تواصل الإمارات في ظل سلطة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الذي يُنظر إليه على أنه “الحاكم الفعلي” للبلاد، سياساتها الهادفة لتوريط حليفتها المقربة السعودية، في حين تنأي بنفسها عن تلك الأزمات كلما وقعت الأخيرة ووجدت نفسها في مأزق جديد بلا أي دعم أو مساندة.

ورغم ما تقوله الإمارات علناً وأمام عدسات التلفزة بأنها تقف قلباً وقالباً إلى جانب السعودية في كافة الملفات الساخنة في المنطقة، فإن كافة الشواهد والدلائل تشير إلى أن أبوظبي تفعل عكس ذلك، وتدفع الرياض نحو أزمات “لا نهاية لها”.

ولا تكتفي الإمارات بذلك؛ بل إنها تهرع على وجه السرعة للنأي بنفسها عبر فتح حوار وقناة اتصال مباشرة مع الجهات التي دفعت السعودية لمواجهتها، وفي مقدمة تلك الدول إيران.

ما الجديد؟

موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أفاد، الاثنين (14 أكتوبر 2019)، بوجود مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، في العاصمة الإيرانية طهران، منذ 48 ساعة، في زيارة لم يُعلن عنها سابقاً.

وأوضح الموقع البريطاني، اليوم الاثنين، أن طحنون، وهو شقيق محمد بن زايد، تلقّى تكليفاً بالسفر إلى إيران في مهمة وصفتها بـ”السرية”؛ تهدف إلى نزع فتيل الأزمة مع طهران.

وطحنون بن زايد، هو صاحب الترتيب الرابع في هيكل السلطة الإماراتي، والذراع اليمنى لمحمد بن زايد، ويُعد رجل الإمارات الثاني الفعلي، وصاحب القبضة الأمنية داخل البلاد.

وبعد ساعات من انتشار الخبر، ذكرت وكالة أنباء “إيسنا الإيرانية” عن مصدر رسمي مطلع، أن مسؤولاً إماراتياً زار طهران مرتين خلال الأسابيع الماضية، لكن المصدر ذاته نفي زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد لطهران خلال الـ48 ساعة الماضية.

وأيّا كان، سواء جرت الزيارة منذ يومين أو أسابيع، فإن الثابت أن زيارات إماراتية على أعلى المستويات، بدأت تتهاطل تباعاً على طهران للقاء المسؤولين الإيرانيين، في الأشهر والأسابيع الأخيرة.

ما سر الزيارة؟

الموقع البريطاني لم يكشف عن سر الزيارة الإماراتية الرفيعة إلى طهران -إن صحت-، مكتفياً بالقول إنها لنزع فتيل الأزمة بين دول خليجية وإيران، وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة حول توقيت الزيارة وأهدافها؛ بالنظر إلى سجل الإمارات الحافل بـ”اللعب على الحبلين”، كما يقول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي.

الزيارة الإماراتية الخاطفة تأتي مباشرة عقب هجوم تعرضت له ناقلة نفط إيرانية قرب ميناء جدة السعودي، في البحر الأحمر (11 أكتوبر 2019)، وقالت طهران إنه نُفذ بصاروخين اثنين، ما أدى إلى تسرب النفط المخزون فيهما في البحر الأحمر.

كما أنها تأتي أيضاً عقب إعلان الولايات المتحدة الأمريكية إرسال عدد كبير من القوات الإضافية والمعدات العسكرية إلى السعودية، بحسب ما أعلنه وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، الجمعة (11 أكتوبر 2019).

وقال المسؤول الأمريكي إن بلاده ستنشر 3 آلاف جندي أمريكي في السعودية، ومنصات صواريخ باتريوت الدفاعية، فضلاً عن طائرات مقاتلة وقطع بحرية، في مهمة وصفها بـ”حماية مصالحنا في المنطقة وردع إيران”.

وبالنظر إلى عدد القوات الأمريكية التي قررت السعودية استقدامها مقابل أموال لحمايتها، كما قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن هذا التطور سيضع المنطقة على صفيح ساخن، ويدفع أبوظبي لضرورة سحب نفسها من المشهد وتأكيد ذلك للإيرانيين وجهاً لوجه، يقول مراقبون.

وبحسب هؤلاء، فإن الإمارات تريد إيصال رسالة مباشرة إلى طهران بأنها “خارج اللعبة حالياً، وغير مسؤولة عن استقدام السعودية للقوات الأمريكية، وما سيترتب عليه من أحداث وتداعيات إن حدثت”.

وهددت إيران، في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسؤول عسكري، بقصف عواصم دول المنطقة واستهداف منشآت النفط في الخليج العربي؛ رداً على التهديدات الأمريكية المتزايدة ضد طهران، وسياسة “الضغط القصوى” التي تنتهجها إدارة الرئيس ترامب.

وعلى مدار العامين الأخيرين، رفعت إيران من حدة خطابها ضد الإمارات، ووصفتها بأنه “برج من ورق ينهار حتى دون صواريخ”، ودعتها إلى وقف ما وصفتها بـ”مغامراتها التخريبية في المنطقة، كونها تفوق قدراتها وحجمها”.

رسالة الإمارات

يقول الباحث والمحلل السياسي، علي باكير، إن الرسالة الإماراتية من زيارة طهران هي أن أبوظبي “لا تسعى للتصعيد، وستعمل على الاستجابة لمطالبها بالتهدئة وستحاول إقناع الآخرين بذلك”.

وأشار باكير، في حديث خاص لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن الزيارة تأتي “في سياق المؤشرات العلنية المتراكمة عن التحول في سياسات الإمارات تجاه إيران مؤخراً بواقع 180 درجة”.

وقال: إن “أبوظبي كانت قد أرسلت وفداً سرياً قبيل زيارة الوفد الأمني مؤخراً، وكلا الزيارتين كانت تهدف إلى التأكيد لإيران أن مطالب تم أخذها بعين الاعتبار، وأن العمل جارٍ لتنفيذها”.

ولفت إلى أن أولى تلك البوادر كانت “الإعلان عن اتخاذ خطوات تمثلت بالانسحاب من اليمن”، في استجابة بحسب “باكير” إلى التهديدات المباشرة التي وجهها أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، إلى أبوظبي في حال “لم تُغير سياساتها تجاه إيران”.

وأوضح أن “الإمارات استقبلت رسالة حزب الله، ذراع إيران في لبنان، واستدارت بعد ذلك بفترة وجيزة، في حين تلقت السعودية ضربة أرامكو”.

أحداث متسارعة

وفي 26 يونيو 2019، رفضت الإمارات اتهام إيران بالوقوف خلف هجمات استهدفت أربع ناقلات نفط قبالة سواحلها (مايو 2019)، داعية إلى ضرورة خفض حدة التوتر في المنطقة.

ورغم أن الولايات المتحدة والسعودية حمَّلتا إيران علناً المسؤولية عن تلك الهجمات وعن هجوم وقع في وقت لاحق استهدف سفينتين بخليج عُمان، لكن الإمارات تبنّت رواية طهران، ورفضت تحميلها أي مسؤولية عن الهجمات.

وفي بداية أغسطس 2019، وقَّعت إيران والإمارات مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجال أمن الحدود البحرية، في خطوةٍ وصفها مراقبون بـ”طعنة في ظهر السعودية”، في ظل سعي الأخيرة إلى حشد الرأي الدولي ضد طهران، في حين تعد أبوظبي الشريك التجاري الأول لإيران بالمنطقة.

وسبق ذلك انسحاب الإمارات من اليمن بشكل مفاجئ، رغم أنها القطب الثاني في التحالف الذي شكلته السعودية لإعادة الشرعية إلى البلاد (مارس 2015)، عقب انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على صنعاء، في سبتمبر 2014

وبعد إعلانها الانسحاب من اليمن، تركت الإمارات خلفها جيشاً من قوات مدربة انفصالية هدفها استقلال الجنوب عن اليمن، فيما يُسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي”.