يعيش النظام المصري الحالي، بقيادة عبد الفتاح السيسي، أصعب أوقاته على الإطلاق منذ وصوله إلى كرسي الحكم، صيف 2014؛ بعد القنابل المدوية التي فجرها الفنان والمقاول محمد علي عن فساد المؤسسة العسكرية وقائدها الأعلى.

وكشف الفنان ورجل الأعمال الشاب عن فضائح من العيار الثقيل داخل الجيش المصري، وكيفية استحواذه على المشاريع الإنشائية وغيرها بـ”الأمر المباشر”، فضلاً عن إهدار المال العام في مشاريع “عبثية لا تعود بأي نفع على الشعب المصري”، الذي يرزح السواد الأعظم منه تحت خط الفقر.

ومع كل ظهور لمحمد علي على منصات التواصل الاجتماعي، يبدو فيها الرئيس المصري الحالي، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً (3 يوليو 2013) على محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد، أمام معضلة حقيقية “لا يعرف كيف يخرج منها”، كما تضيق الخيارات أمامه للخروج من هذا المأزق.

وما يعزز من ورطة السيسي حديث المقاول الشاب عن فساد “كبير” لعقيلة الرئيس المصري انتصار، التي أعادت إلى الأذهان ما كانت تفعله زوجة الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، خلال سنوات حكمه، التي ناهزت ثلاثة عقود كاملة.

محمد علي، الذي عمل في مشاريع الجيش على مدار 15 عاماً، أضفى مصداقية أكبر على كلامه عندما نشر صوراً له مع قيادات عسكرية في أكثر من مناسبة، في حين وصفها مراقبون بأنها خطوة “ألجمت بعض المشككين بما جاء على لسانه”.

ماذا عن الجانب الآخر؟

بطبيعة الحال لن يسكت النظام المصري عمّا يحدث حالياً؛ إذ يدرك جيداً بأن محمد علي انتصر بالجولة الأولى انتصاراً كاسحاً ولا يزال “كعبه أعلى”، في حين لن يرفع النظام الراية البيضاء ويستسلم بسهولة، خاصة أنه “نظام عسكري يُسير دولة بوليسية”، ومستعد لفعل أي شيء للخروج من الورطة الحالية.

وتلوح أمام نظام السيسي بعض الخيارات -على قلتها– للتعامل مع “الفضيحة المدوية التي تسبب بها الفنان الشاب”؛ لكونه بات مطالباً بضرورة الرد على الاتهامات التي طالته بالفساد وإهدار الملايين، في حين يطالب هذا النظام شعبه بالصبر والتبرع، إلى جانب تحمّل الإجراءات الاقتصادية الصعبة، والتي رافقها غلاء فاحش في الأسعار.

الخيار الأول الذي بحث عنه السيسي ورجالاته سريعاً التصالح مع “كاشف أسراره”، وهو ما ألمح إليه الفنان الشاب في أحد فيديوهاته؛ إذ قال إن النظام الحالي عرض عليه التصالح عبر السفارة المصرية في إسبانيا، ورد جميع الأموال المستحقة إليه مقابل عمله في مشاريع الجيش طوال السنوات الماضية.

في المقابل طلب نظام السيسي من محمد علي الاعتذار علناً عمّا تفوه به بحق الرئيس وزوجته، وهو ما اعتبره مراقبون ونشطاء “محاولة استدراج فاضحة”، على غرار ما حدث مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول التركية، (2 أكتوبر 2018).

وضمنياً رفض صاحب شركة “أملاك” للمقاولات عرض النظام؛ من خلال مواصلته نشر فيديوهاته تباعاً على مدار الأيام الماضية، معترفاً أيضاً بأن النظام الحالي “لن يتركه، وسيحاول بكل ما أوتي من قوة كتم صوته” الذي بات مسموعاً في مختلف الأوساط المصرية.

“بص العصفورة”

منذ الانقلاب العسكري صيف 2013، اعتمد النظام المصري على سياسة “حرف الأنظار” للهروب من الفضائح والمشاكل والدمار التي طاردته وهزت كيانه.

وبعد فشل سياسة الصمت والتجاهل، فوجئ المتابعون بحذف فيديوهات محمد علي من عدد كبير من الصفحات والمواقع التي قامت بنشرها، كما بدأت الأذرع الإعلامية للنظام بمهاجمة المقاول وتشويه سمعته، متهمة إياه كعادتها بالانتماء لـ”جماعة الإخوان المسلمين”.

وفي ظل عدم جدوى الخيارات السابقة، استحضر النظام سياسة “بص العصفورة”، التي تطبقها الأنظمة الديكتاتورية من أجل سلب إرادة المواطنين وشغلهم عن قضاياهم الرئيسية بمطالب ثانوية، وذلك لإثارة التخويف والفزع تارة، وإثارة السخرية والجدل تارة أخرى.

وانتشرت مكالمة هاتفية مسرّبة “مخلة بالآداب” بين اللواء حمدي عثمان محافظ الإسماعيلية، وإحدى السيدات، رأى فيها نشطاء “محاولة من السلطات المصرية لصرف الأنظار عن فيديوهات محمد علي بنشر فضيحة أخلاقية لمسؤول كبير”، وهي خطوة دأب النظام على استحضارها في كل مرة يجد نفسه فيها “محشوراً في الزاوية”.

وفي ذات السياق استضاف الإعلامي المصري أحمد موسى، في برنامجه على قناة “صدى البلد”، علي عبد الخالق والد محمد علي، وقدّم اعتذاراً للسيسي وعقيلته، وأبدى دهشته من تغير سلوك نجله، موجهاً في الوقت ذاته اتهامات لأشخاص -لم يسمهم- بأنهم خدعوا ابنه وأقنعوه ببيع ممتلكاته في مصر ومهاجمة الجيش.

وتقدم محامٍ مصري يدعى سمير صبري (محسوب على السلطات الحاكمة) ببلاغ للنائب العام، والمدعي العام العسكري، ونيابة أمن الدولة العليا، ضد محمد علي؛ اتهمه فيها بالتطاول على الدولة والإساءة للقوات المسلحة.

ماذا عن الجهات الرسمية؟

بدورها نشرت دار الإفتاء المصرية على صفحتها الرسمية في “فيسبوك” فيديو تحت عنوان “رسالة للجيش المصري”، جاء فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد للجيش المصري وجنده بالخيرية والنجاة من الفتن.

كما ظهر مفتي مصر، محمد شوقي علام، في برنامج تلفزيوني وقال: إن “حديث الرسول محمد عن خير أجناد الأرض هو حديث صحيح”.

أما وزير الدفاع المصري، الفريق أول محمد زكي، فأطلق تصريحاً خلال حفل تكريم عدد من قادة القوات المسلحة الذين أحيلوا للتقاعد، في يوليو الماضي، قال فيه: إن “رجال القوات المسلحة سيظلون جديرين بالثقة التي أولاها لهم الشعب، وبالصدق والولاء للوطن بكل شجاعة وشرف”.

ورقة الإرهاب

وقد يلجأ النظام الحاكم في مصر إلى سياسة “الأرض المحروقة”؛ بتنفيذ سلسلة من الإعدامات بحق بعض المعارضين السياسيين كنوع من الترهيب، ورسالة موجهة لأي إنسان يفكر بالخروج بالتظاهر احتجاجاً على فساد المنظومة الحاكمة.

ومنذ وصول السيسي إلى الحكم ارتفع عدد المعارضين الذين نُفذ فيهم الإعدام إلى 42، في حين ينتظر 50 معارضاً آخر تنفيذ العقوبة ذاتها بعدما صدرت في حقهم أحكام نهائية بالإعدام في عدد من القضايا.

وإضافة إلى الإعدامات، يقول نشطاء إن النظام الحالي قد يقدم على تفجيرات “إرهابية” مفتعلة، وهي الورقة التي دأب على التذرع بها لإشغال الرأي العام، خاصة في شبه جزيرة سيناء، أو حتى انفجارات داخل المدن الكبرى.

ولطالما أكد السيسي أن “الحرب ضد الإرهاب لم تنتهِ ولن تنتهي”؛ وهي الورقة التي يعتمد عليها منذ توليه الرئاسة، في ظل تواضع إنجازاته في مختلف المستويات؛ السياسية والاقتصادية.