عملية “انتزاع التاج”..

 

تحالف شر مثالي جدا جمع أبو ظبي والرياض على مدار ما يقرب من عقد من الزمان، لكن يبدو أن فصول نهايته قد بدأت بعدما تسبب الإنذار السعودي المفاجئ الذي ألزم الشركات الدولية بنقل مقراتها إلى المملكة بحلول 2024 في حدوث صدمة كبيرة داخل دوائر صناع القرار في دبي، وآثار تساؤلات واسعة في الأوساط الاقتصادية الإقليمية والدولية حول تبعات ذلك ومدى قدرة الرياض على انتزاع تاج العاصمة الاقتصادية للشرق الأوسط من جارتها الخليجية.

 

في مقابل الصدمة الإماراتية، سادت مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية موجات من الاحتفاء بالقرار، ودشن مغردون سعوديون وسوما عدة للتعبير عن تأييدهم وفرحتهم للقرار -الذي تأخر كثير من وجهة نظرهم-، وطالبوا بسرعة تنفيذه، وعدم الانتظار لمدة أربع سنوات قادمة.

 

والأسبوع الماضي، أعلن وزير المالية السعودي، أنه اعتبارا من 2024، ستتوقف الحكومة عن منح عقود حكومية لأي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط في أي دولة أخرى غير المملكة، دون تقديم تفاصيل أكثر.

 

وقالت الهيئة الملكية لمدينة الرياض، عبر حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”؛ إن جذب مقرات الشركات الإقليمية للرياض سيُسهم في الاقتصاد الوطني بقيمة 61 إلى 70 مليار ريال بحلول 2030 تقريبا، من خلال الرواتب والمصروفات التشغيلية والرأسمالية لتلك الشركات، مما سينتج عنه نمو في المحتوى المحلي عبر العديد من القطاعات المهمة.

 

وأوضحت أن من أبرز عوائد جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، خلق أكثر من 35 ألف وظيفة للسعوديين، مشيرة إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يوجد بها مقرات إقليمية لما يقارب 346 شركة عالمية، يساهم السوق السعودي بما يقارب من 40- 80 بالمئة من مبيعات وإيرادات هذه الشركات.

 

ونقلت وكالة الأنباء السعودية “واس”، عن مصدر مسؤول قوله؛ إن حكومة المملكة عازمة على إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة في غير المملكة، ابتداء من أول يناير 2024، ويشمل ذلك الهيئات و المؤسسات والصناديق التابعة للحكومة أو أي من أجهزتها.

 

وقال إعلاميون سعوديون، عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إن قرار حكومة بلادهم سيجذب استثمارات ضخمة للمملكة، كما سيساهم في جعل الرياض ضمن أكبر 10 اقتصادات مدن في العالم في 2030، إلى جانب أنه سيسهل وجود الشركات العالمية أمام عملائها مباشرة، وسيساعد هذه الشركات على فهم حاجات السوق السعودي وسرعة اتخاذ القرارات والإجراءات.

 

لكن الخبير الاقتصادي عمرو السيد،؛ إن قدرة السعودية على انتزاع تاج العاصمة الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط يتوقف على المقومات والمتطلبات التي ستوفرها الرياض لإقناع الشركات الدولية في نقل مقراتها الإقليمية، سواء على صعيد الحوافز والمزايا التي ستقدمها للشركات أو على صعيد البنية التحتية والقوانين والأنظمة وسهولة الأعمال والشفافية، التي تخلق بيئة استثمارية جاذبة.

 

ولفت السيد إلى أن عوامل جذب الشركات العالمية لنقل مقراتها الإقليمية للرياض لا تتعلق فقط بالبيئة الاستثمارية، بل أيضا بالبيئة الاجتماعية ونمط الحياة الذي يتلاءم مع المدراء التنفيذيين وكبار الموظفين الأجانب بالمقرات الإقليمية لهذه الشركات.

 

وأضاف: “دبي تقدم نمط حياة اجتماعيا وترفيهيا، يتناسب مع هؤلاء من حانات ونوادٍ ليلية وخلافه.. فهل ستقدم الرياض تنازلات في كسر نمط الحياة المحافظ في سبيل استقطاب المقرات الإقليمية للشركات الدولية؟”.

 

وأكد الخبير الاقتصادي، أن القرار السعودي يشكل بلا شك تحديا كبيرا للإمارات، مرجحا أن تسعى دبي بكل قوة، في سبيل الحفاظ على تاجها، إلى إجهاض هذا القرار أو الحيلولة دون نجاحه بالقدر الذي تطمح الرياض في تحقيقه، سواء بتقديم مزايا وحوافز أكبر، أو باستخدام أسلوب الضغط على هذه الشركات كما فعلت السعودية.

 

ويتوقع السيد أن “تسعى الشركات الدولية لاستغلال هذه المنافسة لصالحها في الحصول على امتيازات أكثر من الطرفين، وقد يتم التوصل في النهاية إلى حل وسط يرضي الطرفين، كأن يتم نقل المقرات الإقليمية للرياض بشكل صوري، أو يتم تقسيم الشركات حسب نوعية نشاط الشركة، وخاصة الشركات التي لها ارتباطات تعاقدية مع الحكومة السعودية”.

 

ووفقا لسي أن بي سي الإنجليزية، قدمت السعودية نفسها في السنوات الأخيرة كموقع لمكاتب المقر الرئيسي في حملتها لخلق وظائف في القطاع الخاص وتنويع اقتصادها كجزء من رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030. لكن ما بدأ كمقدمة للمكاتب الرئيسية العالمية، أصبح الآن إنذارا نهائيا للبعض: إما نقل مقرك الرئيسي إلى المملكة، أو خسارة العقود الحكومية المربحة. 

 

واستهجن المسؤول السابق بشركة أدنوك الإماراتية، جمعة عبيد حمد المهيري، القرار السعودية، قائلا عبر “تويتر”: “هذا القرار مستغرب من حليف كالسعودية، وستكون نتائجة سلبية”. وأضاف: “معروف أن الإمارات وخاصة دبي تستضيف معظم المكاتب الرئيسية العالمية والإقليمية في المنطقة، الشغلة ليست بالتهديد والترهيب بل بتقديم امتيازات تجذب تلك الشركات لتنقل مقارها الإقليمية للمملكة”، مستطردا: “المفروض نكمل بعضا ولا نكسر بعضا”.

 

وشكك مغردون سعوديون في “قدرة المملكة على تطبيق تلك الخطوة مع وجود أغلبية محافظة قد لا تتقبل التغيرات التي سترافق قدوم الشركات الأجنبية، إضافة لغياب البنية التحتية الملائمة خاصة في قطاعات المال”. في حين أعرب آخرون عن ثقتهم بقدرة بلادهم على منافسة كبريات العواصم العالمية في استضافة الشركات الأجنبية العملاقة.

 

وقالت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، الخميس؛ إن القرار المفاجئ الذي ألزم الشركات الدولية بنقل مقراتها إلى السعودية بحلول 2024 أثار مخاوف البعض من الاستثمار في المملكة.

 

وأوضحت الوكالة الأمريكية، في تقرير ترجمته أن نقل المقرات سيكلف الشركات ملايين الدولارات، كما أن التغير المفاجئ في السياسة والأحكام القانونية التعسفية تعني أن على الشركات التفكير بمخاطر الانتقال إلى السعودية، بناء على الوعود المحتملة لولي العهد محمد بن سلمان لإصلاح الاقتصاد.

 

وأعلنت الحكومة السعودية هذا الأسبوع أن عقود الدولة ستذهب فقط إلى الشركات التي لديها مقار إقليمية في المملكة من أجل وقف “التسرب” الاقتصادي دونما تقديم تفاصيل أكثر، ما زاد من حالة الغموض التي تعقد تعامل مدراء الشركات الكبرى مع أكبر مصدر للنفط في العالم.

 

وترى بعض الشركات أن السعودية هي مارد نائم يستيقظ بقدرة استهلاكية هي ثلاثة أضعاف السوق الإماراتي مثلا، وتغيرات في بلد ظل محافظا بالإضافة إلى مشاريع كبرى.

 

لكن مدير شركة متعددة الجنسيات ومقرها دبي التي تعدّ المركز التجاري في الخليج يقول؛ إن الشركات الكبرى تعرف أن التيار السياسي في السعودية قد يتغير سريعا. وقال؛ إن عدم وجود ملجأ قانوني، يعرض الشركات للخطر، ذلك أن الجهة الرئيسية المتعاقدة معها هي الدولة. ولا تستطيع الشركات والحالة هذه المطالبة بأموالها التي لم تدفعها الدولة.

 

وفي الوقت الذي تجاوزت فيه الشركات حملة اعتقال رجال الأعمال والأمراء في ريتز كارلتون الرياض، عام 2017 واغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، عام 2018 إلا أن التحول المفاجئ مثل مضاعفة ضريبة القيمة المضافة، قد يفرض كلفة كبيرة على الشركات بالإضافة إلى عدم الوضوح. 

 

وقالت “بلومبيرغ”؛ إن المسؤولين السعوديين يشعرون بالإحباط من رجال الأعمال ومدراء الشركات الذين يعملون في مشاريع بالمملكة، لكن مركزهم الرئيسي هو دبي التي تعدّ المكان الملائم للتجارة ويجذب إليه ملايين العمال الأجانب”.

 

وقال المحلل في شؤون الشرق الأوسط بشركة “ستراتفور” ريان بول: “هي مجموع من اليأس والقليل من التجاوز”، مضيفا أنه “سيكون من الصعب إقناع الشركات المتعددة الجنسية باختيار طرف على طرف”. ويتوقع أن تجد السعودية طرقا لكي تعمل الشركات مع الطرفين.

 

وتحاول السعودية تحفيز الشركات التي ستعمل في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بمحفزات مثل إعفاء لمدة 50 عاما من 20 بالمئة من ضريبة الشركات وإلغاء لمدة 10 أعوام للقوانين التي تشترط توظيف نسبة من السعوديين. واطلعت “بلومبيرغ” على العروض السعودية المقدمة للمستثمرين، التي تتضمن إعفاءات محتملة للاحتكام إلى القوانين السعودية حسب احتياجات المستثمرين وتسهيل عملية إصدار تصاريح العمل. 

 

وكشفت “بلومبيرغ”، في تقرير آخر، أن السعودية تقدم إغراءات للشركات، مثل التخفيف من القيود على أسلوب حياة الناس، كالسماح بقيادة النساء للسيارات، والسماح بفتح السينمات ودور عرض، وبناء مدن حديثة مثل نيوم. لكنها أشارت إلى أن الإمارات بدون شك سترد على الجهود السعودية، حيث ستمنح المغتربين حصة أكبر في اقتصادها، من خلال تعديل القوانين الخاصة بملكية الشركات.

 

وأردفت: “هذه الأيام هي بداية المنافسة بين الحليفين الإقليميين، وفي المستقبل سنجد اختبارات أصعب أمام هذه الشراكة”.

 

وتعبيرا عن الاستياء الإماراتي من القرار السعودي، انتقد نائب رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان، بشكل غير مباشر القرار، قائلا؛ إن “دبي -موقعا- لم تعد إقليميا على خارطة التجارة، لكنها موقع دولي، 75 بالمئة من واردات دبي يعاد تصديرها إلى دول العالم، وإعادة التصدير تحتاج إلى سلسلة إجراءات هيأت لها دبي وذللت كل الصعاب”.

 

وتابع أن “دبي تعد موقعا استراتيجيا لمنتجات أكثر من مليارين ونصف، الهند والصين وما جاورهما، وأسواق دبي تراها في أفريقيا وآسيا، أكثر القارات احتياجا للسلع في العالم”، مضيفا أن قرار إلزام الشركات العالمية بفتح مكاتب لها في المملكة أو مقاطعتها، “قد يضر بدول خليجية أخرى أضعف اقتصاديا بكثير من الإمارات”.

 

فيما قال الأكاديمي عبد الخالق عبد الله؛ إن “الشركات والمصارف العابرة للقارات التي تتخذ دبي مقرا منذ 30 سنة لتدير عملياتها وفروعها في 50 دولة من الهند إلى المغرب ومن تركيا إلى نيجيريا، اختارت دبي دون غيرها بسبب نوعية الحياة والميزات التنافسية وبيئة تشريعية واجتماعية وبنية تحتية فريدة ولن تتركها، رغم ذلك مليون أهلا بالمنافسة”.

 

اقرأ المزيد:  كيف مرر عسكر السودان ترخيص أول منظمة مجتمع مدني تهدف للتطبيع؟