ترجمة العدسة عن TRT World
قالت حكومة الوفاق الوطني -المعترف بها من قبل الأمم المتحدة إن تهديد مصر بالغزو العسكري “عمل عدائي” يعادل “إعلان الحرب”، جاء ذلك بعد قيام عبد الفتاح السيسي بتحذير حكومة الوفاق الوطني من قيامها بأي خطوة للاستيلاء على مدينتي سرت والجفرة، معلناً أن ذلك قد يؤدي إلى تدخل عسكري مصري في ليبيا.
تعليقاً على تصريحات السيسي التي اعتبرها غير جادة، قال المحلل السياسي علي بكير في حوار له مع قناة TRT World “لا أظن أن السيسي سيقوم بإرسال جيشه لأبعد من 1100 كيلو متر من الحدود المصرية مع عدم وجود مبرر يستحق هذا”.
إن عودة مصر إلى دور قيادي في ليبيا، بعد أشهر من سيطرة الإمارات على قرارات القاهرة، لا يعنى أن تتخلى الدولة الخليجية عن تصاميمها الإقليمية، خاصة وأن الإمارات تريد إقناع السيسي بالتدخل نيابة عن حفتر، وهي مستعدة لتمويل العملية العسكرية -التي يهدد بها السيسي-.
على الجانب الآخر، أكد المحلل الأمني التركي “عمر أوزكيزليجيك” أن قوة مصر ستنهار إذا تدخلت في ليبيا، وحذر في حواره مع TRT World بأن هذه الخطوة ستستنزف موارد الجيش المصري لفترة طويلة”.
من ناحية أخرى، العامل الجغرافي سيكون عائقاً كبيراً أمام القوات المصرية، فجغرافية التضاريس ستجعل التوغل العسكري في عمق الأراضي الليبية كابوسًا لوجستيًا لبلد لم يشهد حربًا تقليدية منذ عقود.
كما أن المعارك المستمرة بين قوات الأمن المصرية والمسلحين في شبه جزيرة سيناء كشفت نقاط ضعف أخرى في الجيش المصري.
يُذكر أنه في مايو/أيار من هذا العام، قتل 15 جنديًا مصريًا على أيدي الجماعات المسلحة، وهو ذات المصير الذي واجهه مئات الجنود المصريين منذ 2013.
الواقع في ليبيا مختلف تماماً عما يحدث في سيناء، حيث يعمل المسلحون إلى حد كبير من خلال هجمات الكر والفر، أما في ليبيا، ستصعد القوات المصرية ضد حكومة الوفاق الوطني، وهي قوة مسلحة بشكل أفضل بكثير، والتي إلى جانب دعم تركيا من شأنها أن تكون خصمًا قويًا.
قال أوزكيزليجيك “كلما نشر الجيش المصري قواته غرب ليبيا، كلما أصبح أكثر عرضة للهجمات ضد أنظمة الدفاع الجوي”.
وأضاف “ستكون الخطوة صعبة دبلوماسياً لأنها ستكون انتهاكاً مباشراً للقانون الدولي ولا يمكن تبريرها بالدفاع عن النفس لأنه لا يوجد شيء يهدد مصر”.
خطوط حمراء
تتمركز قوات حكومة الوفاق الوطني على مشارف بلدة سرت الاستراتيجية التي تقع على ساحل وسط ليبيا، وفي حال تم الاستيلاء عليها من قبل الوفاق، ستفتح أبواب السيطرة على “الهلال النفطي” للبلاد أمام الوفاق وستمنح حكومة طرابلس إمكانية الوصول للسيطرة على موانئ النفط في السدرة ورأس لانوف ومرسى البريقة وزويتينا، حيث يوجد أحد عشر خط أنابيب نفط و ثلاثة مخازن غاز تتقارب في البحر المتوسط.
وفي حين أن حكومة الوفاق الوطني ليست قوية بما فيه الكفاية عسكريًا للوصول إلى بنغازي، فإن سيطرتها على سرت ستعطي الحكومة المعترف بها دوليًا نفوذًا أفضل على طاولة المفاوضات.
تعليقاً على هذا قال أوزكيزليجيك “أعتقد أن معركة حاسمة ستحدث في سرت والجفرة حيث سيضعف كلا الجانبين ولكن سيفوز جانب واحد… بعد ذلك، قد يبدأ حل سياسي حقيقي، خاصة إذا كان الهلال النفطي تحت سيطرة حكومة الوفاق الوطني”.
إن استحواذ حفتر على “الهلال النفطي” عام 2019، سمح له بالسيطرة على أكثر من 60 في المائة من ثروات النفط والغاز في البلاد وبالتالي ساهم بصورة كبيرة في تقويض حكومة الوفاق الوطني.
يتم بيع النفط في ليبيا من قبل مؤسسة النفط الوطنية، ثم يتم إرسال الأموال إلى البنك المركزي في البلاد الذي يقوم بعد ذلك بإعادة توزيع الأموال بنسبة معينة مع اكتساب حكومة الوفاق الوطني الجزء الأكبر وكسب ميليشيا حفتر مبلغًا أقل.
إذا كانت حكومة الوفاق الوطني ستعزز وصولها إلى الهيدروكربونات، فيمكنها أن تعزز حكمها على البلاد والحصول على الأموال اللازمة.
صراع بعيد جدا
تواجه مصر العديد من التحديات الدولية، بما في ذلك التعامل مع إثيوبيا التي انتهت تقريبًا من بناء السد الكهرومائي الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار والذي سيحول المياه من النيل.
وهددت القاهرة باستخدام القوة لوقف بناء إثيوبيا لهذا السد، ويقول بكير إن التدخل في ليبيا سيؤدي إلى مزيد من التدهور في أمن مصر التي لن تستطيع مواجهة كل هذه التحديات.
“بمجرد التورط [في ليبيا] سيكون من المستحيل على نظام السيسي التعامل مع قضية النيل مع إثيوبيا حيث يوجد تهديد خطير للأمن القومي للدولة المصرية”.
وأضاف “أعتقد أن تصريحاته تهدف إلى عرقلة تقدم قوات حكومة الوفاق نحو الشرق والدفع باتجاه وقف سريع لإطلاق النار لإنقاذ حفتر… هناك أيضًا جانب حيث يهدف إلى تحويل الانتباه بعيدًا عن فشله في التعامل مع قضية النيل مع إثيوبيا”.
تجري مصر مفاوضات مع إثيوبيا والسودان منذ أكثر من عقد حول كيفية تحديث معاهدة الحقبة الاستعمارية التي تمنح القاهرة الجزء الأكبر من المياه، بالإضافة إلى خيار الفيتو على المشاريع التي يمكن أن تؤثر على أمنها المائي المتصور.
مع نجاح ضئيل أو معدوم للظهور على الجبهة الإثيوبية، صعد السيسي الخطاب حول ليبيا، الذي دعم حفتر في الصراع الدائر فيها كما دعم الحلول العسكرية صراحة.
من الجدير بالذكر إن اعتماد مصر الكلي على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالقرارات الخارجية كونهما الداعمين الماليين الرئيسيين للبلاد ساهم بصورة كبيرة على إعاقة قدرة مصر على رسم سياسة خارجية مستقلة في السنوات الأخيرة
.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا