تتبنى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سياسة خارجية تتسم بالمرونة إلى حد بعيد. وقد صرحت قيادات الحركة مرارًا أنها منفتحة على كل الدول التي من الممكن أن تدعم مشروعها التحرري، وأنها في سبيل ذلك، لا ترد داعمًا أو راغبًا في الدعم، أيًا كان نوع الدعم الذي يرغب في تقديمه. وتؤكد الحركة في المقابل أنها لا ترهن قرارها السياسي أو العسكري بيد أحد من الداعمين لها، وتشدد على أن يكون الدعم غير مشروط بحال من الأحوال.

وبعد العدوان الأخير الذي شنته دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصَر واستمر طيلة 11 يومًا، في الفترة ما بين 10 و21 مايو/ أيار الماضي، وأسفر عن استشهاد وجرح الآلاف من الفلسطينيين، بعد هذا العدوان، كرر قادة حماس طلبهم الدعم من جميع دول العالم، وخاصة العربية والإسلامية  منها.

 

نشاط خارجي متزايد..

ومن الملاحظ أن الحركة بدأت تنشط خارجيًا بشكل متزايد. فقد زار إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، ووفد رفيع المستوى من قادة الحركة، كلًا من مصر والمغرب وموريتانيا، كذلك طلبت الحركة إجراء زيارة إلى الجزائر.

ففي مصر، ناقشت حماس بعض الملفات المهمة مع رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، تركزت حول إعادة إعمار غزة، وملف تبادل أسرى الاحتلال الموجودين لدى حماس بآخرين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، هذا بالإضافة إلى ملف كسر الحصار عن غزة

وفي موريتانيا، عوملت الحركة بشكل رسمي من الدولة، حيث استقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، إسماعيل هنية. وأجرى لقاءً معه في قصر الرئاسة في العاصمة نواكشوط، بحضور وفد من حركة حماس. كما استقبِل وفد حماس استقبالًا شعبيًا، وطلب قادة حماس من الشعب الموريتاني تقديم الدعم للمقاومة.

أما فيما يخص الجزائر، فقد أجرى القيادي في الحركة سامي أبو زهري، لقاء مع السفير الجزائري لدى تركيا مراد عجابي، في مقر سفارته بأنقرة، وتناولا في اللقاء الأوضاع الفلسطينية بعد معركة سيف القدس. وجدد أبو زهري طلب حماس زيارة الجزائر بشكل رسمي، حيث قال: “أكدنا على طلب زيارة قيادة حركة حماس للجزائر الشقيقة ضمن جولتها لدول المنطقة، وتعبيرًا عن العلاقات التاريخية بين الشعبين الفلسطيني والجزائري”.

 

زيارة لافتة إلى المغرب..

وفي زيارة غير متوقعة، زار هنية المغرب على رأس وفد رفيع المستوى من الحركة، بدعوة رسمية من حزب “العدالة والتنمية”، قائد الائتلاف الحكومي. وامتدت الزيارة خمسة أيام، وهي الأولى من نوعها التي تقوم بها “حماس” للمغرب، عبر وفد يرأسه هنية. كما أن الوفد كان كبيرًا، حيث ضم 12 من قياديي وأعضاء المكتب السياسي للحركة، منهم موسى أبو مرزوق، وحسام بدران، وعزت الرشق، وخليل الحية، وطاهر النونو، وسامي أبو زهري.

وكان اللافت في هذه الزيارة هو أن المغرب أحد الدول التي شملتها موجة التطبيع الأخيرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي  في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استأنف المغرب علاقاته مع دولة الاحتلال بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة اعترافها بسيادة الرباط على إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين المملكة وجبهة “البوليساريو”.

وبالتأكيد، فإن تطبيع المغرب أضر بالقضية الفلسطينية وبالمشروع التحرري لحركة حماس. وقد رفضت حماس تطبيع المغرب بلهجة قوية حين حدوثه، حيث قال الناطق باسمها حازم قاسم إن تطبيع علاقات المغرب مع الكيان الصهيوني يعتبر “خطيئة سياسية لا تخدم القضية الفلسطينية”. كذلك واعتبرت “حماس” توقيع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، أمين عام حزب “العدالة والتنمية”، لإعلان التطبيع، وتأييد الأمانة العامة للحزب للخطوة، “خروجًا عن مبادئ الحزب وأدبياته الداعمة والمؤيدة لفلسطين وشعبها المقاوم، وكسرا لموقف التيار الإسلامي المجمع على رفض التطبيع مع الاحتلال”.

 

خالد مشعل على شاشة العربية..

ومؤخرًا ظهر رئيس حركة “حماس” في خارج فلسطين، خالد مشعل، على شاشة قناة العربية السعودية، في حدث بدا غريبًا للبعض. ومن خلال قناة العربية، دعا مشعل السعودية لإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين في سجونها، وفتح أبواب العلاقة مع حماس. 

وكان بعض المسؤولين في حركة حماس انتقدوا تغطية قناة العربية للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، حيث ظهرت القناة وكأنها مؤيدة للعدوان ومهاجمة للشعب الفلسطيني ومقاومته. كذلك فإن السعودية -التي هي مالكة القناة- نحتجز القيادي في حركة حماس محمد الخضري ونجله “هاني”، بالإضافة إلى العشرات من الفلسطينيين، يحمل بعضهم الجنسية الأردنية. ويحاكم المعتقلون بتهمة دعم المقاومة الفلسطينية. 

كذلك، فإن المملكة هي التي استقبلت الرئيس ترامب في أول زيارة خارجية له، وخلال هذه الزيارة أطلق ترامب من قلب السعودية لقب “منظمة إرهابية” على حركة حماس. لذلك فإن هناك ما يكفي من الأسباب كي تأخذ الحركة موقفًا أكثر سلبية من السعودية، إلا أن حماس لم تفعل ذلك.

 

دلالات زيارة المغرب ولقاء مشعل مع العربية..

وتؤكد الخطوات الحمساوية الأخيرة أن حركة حماس منفتحة لتلقي أي دعم من الجميع، حتى ولو كانت حماس غير راضية على بعض تصرفات هؤلاء الداعمين. فالحركة ترى أنه من الواجب عليها أن تركز على كل ما يمكنه توحيد كلمة الأمة حول تحرير فلسطين، دون التعمق في الخلافات الداخلية في هذه الدول، أو جعل التوجهات الخارجية لهذه الدول معضلة في طريق أي دعم قد يفيد مشروع الحركة التحرري.

ويعتبر موقف حماس مبررًا بشكل أو بآخر، وذلك بسبب أنها تتحرك من موقف ضعف بشكل مجمل، فما زال قطاع غزة محاصرًا، وما زالت هناك ضغوط صهيونية وحتى عربية عليها في بعض الملفات، خصوصًا ما يتعلق بسلاح الحركة والأسرى الصهاينة لديها. وعلى ذلك فإنه من المنطقي أن تتبع حماس سياسية خارجية أكثر رحابة.