العدسة _ باسم الشجاعي

لأول مرة في تاريخه منذ توليه السلطة، ظهر الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، وهو يرتدي البدلة العسكرية الكاملة، وذلك خلال زيارته لقواته المتمركزة على الحدود مع سوريا؛ حيث سبق أن ظهر مرتديًا القميص العسكري فقط، عندما أعلن بدء عمليات “غصن الزيتون” منذ شهرين تقريبًا.

ولكن هذه المرة يريد الرئيس التركي إيصال رسائل متعددة من خلال ظهوره بهذه الطريقة، وفي هذا التوقيت تحديدًا بعد تحرير مدينة عفرين السورية، رغم أنه يخوض حربًا هناك منذ فترة طويلة، ماهي؟ ولمن؟ وهل يستعد “أردوغان” لخوض حرب شاملة؟.

البداية تحديدًا تأتي حينما زار الرئيس التركي، الأسبوع الجاري، القوات التركية المنتشرة على الحدود مع سوريا فى ولاية هاتاي مرتديًا الزي العسكري كاملًا، وذلك عقب مشاركة “أردوغان” فى مؤتمر حزب العدالة والتنمية الحاكم فى ولاية هاتاي؛ حيث انتقل بطائرة هليكوبتر لزيارة القوات الحدودية.

والتقى “أردوغان” خلال الزيارة جنودًا أتراكًا، وقادة من القوات المسلحة التركية، واطلع على إجراءات “حماية الحدود” التركية .

ورافق “أردوغان” في زيارته أيضًا لفيف من الرياضيين والفنانين الأتراك، بهدف تقديم الدعم للجنود المرابطين على الحدود والمشاركين في عملية “غصن الزيتون”، والذين تمكنوا من السيطرة على مدينة عفرين السورية.

وكانت بدأت تركيا، في 20 يناير الماضي، عملية “غصن الزيتون”، التي كانت تستهدف طرد المسلحين الأكراد من عفرين الواقعة على حدودها مع سوريا.

وفي 24 مارس الماضي، تمكنت القوات المشاركة في عملية “غصن الزيتون”، من السيطرة الكاملة على منطقة عفرين، بعد حوالي شهرين على انطلاق العملية، وشرعت في أعمال تمشيط وتفكيك مخلفاتهم وتأمين عودة الأهالي.

الرسالة الأولى

يبدو من صورة الرئيس التركي الذي ظهر فيها بالزي العسكري الكامل، أنه يريد أن يرد على فرنسا، قائلًا: “ليس أمامنا إلا خيار الحرب”.

وذلك بعد أن رفض الرئيس “إردوغان” بشدة اقتراحًا من الرئيس الفرنسي بالترتيب لحوار “تركي-كردي” تحت رعايته، وهو العرض الذي اعتبره الأول مهينًا، وشن هجومًا شرسًا على نظيره الفرنسي لاستقباله وفدًا كرديًّا.

وكان قال “أردوغان” في كلمة بمقر حزب العدالة والتنمية الحاكم بالعاصمة أنقرة: إن “من استضافوا، مجددًا أمس، عناصر من التنظيم الإرهابي الذي ينشط بحرية، على مستوى رفيع، ليس سوى عداء صريح لتركيا، ومن قاموا باستضافة الإرهابيين في قصورهم سيفهمون عاجلًا أو آجلًا أنهم على خطأ”.

واعتبر أن بيان الإليزيه الذي يتضمن كلاما عن وساطة بين تركيا وما يسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يتعدى حدود صلاحيات قائله.

وأوضح أن فرنسا لا يحق لها أن تشتكي من التنظيمات الإرهابية وأعمالها بعد موقفها المتمثل بعرض الوساطة، مضيفًا: “أتمنى ألا تطلب فرنسا مساعدتنا عندما تكتظ (مدنها) بالإرهابيين الفارين من سوريا والعراق”.

وقد قدّمت فرنسا -شأنها شأن الولايات المتحدة- السلاح والتدريب لفصيل مسلح تقوده الوحدات الكردية في القتال ضد تنظيم الدولة، ولديها عشرات من أفراد القوات الخاصة في المنطقة، الأمر الذي أغضب تركيا.

وتوجد قوات فرنسية خاصة في سوريا، لكنّ باريس تتكتم جدًّا حيال أعدادهم.

الرسالة الثانية

بعد الرسالة التي أراد “أردوغان” إرسالها إلى فرنسا، يأتي الدور على الولايات المتحدة، والتي يحظى المسلحون الأكراد بدعم أمريكي واضح، من خلال تواجد خبراء عسكريين لتقديم الدعم لهم في مناطق سيطرتهم.

فقد وسبق أن طالبت الولايات المتحدة الحكومة التركية بإرجاء عمليتها في عفرين، لكن أنقرة لم تلتفت لهذه المطالبات وشرعت في إخلاء حدودها منهم.

فتركيا الآن تتجه أنظارها صوب مدينة منبج السورية، على غرار ما حدث في عفرين؛ حيث قال مجلس الأمن القومي التركي في بيان له الأسبوع الماضي، إن بلاده لن تتردد في التحرك حالَ لم ينسحب المسلحون الأكراد من بلدة منبج.

وسبق أن هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتوسيع العملية العسكرية التركية في سوريا (غصن الزيتون)، نحو منبج، بعد السيطرة على مدينة عفرين.

اقتحام منبج سيكون التحدي الأكبر بالنسبة للرئيس “إردوغان” وجيشه الذي يحتل المرتبة الثانية بين نظرائه في حلف “الناتو”، لأن الولايات المتحدة الأمريكية حتى هذه اللحظة مصممة على نصرة القوات الكردية المرابطة فيها، ومنع الجيش التركي من السيطرة عليها، حتى لو أدى الأمر إلى مواجهة عسكرية، ولتأكيد جدية موقفها الداعم لقوات سوريا الديمقراطية أرسلت القيادة العسكرية الأمريكية 300 جندي إضافي إلى منبج، معززين بعشرات الدبابات والمدرعات والعتاد الثقيل، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فهدد بإرسال قوات فرنسية إلى منبج والمناطق الخاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا، لدعم القوات الأمريكية المتواجدة فيها، وتأييد فرنسا للكيان الكردي قيد الولادة رسميًّا.

ماذا يعني ذلك؟

خلاصة الأمر حول تقدم القوات التركية نحو منبج وعين العرب والقامشلي ومناطق تجمع الأكراد في في شمال شرق سوريا، كما يخطط الرئيس التركي، سيصطدم حتمًا بالقوات الأمريكية المتمركزة فيها، كما سيشكلون عقبة في طريق هذا الزّحف، خاصة بعد تجاهل الإدارة الأمريكية كل الطلبات التركية بسحبها، مثلما تجاهلت في الوقت نفسه التهديدات التركية بقصفها.

مايعني أن تمسك الطرفين “التركي والأمريكي” بمواقفهما، سينتهي بتنازل أحدهما لمطالب الآخر، والتوصل إلى تسوية، ما يحدد هوية المرحلة المقبلة في سوريا وفي المنطقة بأسرها.

خاصة أنها في حالة وقوع صدام عسكري –وهذا أمر مستبعد وفق خبراء-  “تركي – أمريكي – فرنسي”، مستقبلًا، يعني خروج “أنقرة”، بشكل نهائي من حلف “الناتو”، وانضمامها إلى المحور الروسي الإيراني، مما سيؤثر على المنطقة بأسرها.