ذكرت مجلة “لو نوفيل إيكونوميست” أن الانسحاب الأمريكي والحرب باليمن والوضع الاقتصادي وتراجع القوة السياسية وتغير القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، من بين أهم أسباب التقارب بين المملكة السعودية وإيران. 

وخلال الشهر الماضي، قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إن السعودية تسعى إلى “إقامة علاقات جيدة مع إيران”، وتعمل مع شركائها في المنطقة “للتغلب على خلافاتهم مع طهران”.

وبحسب المجلة فإنه على الرغم من التطور السريع للعلاقات الجيوسياسية المعاصرة، فإن التحول في خطاب محمد سلمان العدائي تجاه طهران إلى تهدئة أمر مثير للدهشة، حيث أكد أن “إيران دولة مجاورة”، والسعودية “تريد علاقات جيدة ومميزة مع إيران، ولا تريد أن يكون وضع إيران صعبًا. على العكس من ذلك، السعودية تريد إيران مزدهرة”.

وأشارت إلى أنه قبل أربع سنوات، كان خطاب الأمير مختلفًا تمامًا، إذ أكد أن الحوار مع النظام الإيراني مستحيل “لأنه نظام مبني على أيديولوجية متطرفة”.

ووصلت التوترات بين البلدين إلى ذروتها عام 2016 مع الهجوم على السفارة السعودية في طهران؛ رداً على إعدام رجل دين شيعي في الرياض.

وخلال وجود دونالد ترامب، لم يتردد بن سلمان، الذي كانت تربطه علاقات ممتازة بهذا الرئيس الأمريكي، في اتهام إيران بإرسال صواريخ وطائرات مسيرة للحوثيين، المتمردين اليمنيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، تؤكد “لو نوفيل إيكونوميست”.

ونوهت بأن مواقف الرياض القوية حينها كانت نتيجة منطقية لقطع العلاقات بين السعودية وإيران بشكل كامل، حيث نقطة الخلاف هي الهيمنة على المنطقة، لكن في الفترة الأخيرة، يبدو أن الوضع يتغير، إذ تم عقد العديد من الاجتماعات بشكل غير رسمي خلال الأشهر القليلة الماضية.

 

محادثات سرية 

وعلى الرغم من نفي السعوديين والإيرانيين تسربت أخبار بأنه خلف الكواليس، انتهز العراق، البلد الذي مزقته الحرب، الفرصة لتخفيف التوترات بين الرياض التي ترى نفسها زعيمة العالم الإسلامي السني، وإيران القوة الشيعية الرئيسية، من خلال تسهيل المناقشات بين كبار المسئولين الأمنيين بالبلدين.

ومؤخرا قال قائد فيلق القدس الإيراني، وحدة النخبة في الحرس الثوري إن “إيران لديها 80 مليون نسمة، وقد يكون للسعودية مصالح معنا، خاصة في مجال الطاقة”، مضيفًا “العلاقات السلمية بين إيران والسعودية ستكون في مصلحة كلتا القوتين”.

ووفقا للمجلة، على الرغم من المصالح المتعارضة تمامًا بين طهران والرياض بسبب النزاعات في لبنان والعراق وسوريا واليمن، فإن المناقشات جارية على قدم وساق.

ورأت أن تحسن العلاقات بين الرياض وطهران، العدوين التاريخيين، يمكن على الأقل أن يخفف بشكل كبير من التوترات المستمرة في المنطقة، بل ويعطي الأمل في إمكانية إرساء سلام دائم.

 

أسباب التحول الاستراتيجي

وتقول “لو نوفيل إيكونوميست” إن السبب الرئيسي لهذا التغيير هو بلا شك تراجع الولايات المتحدة لعدم اهتمامها التدريجي بالشرق الأوسط، من أجل التركيز بشكل كامل على آسيا، ما دفع محمد بن سلمان إلى إجراء هذا التغيير في إستراتيجيته.

وأكدت أن هجوم الحوثيين، المدعومين إيرانيا، على منشآت النفط السعودية، والذي لم يتبعه انتقام من حليفهم دونالد ترامب ضد المشتبه به الرئيسي طهران، كان بمثابة صدمة للسعوديين ونقطة تحول.

كما أنه نظرًا لكونهم باتوا لوحدهم اليوم، فهموا بالتالي أنه يتعين عليهم إنشاء حلفاء لهم بالمنطقة، خاصة بعد وصول جو بايدن للبيت الأبيض والذي أكد نهاية الدعم السياسي والعسكري الأمريكي للرياض. 

ولفتت المجلة إلى أن الرئيس الأمريكي الجديد أكثر صرامة مع محمد بن سلمان من سلفه ترامب، خاصة بعد تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أكدت فيه دعم الأمير لعملية الاغتيال المروع للصحفي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية الرياض بتركيا 2 أكتوبر/ تشرين أول 2018.

من ناحية أخرى، في مواجهة الحوثيين اليمنيين، أُجبر محمد بن سلمان مؤخرًا على إعلان أنهم عرب وليسوا مجرد عملاء لإيران، إذ دفع تكثيف هجمات الحوثيين – حوالي 150 منذ عام 2019 – ضد المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، ولا سيما شركة “أرامكو” من نفس العام، ولي العهد إلى التحرك.

كما بينت أنه من بين أسباب التقارب أيضا تدهور الوضع الاقتصادي نتيجة انهيار أسعار النفط وفيروس كورونا المستجد، ما يقوض بشكل خطير جدوى مشروع “رؤية 2030” الذي يقوده محمد بن سلمان، وهي خطة تتمثل مهمتها في إعادة تشكيل الاقتصاد السعودي لجعله أقل اعتمادًا على النفط، ولا سيما من خلال جذب استثمارات أجنبية.

ولذلك، تتابع “لو نوفيل إيكونوميست”، يعلم الأمير أنه ليس أمامه خيار آخر سوى التخلي عن سياسته الخارجية العدوانية لصالح دبلوماسية أكثر سلمية، وخاصة تجاه إيران، بعد أن تأكد بشكل ملحوظ إلى أن سياسة “الضغط الأقصى” تجاه طهران فشلت في جعل هذا البلد ينهار.

على الجانب الأخر، أصبحت إيران، التي باتت في موقف حساس بعد سنوات من العقوبات القاسية ضد اقتصادها، على مفترق طرق حيث ستُجرى الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو/ حزيران المقبل.

 

ظهور الدبلوماسية الإقليمية

ولاحظت الصحيفة بأنه على الرغم من التكهنات السابقة، لم يتسبب الانسحاب الأمريكي في حدوث فوضى بالمنطقة، بل يبدو أنه سمح بظهور الدبلوماسية الإقليمية، وإن كانت في مهدها.

لكن أشارت في الوقت ذاته، إلى أنه إذا تضاعفت المناقشات بين القوة الفارسية والدول العربية، فمن الممكن أيضًا ألا يتفق القادة على تسوية مؤقتة بسبب الفجوة القائمة بين هذه الجهات الفاعلة.

ومما يزيد من هذه التوقعات أنه لا توجد مؤسسة متعددة الأطراف في المنطقة يمكنها أن تحدد وتيرة المفاوضات في بيئة سلمية، كما أنه لانعدام الثقة الكبير والعداوة التاريخية بين هذه البلدان، يمكن لأقل شرارة أن تقضي على  كل الجهود القائمة.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا