العدسة – ياسين وجدي:

هزيمة مبكرة للقائد الباجي السبسي رئيس تونس لصالح خصمه الشاب يوسف الشاهد رئيس الوزراء ، لكنها في ذات الوقت مكسب تاريخي للقائد العجوز الذي رفض أن يساوم على الديمقراطية رغم اقراره الواضح بالهزيمة لخصمه ، حيث تمسك باجراء الانتخابات في مواعيدها.

“العدسة” يتوقف عند حوار السبسي الاخير الذي اجراه على قناة الحوار التونسي مساء الاثنين 24 سبتمبر الجاري ، ويبحث في رسائله ، ويرسم طبقا للواقع خارطة المشهد الجديد.
طلاق أم ابتزاز؟!

كانت الرسالة الأبرز في تصريحات السبسي ، هي اعلان انهاء التوافق مع حركة النهضة التونسية وهو ما سعى له خصوم الثورة التونسية وعلى رأسهم الامارات منذ فترة ، ولكن الحركة سريعا نفت طلبها انهاء القطيعة مبررة ذلك بان التوافق لا يعنى الموافقة.

مراقبون يرون أن الامر وصل للطلاق ، وهو وصف صحيفة دويتشه فيله الالمانية البارزة حيث اعتبرت في تقرير لها أن ” الأزمة تتفاقم في تونس ” ووصفت ما حدث بأنه ”
السبسي يعلن الطلاق مع “النهضة”، كما اعتبرته قناة الحرة الامريكية في تغطيتها للتصريح خطوة قد تفاقم الانقسام السياسي في البلاد، موضحة أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي انهى التوافق بنفسه بعد أن فضلت النهضة تكوين ائتلاف مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد،

البعض وصف الطلاق نفسه ، بأنه طلاق ناعم بين السبسي وحركة النهضة ، مرجعا ذلك إلى أن “الطلاق والفراق” كان مؤجلا وقدرا محتوما ، ولكنه جاء بطريق لطيفة وغير خشنة ، حيث أن أسباب التوافق كانت محددة بمصالح سياسية للحزبين الكبيرين ( نداء تونس، وحركة النهضة)، وبعد أن فشل التحالف بينهما في حل الأزمات التي تضرب البلاد اقتصاديا واجتماعيا، كان لابد أن الفراق .

ولكن البعض الآخر قرأ رسالة السبسي بأنه رسالة ابتزاز ، بعد أن ضاق صدر السبسي بما حدث معه ، وهو ما عبر عنه بقوله : “الخلاف في مسألة بقاء الشاهد من عدمه، وقد دافعت على عدم إقصاء النهضة وكلفني ذلك الكثير لأنّهم اتهموني بأنني خنت الأمانة، لكن أنا رئيس دولة ولي واجبات وهي خدمة البلاد، وقد كان لي أمل لإخراج البلاد من هذه الأزمة بالتوافق مع النهضة (لكن) النهضة نفضت يديها مني” لكن حركة النهضة حملته مسؤولية القطيعة التي أعلنها ، مؤكدة أنها لم تتنكر للعلاقة المتينة التي تربطها بالرئيس وان الاختلاف في تقييم الواقع السياسي، وخصوصاً ما يتعلق بالاستقرار الحكومي لن يؤثر على تلك العلاقة، وهي صياغة جيدة لحركة النهضة بحسب مراقبين استطعت بها الخروج من مأزق الطلاق أو الابتزاز.

الديمقراطية باقية !

كانت من أبرز رسائل السبسي في حواره التمسك بالديمقراطية رغم اقراره ضمنيا بضعف فرصه في الفوز ، وهو ما عبر عنه قائلا : ” هناك أصوات تدعو للتأجيل وأخرى تطالب بانتخابات قبل موعدها، أنا أقول لكم: ستقع في أجلها وإلا فليس هناك ديمقراطية ما دمت حياً”.

الباجي السبسي ، تحدث بثقافة ديمقراطية واضحة عن توابع الخلاف الحاصل بين المدير التنفيذي لنداء تونس نجله حافظ قائد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، وهو ما أدى لانفضاض أكثر من نصف نواب النداء عن الحزب الذي أسسه، حيث لم يبق معه سوى 41 نائباً فقط من أصل 86، وتقهقر كتلة النداء إلى المرتبة الثالثة بعد كتلة النهضة 69، وكتلة الائتلاف المدني المؤيدة للشاهد.

 

وقال السبسي بوضوح وقراءة للمشهد القادم في تونس بحسب تقديراته للموقف : “لو يرحلا الاثنان – نجله والشاهد –  معاً لن يضر ذلك تونس” أو كما قال باللهجة التونسية: “لو كان يمشـوا الزوز تونس ما تتضرش”، وأضاف: “مغادرتهما الاثنين في مصلحة البلاد”.

النصيحة جاءت من السبسي لرئيس الحكومة بطرح تجديد الثّقة في حكومته أمام البرلمان، مذكراً إياه بأنه بات يحظى اليوم بأغلبية، لكن الشاهد حسب الباجي رفض نصيحته بالذهاب للبرلمان لتجديد الثقة، “وهو حر في ذلك” فيما أعلن النائب، وليد جلاد، عضو كتلة الائتلاف الوطني الجديدة، إنها ستدعم حكومة، يوسف الشاهد، ضمن عملية الدعم الكامل للدولة، في رد سريع على التجاذبات الواضحة في المشهد التونسي.

أزمة الاحزاب

وفي محاولة للهروب من تحمله المسئوليه عن فشل حزبه بعد أن ترك لابنه الحبل على الغارب ، كانت رسالة الرئيس التونسي الرابعة أن الاحزاب التونسية في أزمة ، زاعما أن الأزمة الحادة والقاتلة التي يمر الحزب الذي أسسه، لا تختلف عن الأحزاب التي انشقت عن النداء، كمشروع تونس، وتونس أولاً، وغيرها التي تشهد خلافات وصراعات وانشقاقات، مؤكداً أن قضية نــداء تونس ليست مرهونة في شخص نجله حافظ قائد السبسي قائلاً: “ولـدي في داري، ولست أنا من عينته في حزب نداء تونس” بيد أن الباجي أوضح بأنه ليس راضياً عن أداء الحزب الذي أسسه: “أنا اليوم لست راضياً على أداء النداء الذي أسسته شخصياً”، وتساءل عمّا يمنع الندائيين من تغيير نجله حافظ إذا كانوا لا يرغبون في زعامته؟.

 

لكن في المقابل ، يبدو أن حزب حركة النهضة هو من نجا من ازمات الاحزاب الرائجة في تونس، وقدم في بيان بعد خطاب السبسي ردودا متوزانة ناضجة تناسب كونه فارس الرهان حاليا في بلاد “بوعزيزي” ، ويرى مراقبون أن ذلك لم يأت من فراغ ، فقد خاض معارك صعبة بعد أن نجا من انقلاب ناعم عقب الانقلاب العسكري في مصر في العام 3013 ، وتجاوز الازمات التي عصفت بالثورة التونسية وفاز بمراكز المشاركة في صناعة القرار في كل الانتخابات التي خاضها ، وفاز بالمقدمة في انتخابات المحليات ، وبات رقما صعبا في حسم الخلاف التونسي الحالي حيث يخطب وده الكثير من الائتلافات وفي مقدمتهم ائتلاف رئيس الوزراء يوسف الشاهد.

خارطة جديدة!

ووصف محللون حوار الرئيس التونسي بخطاب إعلان الهزيمة أمام يوسف الشاهد، الذي نجح في تكوين قاعدة برلمانية داعمة له، إلى جانب حركة النهضة، ما دفع بالقائد الباجي السبسي إلى التبرؤ منه وتحميله مسؤولية الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد، وتوقع البعض أن حزب حركة النهضة يبحث عن طرف سياسي آخر لبناء توافق جديد والبديل سيكون يوسف الشاهد والائتلاف الوطني الداعم له.

 

ويرى المحلل السياسي التونسي، خالد عبيد، أن “التوافق بين النهضة والسبسي انتهى منذ مدة، والآن نحن في مرحلة التعايش بين الجانبين، رغم أن السبسي قدم الكثير من الخدمات للنهضة، كما ضحى بسمعته السياسية ، بينما لم تجاريه النهضة في قراراته ومن بينها أساسا اقالة رئيس الحكومة” .

مراقبون في هذا الاطار يرون أنه رغم أن “ساكن قصر قرطاج ” خسر رهاناته، وأن يوسف الشاهد الكاسب الأبرز في هذه الجولة،لكن  السبسي قد تكون لديه أوراق أخرى، سيخرجها ذات يوم، شريطة أن يجد الدعم وهذا أمر مشكوك فيه في ظل تأثيرات خارجية يعرف أنها تتجاوز معطيات الداخل، وما زاد من تعقيد الوضع بالنسبة للسبسي المجروح في كبريائه بحسب المراقبين أن الشاهد أظهر دهاء سياسيا في استقطاب جانب كبير ممن كانوا داعمين لنجل الرئيس في النداء، وبات عند بعضهم الزعيم الجديد الذي يعولون عليه في تغيير المشهد السياسي، ويدفعون به إلى تشكيل حزب سياسي قد يكون “نداء المستقبل” بدل النداء الحالي.

 

وتشير تقارير إعلامية محلية إلى أن  “النهضة” تتجه فعليا للتوافق من جديد مع حزب “الائتلاف الوطني”، الذي ينتظر أن يعلن عنه رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال الفترة القريبة المقبلة بعد أن تمكنت كتلة الائتلاف الوطني في البرلمان، المنسوبة إلى الشاهد، خصوصا مع نجاحه في الدفع إلى تشكيل كتلة برلمانية، وصل عدد أعضائها إلى 45 نائبا، وقد تصل إلى 50 نائبا خلال الأيام القادمة، لتحتل المرتبة الثانية تحت قبة البرلمان بعد كتلة حركة النهضة، وهو ما يعطي الكتلتين معا أغلبية مريحة ستطيح بأي مشروع للإطاحة بالحكومة ورئيسها.