العدسة – غراس غزوان

مجزرة هي الأبشع على الإطلاق في سيناء، فعدد الضحايا الذين سقطوا في الهجوم الإرهابي على مسجد بقرية الروضة في مدينة بئر العبد وصل إلى 235 قتيلا وعشرات المصابين، وهي أعداد غير مسبوقة.

روايات كثيرة نسجت حول الواقعة من بينها، تلقي الأهالي تهديدات باستهداف مسجدهم، وهو ما جعل الأهالي يقومون بوضع المتاريس أمام المسجد وتحويل المرور بالمنطقة، وهو ما يعني وجود تقصير أمني من قبل الدولة واعتماد الأهالي على أنفسهم في تأمين مسجدهم، برغم تحول شمال سيناء إلى ثكنة عسكرية، يتواجد فيها قوات الجيش في كل شبر من أرضها.

تقوم استراتيجية عبدالفتاح السيسي في سيناء على محاربة الإرهاب، لكن هذه الإستراتيجية كثيرا ما أثبتت فشلها في ظل انشغال الجيش بأمور أخرى كالسياسة والاقتصاد والاستثمار، وهو ما يؤدي بالطبع إلى التقصير والإهمال في المهام الأساسية التي تتركز على حماية الحدود والبلاد من الأخطار.

حتى الآن لا تعرف تفاصيل الواقعة بشكل كامل أو صحيح، وذلك لما يفرضه الجيش على المنطقة من تعتيم كامل، ومنع الصحفيين أو المنظمات الحقوقية من الوصول إلى شمال سيناء.

لكن الشيء الواضح والملموس هو أن الجيش تحول منذ انقلاب الثالث من يوليو إلى بنية اقتصادية كبيرة يشرف ضباطها على مشاريع ذات طابع مدني، كخطوط إنتاج الأسماك والجمبري التي افتتحها السيسي قبل أيام بمحافظة كفر الشيخ.

ويساعده في ذلك القانون الذي بموجبه يسيطر الجيش على أكثر من 80% من أراضي الدولة ويحق له أيضا استخدام المجندين إجباريا في أعمال ليست لها علاقة بالقوات المسلحة من خلال توزيعهم على العديد من المشاريع الاقتصادية التي بناها الجيش في إمبراطوريته، بعد أن تحول إلى كتلة إدارية تبحث عن السيطرة على ملفات الاقتصاد الداخلي وريادة الأعمال.

إفتتاح “الجيش” لأكبر مشروع لــ “الإستزراع السمكي”

عقيدة الجيش

التوجهات الجديدة التي جرى إدخالها على مدار عقود للعقيدة القتالية للجيش، وخاصة التي جاءت نتيجة لتوقيع معاهدة “كامب ديفيد” للسلام،  تقول: إن قادة الجيش أصبحوا منفذين لعقيدة جديدة بشكل واضح، وأنهم حولوا الجيش من مقاتل لإسرائيل إلى محارب للإرهاب، وتحول العدو التاريخي بين يوم وليلة إلى حليف وصديق!.

وتعتبر عملية تشكيل “قوات التدخل السريع” التي أعلن عنها السيسي في عام 2014، نقطة تحول أخرى في مسار الجيش، حيث قال حينها إن هذه القوات لتعزيز قدرة الجيش على مواجهة “التحديات التي تواجه مصر في الداخل والخارج”.

وقال السيسي أيضا إلى إن تلك القوات “يعاد تنظيمها وتطويرها وفقا لأحدث النظم القتالية لتنفيذ جميع المهام، وزيادة قدرة الجيش على بذل أقصى جهد لمجابهة التهديدات والتحديات”، لكن التحديات التي تحدث عنها السيسي في خطابه كانت نتاج عمليات القتل والقمع التي يمارسها الجيش بحق المصريين.

” قوات التدخل السريع “

منظور الأمن القومي

ومع تغير العقيدة القتالية للجيش تغير معه منظور الأمن القومي حيث يرى النظام الحالي حركات الإسلام السياسي، التي برز صوتها مع تغير المشهد في يناير 2011، فعمل مع دول خليجية تتهددها أيضا مخاطر زوال أنظمتها بسبب صعود تلك الحركات.

ونتيجة لأن نظام السيسي غير مستعد لأي توتر في العلاقات مع إسرائيل يسارع الجنرال إلى دعم الشراكة مع الدولة التي كانت يوما محتلة لأجزاء كبيرة من مصر، ويعمل في الجهة الأخرى على إزالة إي تهديد يواجه هذه الدولة، حتى وإن كان مصدر هذا التهديد حركات إسلامية استطاعت الوصول إلى الحكم في مصر كجماعة الإخوان المسلمين، أو حركات جهادية إسلامية خارج الحدود مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس.

“السيسي” و “نتنياهو”

الفشل الحتمي

فخلال الفترة الماضية أطلقت وزارة الدفاع العديد من الحملات العسكرية في سيناء ضد من أطلقوا عليهم “إرهابيون”، الأمر بدا وكأنه محاولة للبحث عن شرعية للنظام وتثبيت أركانه عبر تحقيق نجاحات مزيفة، إلا أنه حتى في هذا الأمر فشل فشلا ذريعا.

فبين الفينة والأخرى تطل العمليات ضد الجيش برأسها، مخلفة عشرات القتلى والجرحى، ولا تتوقف تلك العمليات يوما في سيناء التي بات الرعب يسيطر على سكانها، بعد أن وقع الأهالي ضحية الاشتباكات بين القوات والمسلحين.

تلك العمليات المسلحة يراها البعض نتيجة طبيعية لسياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها السيسي بحق أهالي سيناء، رغم تصريحاته عندما كان وزيرا للدفاع التي قال فيها إنه “من السهل محاصرة رفح والشيخ زويد وطرد السكان منهما وتفجير المباني، لكنك بذلك تشكل عدوا ضدك وضد بلدك لأنه أصبح هناك ثأر معهم”.