا وبين الأمريكيين، وهي أقل أهمية بكثير مما تبدو عليه”. وبحسب المصدر أيضًا، فإن التقييم الأمريكي الحالي للمفاوضات مع إيران وسلوك إيران متطابق تقريبًا في كل من العاصمتين، القدس وواشنطن. وقال المصدر إن “الأمريكيين يتخذون نهجًا أكثر صرامة مما نحن عليه”. النقطة التي قد تسبب خلاف بينهما هي مسألة الرد ومتى ستنتهي المحادثات، وقد وعد سوليفان مضيفيه الإسرائيليين بأن الولايات المتحدة لن تواصل المفاوضات إلى ما لا نهاية، وقال إنه سيتم التوصل إلى موعد نهائي في غضون أسابيع.

 وماذا بعد؟ تأمل إسرائيل أن تعود الولايات المتحدة إلى سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، والتي طبقتها إدارة ترامب، وأن تقوم بفرض عقوبات إضافية على إيران، وتكثيف عزلتها، ووضع خيار عسكري ملموس، قابل للتطبيق على الطاولة. الأمريكيون لم يتخذوا قرارهم بعد، ووصف مصدر دبلوماسي إسرائيلي الموقف الأمريكي بأنه “إحراج استراتيجي”، معتبرًا أن إيران ليست من أولويات بايدن في الوقت الحالي. وقال المصدر إن “واشنطن تركز حاليًا فقط على ثلاث نقاط، وهي كورونا والصين والمناخ”.  وأضاف المصدر أن “إيران ليست موجودة، ونحن نحاول رفعها إلى أعلى القائمة قدر الإمكان”.

 يأمل المسؤولون في القدس أن تكون زيارة سوليفان قد هدأت التوترات بين البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء، وبالتالي وجود فرصة لتسوية الخلافات. بينما يجد بينيت صعوبة في التعامل مع الضغط الأمريكي الدائم فيما يتعلق بالتطورات في الضفة الغربية.

اعترف أحد شركاء بينيت بشرط عدم الكشف عن هويته أن “هذا هو الشيء الوحيد الذي يهتمون به”. وقال للمونيتور “إنهم يتحدثون طوال الوقت عن عطاروت، وعن حي الشيخ جراح، وعن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وعن البناء في المستوطنات”، في إشارة إلى عمليات الإخلاء القسري للفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.

 ومع ذلك، في الخلاف الداخلي بين الجناحين المتباينين ​​أيديولوجيًا في حكومة بينيت، يبدو أن وزير الدفاع بيني غانتس ووزير الخارجية يائير لابيد هما اليد العليا، ويرفضان نهج انتقاد الحكومة علنًا، كما أنهما ضد طرح الخلافات مع الولايات المتحدة. وفي النهاية يبدو أن بينيت قد أُجبر على الانسحاب والانضمام إليهم.

 وهكذا، أصبح غانتس هو الرجل الصادق بالنسبة للأمريكيين، إنهم ينظرون إليه على أنه رصيد موثوق، يمكنهم من خلاله توضيح القضايا وتسويتها، إنهم يقدرون سياسته التي تسمح بالجدال والقتال بين القدس وواشنطن خلف الأبواب المغلقة، مع تقديم موقف علني موحد.