يتساءل كثيرون حول موقف المجتمع الدولي من الخلاف الدائر في ليبيا حاليًا بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ووزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني، فتحي باشاغا، الذي اختاره مجلس النواب مؤخرًا كرئيس جديد للحكومة.
وبالطبع، فإن موقف المجتمع الدولي من الأهمية بمكان في معظم القضايا الداخلية للدول العربية، وبالخصوص ليبيا، التي تتداخل فيها مصالح القوى العظمى، والدول الإقليمية كذلك.
لكن رغم ذلك، يلفّ الغموض موقف المجتمع الدولي حيال المستجدات السياسية في ليبيا. وربما ذلك يرجع إلى أن الخلاف هذه المرة مختلف عما سبقه من خلافات بين مجرم الحرب الانقلابي خليفة حفتر، وحكومة الوفاق الوطني.
لكن الخلاف الحالي تدور رحاه بين أطراف معارضة – في الأساس- لانقلاب حفتر. ما يجعل الأمر على حافة الهاوية. حيث إن مركز الخلاف هو العاصمة، طرابلس، وبالتالي فإنه إذا تفجرت الأمور، فإن الأمر سينذر بكارثة.
لذا، فإن معظم القوى المنخرطة في الشأن الليبي لا تتحفز حاليًا لتغليب كفة طرف على طرف آخر.
موقف غامض للأمم المتحدة
فقد أعلنت الأمم المتحدة عقب تكليف باشاغا أنها لا تزال تدعم الدبيبة بوصفه رئيسًا للوزراء في ليبيا، حيث إنه عندما سُئل المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمره الصحفي اليومي عما إذا كانت الأمم المتحدة لا تزال تعترف بالدبيبة رئيسًا للوزراء، أجاب “نعم، باختصار، نعم”.
وكان ذلك في نفس اليوم الذي عيّن فيه مجلس النواب في طبرق فتحي باشاغا رئيسًا للحكومة في العاشر من فبراير / شباط الجاري، الأمر الذي اعتبره أنصار الدبيبة دعمًا واضحًا من الأمم المتحدة للحكومة الحالية، وأن حكومة المرتقبة لباشاغا سيكون مصيرها في مهب الريح، كما كان الأمر مع الحكومة الموازية التي أسسها حفتر في الشرق عند انقلابه على الشرعية.
لكن الأمور ما لبثت أن تغيرت بشكل سريع، فبعدها بيوم واحد صدر بيان منسوب إلى الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريش، لم يتحدث عن إدانته أو تأييده لتعيين مجلس النواب لرئيس حكومة جديد، بل دعا “جميع الأطراف والمؤسسات إلى مواصلة ضمان أن يتم اتخاذ مثل هذه القرارات الحاسمة بطريقة شفافة وتوافقية”.
لقاءات مع الدبيبة وباشاغا
ومما زاد موقف الأمم المتحدة غموضًا هو اللقاءات التي عقدتها المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، مع كل من الدبيبة وباشاغا. ففي الثالث عشر من فبراير أصدرت المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز ، بيانين، هما الأولان من نوعهما منذ أن قرر مجلس النواب تعيين باشاغا في رئاسة الوزراء.
حيث أكدت بعد لقائها مع الدبيبة “على أهمية أن تعمل جميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات ضمن الإطار السياسي، وأن تحافظ قبل كل شيء على الهدوء على الأرض”.
بينما أكدت خلال لقائها بباشاغا على ضرورة “المضي قُدمًا بطريقة شفافة وتوافقية من دون أي إقصاء (…) والحفاظ على الاستقرار في طرابلس وفي جميع أنحاء البلاد، وأنه يتوجب مواصلة التركيز على إجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة وشاملة في أقرب وقت ممكن”.
كذلك التقت ويليامز برئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وقالت: “أحاطني رئيس مجلس النواب علمًا بالآلية التي سيتبعها المجلس لمنح الثقة للحكومة الجديدة تماشيًا مع الإجراءات التي تم تطبيقها في تصويت منح الثقة في مارس 2021″.
إذن، فإن الأمم المتحدة فضلت أن يكون موقفها باهتًا بشكل أو بآخر، بحيث تحافظ على مسافة واحدة من كافة أطراف الأزمة، الأمر الذي يمكنها من لعب دور الوساطة بعد ذلك.
تركيا على الحياد
وطوال السنوات الماضية، تعد تركيا الداعم الأول للشرعية في ليبيا، وكان لها دور كبير في صد عدوان حفتر على العاصمة طرابلس. لذلك فإن كلمتها مهمة في مجريات الأحداث.
وخلال رحلة عودته من زيارة إلى الإمارات العربية المتحدة، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن “علاقاتنا مع فتحي باشاغا جيدة. من ناحية أخرى العلاقات طيبة أيضًا مع الدبيبة”، مضيفًا “المهم هو من يختاره الشعب الليبي وكيف”.
وعلى هذا، يمكن القول إن تركيا لا تمانع في أن يترأس باشاغا الحكومة، كما أنها لا تشجع الإطاحة بحكومة الدبيبة، ما يعني أنها باتت أكثر. قبولًا للتعامل مع معسكر حفتر (المؤيد لباشاغا حاليًا) ، بما يضمن لها الحفاظ على مصالحها في المشهد الليبي المعروف بالتعقيد.
توافق أمريكي-بريطاني في الموقف
ويتوافق الموقف البريطاني مع الموقف الأمريكي بشكل كبير إزاء خلاف الدبيبة وباشاغا. فلم تعلن الولايات المتحدة موقفًا واضحا بعد، وإن سبق أن حذرت على لسان مبعوثها إلى ليبيا وسفيرها، ريتشارد نورلاند، نهاية يناير الماضي من “تشتيت الانتباه عن العملية الانتخابية” جراء محاولة تشكيل حكومة جديدة، لأن الأمر قد ينتهي إلى خلق “حكومة موازية”.
بينما شددت السفارة البريطانية في طرابلس على أنها ستواصل الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية كسلطة مكلفة بقيادة ليبيا إلى الانتخابات، وأنها لا تؤيد “إنشاء حكومات أو مؤسسات موازية”.
روسيا ونظام السيسي يدعمان باشاغا
وربما كان موقف نظام قائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، هو الأوضح حتى الآن. فقد كانت مصر أول دولة تعلن موقفها المؤيد لتعيين باشاغا رئيسًا للحكومة الجديدة.
وقال أحمد حافظ، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في بيان، عبر صفحتها على فيسبوك، إن مصر “تثمن دور المؤسسات الليبية واضطلاعها بمسئولياتها بما في ذلك ما اتخذه مجلس النواب من إجراءات بالتشاور مع مجلس الدولة وفقًا لاتفاق الصخيرات”.
وأضاف أن “مجلس النواب الليبي هو الجهة التشريعية المنتخبة، والمعبرة عن الشعب الليبي الشقيق، والمنوط به سن القوانين، ومنح الشرعية للسلطة التنفيذية، وممارسة دوره الرقابي عليها.”
ورغم أن روسيا تريثت لفترة بسيطة، إلا أنها سرعان ما عادت وأبدت تأييدها لقرار النواب الليبي.
اضف تعليقا